الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السيسي أحبط مخططاً تدميريًا فتت دولاً عظمى على مدار 70 عامًا


يعتقد البعض خطأ ، أن التحذيرات المتكررة التي يطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتوعية المصريين من مخاطر مخططات تفتيت الدول العربية و مطالبته المتواصلة للمصريين بالوقوف صفا واحدا لإحباط هذا المخطط ، ما هو إلا فزاعة ، يستخدمها السيسي لتبرير الإجراءات القوية التي يتخذها والتي تصل إلى حد إستخدام القوة الغاشمة من أجل حماية البلاد من مخاطر الإرهاب و السقوط في براثن الفوضى.

فمن يدرس جيدا الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945) و حتى يومنا هذا ، سيجد أن مخطط التقسيم الذي تزعمته بريطانيا و الولايات المتحدة بالتحالف مع فرنسا يعود تاريخه إلى 70 سنة مضت، و لم يكن يستهدف دولة بعينها ، أو ديانة بعينها ، أو عرقا بعينه ، لكنه إرتكز على مبدأ تفتيت الكيانات الكبرى و تحويلها إلى دويلات على أسس دينية ، و طائفية ، و مذهبية ، و عرقية، و عشائرية ، حتى لا تمثل أي تهديد للمصالح الأمريكية و الأوروبية.

يقول التاريخ الحديث في سجلاته .. لم تكن الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها إلا و قد بدأ تنفيذ مخطط تفتيت الكيانات الكبرى إلى دويلات متحاربة . و كانت الهند البريطانية ، أو الهند الكبرى أولى ضحايا هذا المخطط الجهنمي الرهيب . ففي 23 أغسطس 1947 ، إستغلت بريطانيا و أمريكا الخلافات بين المسلمين و الهندوس، ليتم تقسيم الهند الكبرى إلى دولتين هما " الهند " و "باكستان"، ما أدى إلى فرار الملايين من المسلمين و الهندوس خوفا من الحرب الطائفية التي راح ضحيتها بالفعل أكثر من مليون شخص من الجانبين .و مع تقسيم الهند لدولتين ، بقي إقليم " كشمير" ، في شمال الهند ، عنصرا للتوتر بين الدولتين الجديدتين ، الهند و باكستان ، بسبب تمسك كل دولة بموقفها بخصوص إنتماء كشمير لأراضيها... فالهندوس إستندوا على أن حاكم كشمير الهندوسي وقع إختياره على الإنضمام للهند بعد قرار التقسيم ...في حين أن باكستان إستندت الى أن الغالبية العظمى من سكان كشمير من المسلمين ما يعني أحقيتها في ضم كشمير لأراضيها طالما أن قرار التقسيم إستند الى الإنتماء الديني.

و نتيجة لتقسيم الهند الكبرى إلى دولتين، تسبب النزاع على إقليم كشمير إلى إندلاع ثلاث حروب بين الهند و باكستان ... الأولى في 1948 ، و الثانية في 1965، و الثالثة في 1971 . و قد أسفرت حرب 1971 عن تقسيم باكستان نفسها إلى دولتين، بعد أن قررت باكستان الشرقية أو البنغال في ذلك الوقت الإنفصال عن باكستان ، ليطلق علي الدولة المنفصلة حديثا إسم "بنجلاديش" الحالية .

وتعطلت مؤامرة التقسيم في الخمسينيات من القرن الماضي لظروف تتعلق بإنقسام العالم إلى معسكرين ، المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، و المعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوفيتي . و كان كل معسكر قد نجح في تشكيل حلف عسكري يدافع عن مصالحه فشكل المعسكر الغربي حلف" الناتو" في حين شكل المعسكر الشرقي حلف" وارسو".

وفي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ، نجح المعسكر الغربي في إستغلال الظروف الإقتصادية الصعبة التي كانت تعاني منها شعوب المعسكر الشرقي، سواء بسبب فشل النظام الشيوعي" الملحد " في مجاراة النظام الرأسمالي على المستوى الإقتصادي ، أو بسبب جر الإتحاد السوفيتي إلى سباق التسلح الذي إلتهم جانبا كبيرا من ميزانية دوله . كما تمكن المعسكر الغربي من إستغلال التأثير الديني أفضل إستغلال لتدمير حلف وارسو بتعيين القس البولندي ، يوحنا بولس الثاني ، بابا للفاتيكان في 1978 . و أسفرت هذه الخطوة المدروسة بعناية في إحياء الإنتماء الديني للديانة المسيحية الكاثوليكية لدى الشعب البولندي الذي يحتضن في عاصمته مقر حلف وارسو، 

ومع الصحوة الدينية المسيحية في بولندا و دول أوروبا الشرقية، تحت تأثير البابا يوحنا بولس الثاني، فضلا عن المصاعب الإقتصادية في دول المعسكر الشرقي، إنهار الإتحاد السوفيتي في 25 ديسمبر 1991 ليتم تفتيته إلى 15 دولة على أسس دينية، و قومية ، و عرقية . و الدول الخمسة عشرة هي روسيا ، الوريث الشرعي للإتحاد السوفيتي ، و بيلاروسيا ، و أوكرانيا ، و ملدوفيا، و جورجيا، و أرمينيا، و أستونيا ،و ليتوانيا، و لاتفيا، فضلا عن الدول الإسلامية أذربيجان ، و كازاخستان، و أوزبكستان، و تركمانستان، و قيرقيزستان، و طاجيكستان .

ولم تمض شهور قليلة إلا و استدارت الولايات المتحدة و أوروبا تجاه دولة كبرى أخرى لتفتيتها أيضا على أسس دينية و عرقية و هي يوغوسلافيا ، إحدى الدول المؤسسة لمجموعة دول عدم الإنحياز مع مصر و الهند ، خلال فترة حكم الرئيس الراحل ، جمال عبد الناصر.

فلو إفترضنا جدلا أن الرئيس جمال عبد الناصر ، عاد اليوم للحياة ، فإن من أول المعلومات الملحة التي سيسأل عنها بخصوص السياسة الخارجية ستكون ، بكل تأكيد، الإستفسار عن أحوال شريكه في تأسيس مجموعة عدم الإنحياز، جوزيف بروس تيتو، رئيس يوغوسلافيا . و بالقطع سيكون الرد على عبد الناصر أن صديقه في الكفاح من أجل تأسيس عدم الإنحياز، تيتو ، توفي في 1980 أي بعد مرور عشر سنوات على وفاة عبد الناصر ...و لو طلب عبد الناصر التعرف على رئيس يوغوسلافيا الجديد، فسيفاجأ بأن يوغوسلافيا أصبحت، المرحومة يوغوسلافيا ، مثل المرحوم تيتو ، بعد أن تم تفتيتها إلى 6 دويلات هي صربيا ، و مونتنيجرو ، و كرواتيا، و سلوفانيا ، و مقدونيا، و البوسنة و الهرسك ( المسلمة ) . و حتى صربيا التي تعتبر نفسها الوريث ليوغوسلافيا أصبحت تحتضن داخل أرضيها محافظتين مستقلتين هما فويفودينا ، و كوسوفو ذات الأغلبية المسلمة .

و لم يكن الغرب قد إنتهي من تدمير الشيوعية في أوروبا الشرقية ، إلا و قد إستدار على القارة الإفريقية ، فبادر بتفتيت إثيوبيا ( المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل ) في إطار المخطط الرامي للإطاحة بالنظام الشيوعي الماركسي اللينيني الحاكم حينذاك في إثيوبيا بقيادة الرئيس ، مانجستو هيلا ماريام . و بالفعل ساعد الغرب إريتريا ، ذات الأغلبية المسلمة ، في حربها ضد نظام مانجستو هايلا ماريام ، حتى إنفصلت إريتريا عن إثيوبيا في إبريل 1993 ، لتحرم إثيوبيا من منفذها الوحيد على البحر الأحمر، و هو ميناء أريتريا ، لتتحول إثيوبيا لدولة حبيسة لا ميناء لها . و لم يكن الغرض من تفتيت إثيوبيا هو الإطاحة فقط بالنظام الشيوعي لمانجستو هايلا ماريام ، و لكن كان الهدف أيضا هو حرمان أثيوبيا من منفذ على البحر ، حتى تتدهور أوضاعها الإقتصادية ، و تضطر لبناء سدود على نهر النيل لتحسين إقتصادها بغرض إنزال الضرر بحصة مصر المائية.

ويعد إنفصال إريتريا عن إثيوبيا ، بمثابة أول إنتهاك لأهم البنود المؤسسة لميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، و هو بند إحترام الحدود الإفريقية الموروثة عن الحقبة الإستعمارية ، أي عدم المساس بحدود الدول التي رأت النور خلال فترة الإستعمار الإوروبي للقارة الإفريقية.

وبعد القضاء على العدو الشيوعي، لم يكن أمام الولايات المتحدة إلا صناعة عدوا جديدا يمنحها الحجة لمواصلة تفتيت الدول و الأمم على أسس دينية، و طائفية، و عرقية . و هنا فلم تجد أمريكا أمامها أفضل من التطرف الإسلامي . و بالفعل وجدت أمريكا ضالتها في أسامة بن لادن ، زعيم تنظيم القاعدة، الذي ساعدها في حربها المستترة ضد الإتحاد السوفيتي الملحد في أفغانستان المسلمة . و نجح أسامة بن لادن نجاحا كبيرا في خلق العدو الجديد من خلال تنمية التطرف الإسلامي في العالمين العربي و الإسلامي ، بالتحالف مع أيمن الظواهري، زعيم جماعة الجهاد الإسلامي المحظورة . و تمكن بن لادن بتشجيع غير معلن من أجهزة الإستخبارات الأمريكية من تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد نيويورك و واشنطن لتجد الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي" المتصهين "، جورج بوش الإبن المبرر لتقسيم و تفتيت العالم العربي إلى دويلات متحاربة لصالح أمن إسرائيل من جانب، و السيطرة على الثروات البترولية العربية من جانب آخر .

و كانت أجهزة الإستخبارات الأمريكية، قد أوعزت لأسامة بن لادن ، بمغادرة أفغانستان، متوجها إلى السودان، حتى ينعم بحماية النظام الإسلامي القائم هناك في ذلك الوقت ، حتى يتمكن من ممارسة نشاطه في التبشير بإسلام متطرف بحرية تامة لا سيما الحشد على الجهاد ضد من أسماهم" الصليبيين" و "اليهود " . و للأسف الشديد أكل السودان الطعم بتوفير ملاذ آمن لابن لادن ليتم تصنيف السودان من بين الدولة الراعية للإرهاب . و لم يكن السودان قد إتهم برعاية الإرهاب إلا و قد بدأ تنفيذ مخطط تقسيمه إلى دولتين هما " السودان " و "جنوب السودان" الثري بالثروات البترولية . و بالفعل ، و بفضل العدو الجديد ، وهو الإسلام المتطرف ، تمكن جنوب السودان، ذو الأغلبية المسيحية الوثنية، من الإنفصال عن السودان في 15 يناير 2011 .

وعلى الرغم من أن السودان يعد أول دولة عربية تم تفكيكها رسميا على أساس ديني و عرقي، فإن العراق في واقع الأمر يعد أول دولة عربية يتم تقسيمها بشكل غير رسمي حتى الآن على أسس طائفية . فمن يزور العراق اليوم يدرك أن العراق قد تحول في أعقاب الغزو الأمريكي في 20 مارس 2003 لثلاث دويلات شيعية، و سنية ، و كردية .

وفي واقع الأمر فإن تفتيت العراق قد فتح الباب على مصراعيه أمام مخطط تفتيت دول عربية أخرى ، فتم تقسيم سوريا أيضا و لو بشكل غير رسمي إلى دولة سورية و أخرى كردية . كما وقعت ليبيا أيضا في براثن الفوضى، و الإرهاب، و التشرذم في أعقاب ثورة 15 فبراير 2011 . و تعاني اليمن الآن من التقسيم إلى دولتين صنعاء و عدن مثلما تم تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولة يهودية، و دويلتين فلسطينيتين، الأولى بزعامة منظمة فتح في رام الله، و الثانية بزعامة حماس في غزة .

واعتقد بعد كل هذه الأمثلة الواقعية فأنه لم يعد هناك أي مصري يستطيع أن يشك و لو للحظة واحدة في أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أنقذ مصر من مخطط تدميري أثمر خلال 70 عاما عن تفتيت دول عملاقة تمتلك قدرات عسكرية و أسلحة نووية قادرة على تدمير العالم عشرات المرات . أما من يشككون في ما حدث من إنجاز يصل إلى حد الإعجاز بوضع مصر بمنأى عن أي مخطط تدميري فعليهم سرعة وضع أنفسهم في خانة الخونة و العملاء .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط