الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

توت توت


(توت توت قطر " صغنتوت" ، توت توت بالليل بيفوت ، توت توت بيهل علينا ، توت توت في ميعاد مظبوط)، أغنية يعرفها وتربي عليها معظم أبناء جيلي أبناء الثمانينيّات.

وربما الجيل الذي يليه قد اكتفي بالمقطع الأول في الأغنية قبل أن ينحسر تأثيرها وتتلاشي نغماتها ، لتعود بعدها بسنوات طويلة على ألسنة الجيل الذي تشبع منها في وجدانه ليرددها لأبنائه في لحظات الصفو الجميل، المصاحب لملامح نموهم السريع.

سنوات العُمر تبدل بوجَلْ ملامحنا ، تغير ببرود مشاعرنا ، تعبث بصخب في صحتنا ، لكنها لا تستبدل أعضاءنا!

فعيناك مصيرهما مُعلق بين شبكية وقرنية آثار الزمن عليهما عفية ، ويداك ربما تئنان من خطوط الشقاء التي حفرها العناء ، وقلبك يتقلب ولكن مهما حاولت لن يتقولَب فالقلب خدام أمين لدي أحكامه ، حتى أذنيك ملتصقتان بجمجمتك من المهد إلي اللحد ، ولكن كم هي عجيبة طقوس استقبالِهما لهودج الكلمات ! فما كان ذات يوم يُطربك رقصًا ، أصبح قادرًا علي أن يُشبعك حزنًا.

توت توت العمر يفوت ، توت توت قطرك مربوط ، توت توت قدرَك محكوم، رزقك محسوم ،وتوت توت، هكذا شبه إليّ، عندما هاجمتني أعراض الحنين عند سماع صافِرة القِطار !

قَطار العمر فهو سريعًا يمر ، ينبهِك بصافراتٍ مقتضبة كلما وصل بك إلى محطة ، محطات يفترش جنباتها أحيانًا المهنئون وقليل من الداعمين والبعض من غير المتسامحين وحفنة الجاحدين ، الذين يتلألأ بطشهُم عندما يتواروا وسط الحاقدين فيرد كيدهِم ملائكة ربك متمثلين في صحبةِ من المخلصين.

ربما عندما كتبها الراحِل سيد حجاب ولحنها الراحل عمار الشريعي وغناها الراحل عبد المنعم مدبولي والراحلة هدى سلطان، كانوا يبعثون برسالة ما لتفسير هذا الرحيل!

فالقطر ( الصغنتوت ) كان قادرًا علي صنع الغاغة ويبعث بعطرها إلى مغاغة ، و من علامات تفرده أن يبغبغ مثل الببغاوات ضاربًا بعرض الحائط كل ما هو آت ، حرًا طليقًا يطلق صافرته عاليًا لا يخشى في الفرحِ والمرحِ لومة لائم! بل كان يتلقى قرابينَ السعادة ، من الشيكولاتةِ للنداغة !

فلسفة الكلمات تسعى بين الذكريات في دلالٍ بالغ وَعِند سافِر، لتعبث بحقائبِ ماضٍ بعيد كان سعيدا، فتبث فحيح القرح على كل ما كان يستدعي الفَرَحْ .

يمضي قِطار العمر على محطاتٍ من الخير والشر ، نتذوق طعم الحلو والمر ولكنه في النهاية كله بيمِر ، وربما تكمن علوم النفس و مكامن البشر في كيفية ذَلِك المرور ، أتمُر فيك أم تمُر عَلَيْك؟ 

محطات ومحطات ، وسنوات وراء سنوات ، و توت توت ، قطرك شاب ، توت توت ، يبحث عن إجابات، توت توت ، ميعادك مظبوط، وتوت توت .

كلما سيمُر قطر سيحمِل عطر صبا أمي، وعنفوان أبي، وضحكة أخي ، وضجيج أختي ، وقلب يحمِل كل تلك السعادة ، قلبي أنا الذي سيظل يردد مع كل صافرة قطار (آه يانا يا قليلة الحيلة ) لأستوقف الزمان علي طرف ابتسامة أمي ،وأثبت المكان في حضن أختي، وألتمس الدفء بين كفي أبي وأخي، ولكن توت توت.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط