الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ترامب على طريق الجلجثة !!


غريبة أن يتزامن قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية  إلى القدس والاعتراف بها عاصمة للكيان الإسرائيلى مع احتفال العالم المسيحى بعيد الفصح أو عيد القيامة !!

وهو العيد الذى باع فيه يهوذا الاسخريوطى أحد تلاميذ أو حواريين السيد المسيح وسلمه لهيرودس ملك اليهود لمحاكمته مقابل ثلاثين قطعة من الفضة.

فقد خان يهوذا الاسخريوطى سيده بهذا الثمن البخس، هكذا باع دونالد ترامب مدينة سيده أورشاليم القدس، حيث المسجد الاقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة لإسرائيل ب25 مليون دولار دفعتها جماعات اللوبى الصهيونى له إبان حملته الانتخابية فقط من أجل اورشاليم القدس ... رأس مولد سيده!

وكان شرط تلك الجماعات الصهيونية ان تقوم الولايات المتحدة فى ظل إدارة ترامب .. بالاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة اليهودية بعد أن فشلت فى عهود سابقة وهكذا نجح اليهود والصهيونية العالمية بجعل ترامب .. يهوذا الاسخريوطى القرن الواحد والعشرين مثلما نجحوا مع أحد تلاميذ او حواريين السيد المسيح المخلصين من قبل تسليم سيده بعد ( العشاء الاخير ) ليقبض الثمن الثلاثين من الفضة !

على الرغم ان نقل السفارة الأمريكية قد يستغرق من ثلاث الى اربع سنوات وقد تنتهى ولاية ترامب الرئاسية الأولى دون تحقيق عملية الانتقال، كما أن هذا القرار والتصرف يأتى بما لا يحمل أى معنى أو أن تكون له أسباب أو أى إجابات منطقية وراء هذا سوى انه وعد بذلك إبان حملته الانتخابية مقابل " الثمن " الذى قدمته مجموعات " الايباك" الصهيونى دون أن يدرك أبعاده أو تداعياته، فكان ثمن القرار فقدان المصداقية فى الصديق الأمريكى فهو لم يعد وسيط محايد نزيه فى أى مفاوضات.

غير أن هذا القرار أعطى روسيا حليفها اللدود ان تقتنص الفرص وتتفوق دبلوماسيا وسياسيا عن واشنطن "كوسيط " مؤثر وفاعل ونافذ حدث فى سوريا وسوف يحدث فيما بعد خاصة وان قرار ترامب جاء إحراج بكل تأكيد لحلفاء الولايات المتحدة من الزعماء العرب !!

وسوف تطرح إيران  أيضا نفسها مجددا بصورة المدافع الفعلى للقضية الفلسطينية حتى ان حركة تطلق على نفسها ( النجباء ) العراقية المدعومة من إيران أعلنت استهداف القوات الأمريكية المتواجدة فى العراق , فيما تصدر مانشيتات شعار " الموت لامريكا " العناوين الرئيسية للمنابر الإعلامية التابعة لإيران وحزب الله وتركيا ! 

وهو تصرف من ترامب لا يحمل أى معنى سوى أنها مرشحة لأن تدفع " فاتورته " بشكل باهظ وما تتمناه إسرائيل من هذا الصخب العربى الانشغال بالتفاصيل على حساب جوهر القضية ويبدو أن ترامب يدشن بامضائه نهاية إسرائيل!

ولا ننسى ان امريكا رفعت 43 فيتو بمجلس الأمن ضد الدولة الفلسطينية لمصلحة الكيان الصهيونى الغاصب من أصل 76 مرة استخدمته فيها.

جاء هذا القرار بعد ان سعت جماعات الضغط لاستغلال الازمات الاقليمية لتمرير هذا القرار رغم انه قرارا رمزيا , الا انه يأتى رد فعل لما إتخذته مؤسسات دولية مثل مجلس الامن والامم المتحدة واليونسكو من قرارات فى صالح الفلسطينيين على حساب الإسرائليين منها تبنى مجلس الأمن الدولى مشروع قرار يقضى بوقف الاستيطان الاسرائيلى فى الاراضى المحتلة.

 لكن جاء قرار ترامب كصفعة لسبعة عقود من السياسة الأمريكية ومنها حين أصدر الكونجرس الأمريكى عام 1995 قانونا يقضى بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس فاوضت إدارة كلينتون على إدراج بند فى القانون يحول الإعفاء من تطبيقه لدواع خاصة بالأمن القومى الأمريكى وما إذا كان من شأن مثل هذه الخطوة ان تخدم مصلحة الولايات المتحدة المتمثلة بتعزيز السلام والاستقرار فى المنطقة . 

فى حين طلب الكونجرس من كافة الإدارات الأمريكية اللاحقة الالتزام بهذا البند كل سته أشهر وأصبحت هذه المدة تحدد فى كل مرة حيث كان كل رئيس يقرر ان إسقاط هذا الاعفاء سيفتح المجال أمام أعداء السلام باستغلال اعتراف الولايات المتحدة الرسمى بالقدس بالتحريض على العنف بسبب هذه المسألة المثيرة للعواطف !

وكثير من الرؤساء الأمريكيين السابقين قطعوا وعودا خلال حملاتهم الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل الى القدس لكن سرعان ما كان يغيرون مواقفهم ! 

الطريف انه عندما صوتت الجمعية العامة للامم المتحدة على مشروع القرار الرافض لإعلان ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة جاءت نتيجة التصويت بتأييد اغلبية ساحقة ومن بين الدول التى عارضت القرار الرافض ويدت قرار ترامب دول لا توجد على الخريطة الانسانية مثل جزر مارشال زميكرونيزيا وبالو ونارو وهندوراس وتوجو بالاضافة بالطبع الى امريكا واسرائيل وأذكر أن الست " نيكى هالى " مندوبة الولايات المتحدة بالمنظمة الدولية ان اتهمت علانية الامم المتحدة بمعاداة إسرائيل !!

ولكن يبدو أن " بركات " جاريد كوشنير " صهره اليهودى والذى اختاره ترامب مسؤولا عن عملية السلام او بالأحرى إدارة ملف إسرائيل للسلام كان له مفعول السحر , فقراره نافذ رغم انه على مستوى المفاوضات لم يفعل شيئا , بينما على مستوى مكاسب اسرائيل فهو حقق لهم الكثير ومنها صدام الإدارة الأمريكية مع السلطة الفلسطينية فى واشنطن.

 وحتى ميزانية الاونروا تم تخفيضها وبإعلان ترامب الاخير يقوض الرئيس الأمريكى دور الولايات المتحدة كوسيط فى الصراع العربى الاسرائيلى وجاريد كوشنير مسؤول عملية السلام شخص غير مرغوب فيه لذا عين ترامب جايسون جريبلات مبعوثا لعملية السلام فى الشرق الاوسط.

 وجاريد شخص متعصب ليهوديته( يهودى ارثوذكسى ) حتى ان ايفانكا ابنة ترامب حينما قرر الزواج منها اصبح اسمها ياعيل وهو اسم يهودى كى تتمكن من الزواج طبقا للشريعة اليهودية وهو رجل اعمال كثير الثراء حيث يعمل فى مجال العقارات ووالده كذلك رغم انه سجن عام 2005 بسبب تهربه الضريبى ورغم ان كوشنير من مواليد يناير 1981 الا انه استطاع ان يكون ثروة هائلة حتى انه قام بشراء صحيفة نيويورك تايمز اوبزرفر فى صفقة تقدر قيمتها بعشرة ملايين دولار ومازال مالكها حتى اليوم فى الوقت الذى قدم فيه اكثر من مساحة 11 فدان لبناء مستشفى شارزيدك الإسرائيلى فضلا عن تقديم تبرعات المستوطنات الاسرائلية التى ربما تقوم شركاته ببنائها مع شركاء إسرائيليين فلا ننتظر شيئا ولايجب ان ننتظر شيئا !

رغم ان قرار تدويل القدس كان قد صدر منذ 29 نوفمبر 1947 فقد القى ترامب ايضا بكلام بابا الفاتيكان بتدويل القدس حيث المسجد الاقصى وكنيسة القيامة عرض حائط البراق ,رغم انه هونفس مااكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى من انه يجب الالتزام بالمرجعيات الاممية ذات الصلة , كما يجب التعامل بحذر مع ملف القدس خاصة فى ظل الوضعية القانونية والدينية والتاريخية للمدينة.

 لكن يبقى الرهان على جسارة الشعب الفلسطينى وتحديه وسط تجاهل دولى وعلى الرغم من الحراك الاحتجاجى للشعب الفلسطينى الذى يتظاهر على 5 نقاط على طول الحدود بين غزة واسرائيل واستشهاد 18 فلسطينيا فى مواجهة مع جيش الكيان الاسرائيلى فان الفلسطنيين هذه المرة يصرون على المضى فى مواجهاتهم واحتجاجاتهم الذى يرجح ان تشهد نسقا تصاعديا فى ظل سيناريوهات دموية , وقواعد اشتباك من اقسى نوع وهم يواجهون رصاصات القناصين الإسرائليين بإشعال إطارات السيارات وهى الجمعة التى أطلقوا عليها " جمعة الكاوتشوك " كما قاموا بجمع المرايا للتشويش على القناصين الإسرائيليين على الجانب الآخر.

إن الدم الفلسطينى هو الثمن الذى يجب أن يدفع لاستعادة الكرامة الفلسطينية والأراضى المسلوبة والمحتلة والمنهوبة.

ومثلما عبرت عنه وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبى فيديريكا موجيرينى من أن قرار ترامب حول القدس يثير قلقا شديدا ويمكن ان يعيدنا إلى أوقات اكثر ظلمة من التى نعيشها الآن!

وهكذا سار ترامب سعيدا على طريق" الجلجثة " وهو الطريق الذى يبدأ لحظة دخول السيد المسيح الى مدينة اورشاليم مثل ملك متوج وحوله الناس يهتفون بسخرية " هوتشفنا " اى " خلصنا " ! 

حيث كانت مراسم الصلب وهو موقع مرتفع خارج مدينة القدس ويشرف عليها ويسمى بالارامية اللغة التى كان يتكلم بها السيد المسيح " جاجولتا " وتعنى موقع "الجمجمة " فى حين ان الجلجثة باللغة العبرية تعنى " العارية " !

وصدق هوارد فاست مؤلف مسرحية " سبارتاكوس " او " ثورة العبيد " عندما قال على لسان احد ابطاله : ان السياسة أكذوبة , والتاريخ تسجيل لهذه الاكذوبة !

فهل يعيد الفلسطينيون يتظاهراتهم كتابة التاريخ الحقيقى بدمائهم , ويلقون بالسياسة فى أقرب صندوق قمامة بالبيت الأبيض، أو لدى السيد هوارد فاست ؟!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط