الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من قال إن الحق لا يضيع إن كان وراءه مطالب؟


إن الحق يضيع إن كان طالبه ضعيفًا، ومهما طالب به فلن يحصل عليه؟ فمصر ما استعادت أراضيها إلا بعد أن أثبتت لعدوها أنها تملك من القوة ما يجعلها قادرة على استعادته بالحرب قبل السلام.

"دير ياسين" هي النموذج الملموس لضياع الحق العربي وكيف يتم طمس الحقائق.

في التاسع من إبريل الجاري حلت الذكرى السبعون لمذبحة "دير ياسين" التي ارتكبتها جماعات صهيونية عام 1948 بحق أهالي القرية الواقعة غرب مدينة القدس المحتلة، وأسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا قدرتهم مصادر عربية وفلسطينية بين 250 إلى 360 شهيدًا فلسطينيًا من النساء والأطفال والشيوخ؛ بينما تذكر المصادر الغربية أن العدد لم يتجاوز 109 .

فقد شنّ الهجوم الوحشي على القرية جماعتان صهيونيتان إرهابيتان هما "الأرغون" التي كان يتزعمها مناحم بيجن (الذي انتخب رئيسا لوزراء إسرائيل 1977-1983)، ومجموعة "شتيرن" التي كان يترأسها إسحق شامير (الذي انتخب رئيسًا لوزراء إسرائيل 1983-1992 بتقطع)، بدعم من قوات البالماخ.

يذكر كارل صباغ في كتابه (فلسطين: تاريخ شخصي): "قرية دير ياسين من القرى الصغيرة على أطراف القدس ولم يكن لها أي شأن في حركة المقاومة ضد اليهود، حتى أن كبراء القرية رفضوا طلب المتطوعين العرب بالاستعانة برجال القرية لمحاربة اليهود، كما منعوهم من استخدام القرية لمهاجمة قاعدة يهودية قربها، فرد المتطوعون العرب بقتل رؤوس الماشية فيها، بل إنها وقعت على اتفاق للالتزام بالسلم وعدم العدوان مع جيرانهم من اليهود. فما الذي كان يلزمهم فعله ليثبتوا لليهود صدق نواياهم في الرغبة بالسلم والأمن؟ كان الحكم في نهاية المطاف يشير إلى أنهم عرب، يعيشون في أرض أرادها اليهود لأنفسهم."

ونفذت الجماعتان المجزرة بهدف إخراج أهلها منها للاستيلاء عليها، وانقضّ المهاجمون الصهاينة تسبقهم سيارة مصفّحة على القرية وفوجئ المهاجمون بنيران القرويين التي لم تكن في الحسبان وسقط من اليهود 4 من القتلى و32 جريحا.

وطلب بعد ذلك المهاجمون المساعدة من قيادة "الهاجاناه" في القدس والتي بعثت بالتعزيزات، وتمكّن المهاجمون من استعادة جرحاهم وفتح الأعيرة النارية على أهل القرية دون تمييز بين رجل أو طفل أو امرأة.

ولم تكتف العناصر الصهيونية المسلحة من إراقة الدماء في القرية، بل اقتادوا نحو 25 من رجال القرية داخل حافلات وطافوا بهم شوارع القدس كما كانت تفعل الجيوش الرومانية قديمًا، ثم أعدموهم رميًا بالرصاص.

وروى شهود عيان وصحفيون عاصروا المذبحة: "أنه شيء تأنف الوحوش نفسها ارتكابه.. لقد أتوا بفتاة واغتصبوها بحضور أهلها، ثم انتهوا منها وبدأوا تعذيبها فقطعوا نهديها ثم ألقوا بها في النار".

أوقعت المذبحة الرعب في قلوب الفلسطينيين من أهل القرية فهجروها إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة ولعلّها الشعرة التي قصمت ظهر البعير في إشعال الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948.

وبعد نحو عام من ارتكاب المجزرة، أقامت قوات الاحتلال احتفالات بالقرية المنكوبة حضرها أعضاء الحكومة الإسرائيلية، وحاخامات اليهود، لتخليد سقوط دير ياسين في أيدي الاحتلال.

وبعد المذبحة، استوطن اليهود القرية وفي عام 1980 أعاد اليهود البناء في القرية فوق أنقاض المباني الأصلية وأسموا الشوارع بأسماء مقاتلين الأرجون الذين نفّذوا المذبحة.

وتتزامن هذه الذكرى مع المجزرة التي يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي ضد المشاركين في مسيرة العودة الكبرى إحياءً ليوم الأرض منذ الثلاثين من مارس المنصرم على حدود قطاع غزة والضفة مع الأراضي المحتلة عام 1948، واستشهد منذ انطلاق المسيرة حوالي 30 شهيدًا وأصيب أكثر من 2500 آخرين باستهداف الاحتلال لمخيمات العودة بالرصاص الحي وقنابل الغاز.

الشاعر الفلسطيني محمود درويش وصف القرية العربية المنكوبة بخمس كلمات «أنا شاهد المذبحة.. شهيد الخريطة»، ونحن هل نبقى شهودا على المذابح التي تجري في بلادنا بالعراق وسوريا واليمن وليبيا ثم شهودا على الخريطة الجديدة التي ستولد بعد تقسيم دولنا واحدة وراء أخرى، أم أننا سنسعى لامتلاك القوة التي تردع العدو المتربص وتحول بينه وبين مساعيه التوسعية، ثم نبدأ في استعادة ما اغتصبه وقت ضعفنا؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط