الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القوة العربية في سوريا.. فخ ترامب الجديد


منذ اندلاع الثورة السورية في 15 مارس 2011، والتي تحولت فيما بعد إلى ما يشبه الحرب الأهلية، ومساعٍ خليجية بقيادة سعودية لم تتوقف لدعم القوى الثورية حينئذ بالتعاون مع تركيا.

وكانت هذه المساعي تهدف لوضع قدم عربية في سوريا تزاحم القدم الإيرانية التي جلبت بعد ذلك أقدام روسيا وحزب الله والطائفيين من الأفغان والباكستانيين الشيعة.

وسعت العربية السعودية للتنسيق بصورة أو أخرى مع الأمريكان والأتراك، فقد كانت مصر الكبيرة في هم آخر، حيث انشغالها باستعادة أمن واستقرار الدولة الثائرة هي الأخرى، والتي كانت في عز محنتها وحتى اليوم حكيمة في موقفها الحيادي مما يجري على الأرض السورية.

غير أن التدخل الروسي القوي في سوريا حال دون تمكن السعودية ومن حالفها خليجيًا من السيطرة على المعارضين المسلحين، والذين انقسموا إلى فرق وجماعات متناحرة، وبالتالي فشلهم في وضع قدم لهم على الأرض السورية ولو بالوكالة.

وفي ظل ما يشبه رفع العرب يدهم عن سوريا خاصة بعد الخلاف الخليجي المصري مع قطر، ومن قبله الفشل في إدارة الدعم المادي للمعارضين السوريين ومن ثم تبخر كل شعارات الثورة وتحولها إلى الصراع العسكري على السلطة والبترول، بدأت تركيا التنسيق شبه الكامل مع إيران وروسيا وهو التنسيق الذي لم يغب يومًا عن العقلية التركية التي لطالما فكرت في ظل العدالة والتنمية بشكل براجماتي بحت، والغريب أنك تجد من الشعوب العربية من يراها ممثلًا للحكم الإسلامي الرشيد.

مع النجاح الروسي الطاغي في سوريا وما أظهرته من قدرة على حماية النظام السوري بقيادة بشار الأسد، دخلت نفس القوى الخليجية في محاولات للتقرب من روسيا تارة عن طريق الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمار المشترك، وأخرى بعقد صفقات سلاح بمليارات الدولارات، فيما يشبه الرشوة المقنعة بغرض تحقيق مكسب سياسي يحفظ لها ماء الوجه في سوريا ويحد من النفوذ الإيراني فيها ويسهم في تفهم المخاوف الخليجية من التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية.

ولتقوية هذه العلاقة الخليجية الروسية المستحدثة كان لا بد أن تتدخل مصر بميراثها القديم مع الاتحاد السوفييتي وقوتها الإقليمية التي بدأت تستعيدها شيئًا فشيئًا، وهذا ما كان وما استمر حتى اليوم.

هذا التوجه المصري نحو روسيا سبب إزعاجًا كبيرًا للإدارة الأمريكية لمكانة مصر كحليف استراتيجي للولايات المتحدة، ولكن لم تزل مصر قادرة على الأقل حتى الآن من استعادة صديق قديم لها متمثلًا في روسيا، والحفاظ على الحليف الاستراتيجي الأمريكي في ذات الوقت، كتنوع يثري التحركات الدبلوماسية لها على الساحة الدولية.

في ظل بزوغ نجم روسيا بمنطقة الشرق الأوسط وحالة الإبهار والانبهار التي بات عليها الزعماء العرب من القدرة الطاغية لها، خشيت الولايات المتحدة من فقدان ثقة حلفائها فيها، ولأن العالم بالنسبة للقوى الكبرى ليس إلا مسرحًا لاستعراض القوة بهدف بيع وتسويق السلاح وتصدير الرعب للمنافسين والطمأنينة للحلفاء والأصدقاء، بدأت أمريكا تحت إدارة دونالد ترامب في تقديم الدعم اللوجيستي القوي للأكراد، وربما لبعض الجماعات المسلحة الرافضة للوجود الروسي والإيراني.

تمكن الأكراد من استعادة الرقة من داعش كان له أثر كبير في التحولات على الأرض، ومساعي وحدات حماية الشعب الكردي تشكيل مجلس وطني لإدارة المدينة والسيطرة الكردية شبه الكاملة على الشمال السوري أزعج تركيا، ما جعلها تتدخل بقوة عسكرية كبيرة لوقف التمدد الكردي، الأمر الذي أحرج الإدارة الأمريكية بقوة وجعلها تتحين الفرصة لكسب موقف سياسي ربما يحسن من صورتها أمام حلفائها.

لذلك جاءت الضربة العسكرية الثلاثية "أمريكا-فرنسا-بريطانيا" على سوريا، بحجة الرد على هجوم النظام الكيماوي على دوما.

وسريعًا وعقب الضربة التقط ترامب زمام المبادرة وراح يبتز العرب المتخوفين من الانسحاب الأمريكي المحتمل من سوريا، فإما دفع تكلفة الوجود العسكري الأمريكي في سوريا أو وضع قوة عربية بديلة للقوة الأمريكية على الأرض.

وجود القوة العسكرية العربية على الأرض السورية هو الفخ الجديد الذي يعده الرئيس الأمريكي للدول الخليجية الغنية بهدف الحصول على مكاسب مادية جديدة، في ظل سياسته غير المستترة القائمة على "نهب الثروات الخليجية" وتدرك مصر حقيقة هذا الفخ استباقًا وترفض السقوط فيه، ولزاما على الشقيقة الكبرى تقديم النصح للعربية السعودية في هذا الأمر، حيث أن التصريحات الخارجة على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، من أن تنسيقًا يجري مع الولايات المتحدة حول وضع قوة إسلامية على الأرض السورية يعد بمثابة استنفاذ جديد للقوة العربية والخليجية على وجه الخصوص، ولتعتبر السعودية بما فعله الأمريكان بالأكراد السوريين، حيث استغلوهم لفترة ثم باعوهم وتركوهم لقمة سائغة للأتراك.

وإن وجود هذه القوة العربية أو الإسلامية وفق المعطيات الجيوسياسية الحالية على الأرض يعد انتحارًا خاصة في ظل الحرب الدائرة في اليمن وتكلفتها الباهظة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط