الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القطر فاتنا‎


عرفت البشرية طريقها للشر ربما قبل أن تتكشف خطواتها للخير، ولأن للكون ربًا يعلم بما يدور بين الكاف والنون، فكان قوله الحق، في حق النفس الإنسانية أنه ألهمها فجورها وتقواها، قُدِّم الفجور الذي يؤدي إلى الشرور عن التقوى التي تنتهي بالسرور.

وليس تقديم الله الفجور على التقوى عِقابًا مُسبقًا للبشرية، وإنما هي جهاد مكتوب لترويض النفس الإنسانية، فلا نجاح دون فلاح، ويذكرنا الرحمن خمس مرات في اليوم الواحد أن "حي على الفلاح" وَلَكِن هل من متنبهين؟.

ولا أدري هل كلمة ( بشر ) تحمل دلالة البشارة عندما أرسل أبو البشر سيدنا آدم للأرض، أم هي دليل على أن ( الشر ) هو الأصل فيهم والرمز لهم، فورثنا لفظة الشر وأضفنا لها باء التمييز والاختصار من بني آدم!. 

لنصبح (بني شر) ويشار إلينا على سبيل الاختيار بلفظ ( بشر )!!

تعددت الجرائم وَلَكِن الشر واحد ، آدم ارتكب خطأً عظيمًا عندما صدّق الشيطان، ولَكِن نسل آدم ارتكب الخطيئة الأفدح، عندما صادقه!.

البدايات دومًا ما تحمِل الدلالات الكافية لتوقعِ النهايات، في بدايةِ الحياة علي كوكب الأرض السعيد كان عدد سكانه لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، قدموا للبشرية الكتيب الذي تهتدي بِه إلى اليوم!.

يمكن اعتباره بمثابةِ الدستور الأول للبشر ففيه الحقوق والواجبات والحريات والعقوبات والأحوال الشخصية! حتي المحرمات لم يغفلوها والجريمة ارتكبوها، لتُسطر أول جرائم البشرية عندما قتل الأخ أخاه غِلًا وحنقًا، بدافع من الغيرة وعدم نقاء السريرة، وكانت تلك الجريمة الأولي علي الأرض التي فتحت المهالك ليومِ العرض!.

قتل، سرقة، اغتصاب ثالوث الجرائم اليومية، الذي يحتضِن كل السقطاتِ الإنسانية، علي مدى كل العصور من الظلامية للتكنولوجية، جرائم دنيئة وعقوباتها شديدة، تعترف بها البشرية، تستنكرها ولكن تستبقيها! ترفضها ولكنها اعتادتها

القانون يأخذ مجراه ( قدر المستطاع ) فروح القانون أحيانًا قد تقف ضد المظلوم، والقاضي في نهاية الأمر إنسان لم يُبصّر من علمِ الغيبِ شيئًا! سلب حرية بريء ما هي إلا أمر بذيء!.

ويبقي الأصل في الأمر، طالما وجدت الجريمة ، أن تحقيق العدالة يصبِح من الحقوقِ الأصيلة، ولكن هناك جرائم ترتكب ليل نهار و تمُر مرور الكِرام ، لا يعاقِب عليها القانون ولا يلام بسببها البشر بالرغمِ من إنها قاسية كقسوةِ الحَجَرِ.

أليس قتل الطموح جريمة ، وسرقة أحلي سنين العُمر رزيلة ، واغتصاب الأحلام فجيعة !

جرائم ترتكب بدمٍ بارد و ضمير ساكِن وجهل واقِع! 

أحيانًا تبدأ فصول أحد تِلْك المأسي من البيوت عندما نحبط أبنائنا بالكلمة الشهيرة ( قابلني لو فلحت ) ، ويستمر بفرض نوعية التعليم و تستكمل أركان الجريمة بأختيار شريك الحياة لهم والتخطيط لما تبقي من حياتهم. 

عندما يباغتنا مسؤول في الدولة بتصريح صادم عند سؤاله عن إمكانية تصنيع السيارات في مصر فيجيب بأن " القطر فاتنا " ! تصريح مُفجِع ، فعندما يفوت (القطر) علي الدولة بأمكانيتها وقدراتها ومواردها فماذا تنتظر من المواطِن الغلبان أن يلقي نفسه تحت عجلات القطر ! 

الله غفور رحيم ، سيتجاوز برحمته وبحسن ظننا في عفوه عن ذلاتنا وأخطائنا في حَقِ أنفسنا ، لَكِن عندما يتعلق الأمر بحقوق العباد فلن يرد الله دعوة مظلوم أو حق محروم ، فلنراعي ألسنتنا ونراقب أفعالنا.

فالجرائم النفسية والمعنوية قد تكون أفدح من الجرائم المادية، فإذا قُتِل إنسان ذهب كله جسدًا وروحًا ، أما إذا أغتيل حلمه أو طموحه ستذهب روحه ولن يتبقي منه إلا جسد لا رجاء فيه ولا أمل. 

إذا فات قطار سيأتي غيره ، وسيأتي علي قدر الثقة وحسن الظن بالله، وَلَكِن أبتعد عن مغتصبي الأحلام قاتلي الطموح وسارقي اليقين ، وسيفتح لك الله بابًا ضاع منك مفتاحه عندما كنت محزونًا علي القِطار الفائت .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط