الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وفاة آخر الضباط الأحرار!


توفي صباح أمس، الأحد، آخر أعضاء تنظيم الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، ومؤسس حزب التجمع، السياسي الكبير خالد محي الدين، في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة عن عمر يناهز 96 عاما.

وبذلك تكون ودَّعت مصر آخر عضو في حركة "الضباط الأحرار"، الذي كان على قيد الحياة في أحد المستشفيات العسكرية بالقاهرة، متأثرًا بأمراض الشيخوخة.

وقد نعت رئاسة الجمهورية محي الدين في بيان رسمي جاء فيه أن الفقيد كان "رمزًا من رموز العمل الوطني في البلاد" منذ اشتراكه في ثورة يوليو وتأسيسه لحزب التجمع اليساري.

ينظر الكثير إلى خالد محي الدين باعتباره أحد أقطاب التيار اليساري الاشتراكي في مصر منذ تأسيسه مع كمال الدين رفعت حزب التجمع في حقبة السبعينيات من القرن الماضي بغرض تدعيم الفكر الاشتراكي ومناهضة سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي طبقها الرئيس الراحل أنور السادات منتصف حقبة السبعينيات.

ولد خالد محيي الدين في قرية كفر شكر بمحافظة القليوبية عام 1922 وتخرج في الكلية الحربية عام 1940.

خاض حرب فلسطين عام 1948 وانضم إلى تنظيم سري للضباط مناهض للحكم الملكي في البلاد.

وقد شارك في ثورة يوليو عام 1952 ضمن حركة "الضباط الأحرار" وكان وقتها برتبة صاغ أو ما تعادل رائد حاليًا.

ونشب خلاف بين محي الدين وقائد الحركة جمال عبد الناصر، عرف بأزمة مارس عام 1954، بسبب انضمامه إلى الرأي القائل بضرورة عودة الضباط الأحرار إلى ثكناتهم وإفساح المجال أمام الحياة المدنية، وهو الرأي الذي كان يتبناه وقتها أيضًا اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية للبلاد بعد انتهاء الحكم الملكي.

ظل الراحل خالد محي الدين ملتزمًا حتى النهاية بمبادئه التي لم تتزعزع يومًا، مع كل المغريات التي أحاطت به وبمن حوله من الضباط الأحرار، وكان مدافعًا صلبًا عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكان أحد أهم أقطاب اليسار المصري، وأحد أهم زعماء حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي أحد أبرز الأحزاب اليسارية المصرية، الذي أسسه عام 1976 مع إعادة تأسيس الأحزاب في مصر وحل الاتحاد الاشتراكي العربي الذي كان يمثل آنذاك الحزب السياسي الوحيد في مصر.

وفي كتابه "الآن أتكلم" الذي نشر عام 1992 في القاهرة، كتب محي الدين: "وفي 27 مارس وكان يوم سبت حدّثني نجيب (محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية في 1953) تليفونيًا ليدعوني للسفر معه ومع الملك سعود بالقطار إلى الإسكندرية، وذهبت، وكان هناك أيضًا كمال الدين حسين، وما أن تحرك القطار نحو أول محطة في الطريق حتى أحسست بأن هواجسي التي سيطرت عليّ في الجلسة السابقة لمجلس الثورة كانت صائبة، وأن شعوري بأن هناك ترتيبًا خفيًا يجري إعداده كان صحيحًا، فعلى كل محطة كان هناك حشد من الناس يهتف بحياة نجيب وحياة الملك سعود ثم يهتف: (تحيا الثورة)، (لا حزبية) وأحسست أن ثمة ترتيبًا لهذا الأمر كله".

"كانت الحشود متوسطة الحجم، حوالي مائتين في كل محطة، لكن الذي يؤكد الترتيب أن الشعارات كانت موحّدة، فكيف يمكن التصديق أنه دون ترتيب خاص سرت هذه الشعارات وسط جميع المحتشدين في كل المحطات على طول الطريق من القاهرة إلى الإسكندرية؟ وأعتقد أن هيئة التحرير وأجهزة الدولة والأمن كانت وراء هذه الحشود".

"وتغيّر الموقف عندما وصلنا إلى الإسكندرية، فقد كان هناك حشدان.. حشد يهتف للنحّاس باشا وفؤاد سراج الدين، وحشد يهتف (تحيا الثورة)، (لا حزبية). وقبلها بيوم كانت زوجتي في زيارة لأسرتها وعادت لتقول لي بدهشة: كل العائلة ضد موقفك.. وبدأت أستشعر دهشة بالغة، فما اتخذت من مواقف كان من وحي محبتي لمصر وللشعب، فكيف يمكن لأسرتي أن تتخذ هذا الموقف؟ وكيف يمكن تحريك الجماهير أو قطاع منها لتهدف ضد الديمقراطية؟".

"وإلى هنا.. فإنني أود أن أوضح نقطة بالغة الأهمية، صحيح أن عبد الناصر رتّب الأمر، ثم حشد بعد ذلك قطاعات العمال ودفعهم للإضراب، وخاصة عمال النقل العام، وقد اعترف لي عبد الناصر صراحة بأنه أنفق أربعة آلاف جنيه على هذه الترتيبات، وبعد عودتي من المنفى عاد فاعترف لي أنه رتَّب حركة 27-28-29 مارس كرد على حركة الفرسان واجتماع الميس الأخضر وقال باسمًا: واحدة بواحدة، ونبقى خالصين.. لكن هذه الترتيبات ما كان لها أن تنجح لو لم تجد صدى لها وسط الجماهير".

الحمد لله التاريخ "أنصف خالد محي الدين في هذه الأزمة لأنه عاش وكتب مذكرات بعنوان (الآن أتكلم)، وقد أحدثت زخمًا سياسيًا كبيرًا وقتها"، كما عرض وجهة نظره في العديد من المداخلات والبرامج التلفزيونية التي تحدث خلالها عن وجهة نظره التي أبعدته عن الحياة السياسية عدة سنوات قضى بعضها خارج البلاد وتحديدا في سويسرا.

وعاد محي الدين بعد ذلك إلى مصر عام 1957 ليترشح لعضوية مجلس الأمة المصري عن دائرة كفر شكر، وفاز في الانتخابات ليشغل بعدها رئاسة اللجنة الخاصة التي شكلها المجلس النيابي في مطلع ستينيات القرن الماضي لحل مشكلة تهجير أهالي النوبة بسبب إقامة السد العالي جنوب مصر.

وصفه جمال عبد الناصر بالصاغ الأحمر في إشارة منه إلى التوجهات اليسارية والفكر الاشتراكي الذي كان ينتهجه محي الدين.

وكان للفقيد مواقف سياسية أبرزها، أنه عارض معاهدة السلام التي أبرمها الرئيس الراحل أنور السادات مع إسرائيل عام 1979، لأنه كان يرى أن إسرائيل مازالت تماطل في تحقيق السلام الحقيقي من خلال استمرارها في احتلال أراضي مصرية وعربية، وناهض من خلال حزب التجمع وجريدة الأهالي كل دعوات التطبيع مع إسرائيل واصفا إياها "بالكيان الصهيوني الغاصب".

من كل قلبي: هذه كانت نبذة عن آخر الضباط الأحرار لمن لا يعرف هذه الشخصية الثرية، التي أنهت الحكم الملكي في مصر.. وللفقيد الرحمة.. أسكنه الله فسيح جناته.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط