الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الملابس التنكرية للمعلم


سقطت كل كرنفالات الوزير وألبس مشروعه الخاص بتطوير منظومة التعليم ملابس تنكرية حول "المعلم" أهم عنصر وحجر الزاوية، مما جعلنا نسأل وننتظر الإجابة!

متى يسترد المعلم سلطته التي ظلت خفية في سرداب كُل تطوير؟ ووضعه في خانة التلقيح عليه بالدروس الخصوصية ووصمه في بعض الأحيان بالحرامي، واتهامه بالتقصير والتزويغ وضعف المادة العلمية وربما التحرش أو الاغتصاب.

فهناك خفايا نريد من الوزير طارق شوقي أن يخرجها من تحت الطاولات السرية، وينتظرها المعلم بشغف والتي على رأسها متى يسترد المعلم حقه من ميزانية الدولة؟ متى نعطيه بقدر ما يستحق؟ كيف لا ندُس السم في عسل التطوير لقتله معنويا ونفسيا أو التسلل لنقاط الضعف لابتزازه؟

فماكينة حلاقة النظام التعليمي الحالي والقائم وجب تشغيلها على أعلى درجات السرعة بشفراتها المتعددة، على أن يكون المعلم "المعجون" الرئيسي الذي سيساعد على نعومة وجه الوزير ونظامه التعليمي الجديد، وبدونه (أي المعلم) تبقى شعيرات وبقع سوداء كثيفة حائلا دون تبييض وجه الرؤية الجديدة التي يتبناها شوقي.

نال المعلم ما لا يمكن تخيله أو تحمله من تعذيب معنوي لكنه لم يستسلم وظل يربي الأجيال ويعلمها، هددوه بإلقاء القبض عليه -كالحرمية والنشالين- إن أعطى دروسا خصوصية، وعدُوه بالحبس في زنزانة فيها الفئران والصراصير تشارك النزلاء طعامهم وفراشهم إذا ردّ على اعتداء طالب عليه لأن القانون (لا يحمي المعلمين)، بجانب تجريده من أولياء الأمور الذين يرون فيه الخادم لا السيد، العبد الذي يجب أن يؤتمر بأمرهم وإلا أغلقوا حنفية "المَمّ" حيث إن السند "شهرية" أولياء الأمور وليس مرتب الوزارة.

المعلم ليس في معادلة –على الحلوة والمُرة متواعدين– لكنه على المٌرة فقط فعندما ينجح ويتفوق الطالب يرى الأباء أن السبب يرجع للجو الأسري وتوفير المناخ الهادئ، لكن إذا رسب الأبناء يوجهون اللوم للمعلم بأنه لم يؤد دوره في تعليم أبنائهم، المعلم دائما بالنسبة لأولياء الأمور-في حال الشكوى من ابنهم- سبب المشكلة باعتبارهم أسرة تسودها القيم والأخلاق، حتى مع علمهم جيدا أن ابنهم من أرباب المقاهي والملاهي الليلية ومَصْمَصِة ليّ الشيشة (المحشية) وبطل العالم في رياضة "النّطْ" من فوق الأسوار المدرسية! والحائز على جائزة التفوق في إهمال دروسه.

الدولة تحاول تحطيمه وكسر جناحه بكثرة الحصص التي تُعطى للمعلّم ممّا يؤدّي إلى إرهاقه وفقدانه للقدرة على العطاء بشكلٍ كبيرٍ، أو إجباره على تدريس مواد خارجةً عن تخصصه لتغطية النقص، والتعيين في مدارس بعيدةً عن مكان السكن فيضطرّ أن يترك سكنه الأصلي ويستأجر آخر أو يتكبّد عناء السفر يوميًا للوصول إلى مكان المدرسة مما يستنفذ وقت المعلّم وطاقته وأمواله، ناهيك عن انتدابه حتى وإن كان "فاضل له طوبة أو طوبتين" لبلوغ المعاش في أكثر من مدرسة طوال العام، لسد عجز ليس له ذنب فيه سوى أن الدولة لا تعين حديثي التخرج، بدون زيادة مليم واحد لتضيف على تعبه مشقة جديدة اسمها تكاليف السفر ذهابا وإيابا.

إذا إهمال المعلم والتفنُن في إيذائه نفسيا وماديا والتضييق عليه في الدروس الخصوصية -دون بديل محترم كزيادة مرتبه- بدعوى أنه جزء من ممتلكات الدولة ولا يحق له الاعتراض على انتهاكه، صنعت منه جناحا ضعيفا لا يحترمه التلميذ فما بالك بالوزير، وجعلته ملطشه لأولياء الأمور والمجتمع.

فصانع الأمجاد وأسطى عقول المستقبل ومعلم الحضارات والمربي صانع فكر الأجيال والأمم، في مرمي النيران يتم قذفه بكرة من لهب، إذا ما اخترقت شباكه ببقاء وضعه على ما هو عليه ماليا واجتماعيا، سيشتعل غضبا ليصبح أخطر فيروس يمكن أن يصيب المجتمع في مقتل.

حقا تعب المعلم من إهماله وتجاهل همومه وانهمار دموعه، فالكل يريدونه يركض على الزجاج المكسور، دون أن يسألوه عن عدد الشظايا التي سكنت لحمه وبات التدخل الجراحي لإخراجها كما تحاول إنقاذ ميت بالصعقات الكهربئية، لكنه قد مات!

فهل يحييه طارق شوقي في منظومته الجديدة؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط