الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مستحقات المصريين لدى العراق.. مرة أخرى


كتبت في شهر سبتمبر الماضي مقالا بعنوان "هل تنازلت مصر عن ديونها على العراق "، تساءلت فيه كيف تشتري مصر النفط من العراق وتدفع ثمنه كاملا دون النظر إلى ديون مصر على هذا البلد، أو على الأقل مستحقات المصريين البسطاء التي مضى على بعضها أكثر من ثلاثين عاما وتحول أغلب مستحقيها إلى ورثة، بعد انتقال أصحاب الحق الأصليين إلى جوار ربهم.. ومعلوم أن ملايين المصريين كانوا يعملون في العراق، عاد معظمهم على عجل بسبب الغزو الأمريكي دون تسوية أوضاعهم المالية حتى الآن.

مر ما يقرب من سنة على مقالي هذا ولم أتلق جوابا من أحد، ولم يدفع العراق مليما واحدا لمصري، ما اضطرني للكتابة مرة أخرى، لكن هذه المرة سأعرض الموضوع بشيء من التفصيل، وسأترك الحكم للرأي العام وللمنظمات الحقوقية المحلية والدولية لتقول كلمة الحق.

أوائل عام 2012 استبق العراق انعقاد مؤتمر القمة العربية في بغداد وقام بدفع 408 مليون دولار ربما استرضاءا لمصر وخوفا من عدم حضورها تلك القمة، ورغم أن المطلوب من العراق كان أضعاف ذلك بكثير، ولبعض المصريين وليس كلهم، إلا أن وزير العمل العراقي ناصر الربيعي أعلن بعدها من وسط القاهرة في تصريح لصحيفة الأهرام أن "العراق أوفى بما عليه وانتهى من تسديد مبالغ الحوالات الصفراء للمصريين"..

ورغم عدم صحة ما قاله الوزير، إلا أن الدبلوماسية المصرية كعادتها حافظت على رقيها وطريقتها الهادئة في التعامل حتى في وضع مستفذ كهذا، لكن أمام كثرة الشكاوى والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية لأصحاب الحقوق أمام السفارة العراقية والوزارات المعنية، أوفدت مصر رئيس وزرائها هشام قنديل إلى بغداد في مارس من عام 2013 ليبلغ الحكومة العراقية أن المشكلة لن تنته وأن للمصريين حوالات ومعاشات كثيرة لم يتم الوفاء بها، وهناك التقى برئيس الوزراء العراقي في حينها نوري المالكي الذي اعترف له بأن نسبة من الحوالات الصفراء للمصريين لم يتم صرفها فعلا، وأمر في مؤتمر صحفي جمعه مع ضيفه المصري بتشكيل لجان لبحث المشكلة وغلق الملف على وجه السرعة.

تشكلت اللجان وانعقدت وليتها لم تتشكل ولم تنعقد، وليت د. هشام قنديل لم يذهب إلى العراق من الأساس.. فبعد عام من زيارته، عاد سفير العراق في القاهرة ضياء الدباس ليكرر نفس الكلام ويقول أن "مشكلة الحوالات الصفراء انتهت" !! 

والعجيب طوال هذه السنوات أن تبادل الزيارات بين المسئولين في البلدين لم ينقطع، وفي كل لقاء لا يفوتهم التأكيد على "أواصر المحبة" و"الخندق الواحد" و"آفاق التعاون" و"المصير المشترك" !! 

وفي التفاتة "كريمة" ذات يوم، أرسل العراق إلى مصر ما يفيد استعداده لدفع مستحقات المصريين ولكن بالسعر الدينار العراقي الحالي، وليس بالسعر الذي كان يلتزم به الرئيس الراحل صدام حسين حتى عام 2003، علما بأن جميع مستحقات المصريين تعود إلى ما قبل هذا التاريخ. 

السعر الذي كان يلتزم به الرئيس الراحل صدام حسين هو 3.2 دولار مقابل كل دينار عراقي، لكن بعد سقوط النظام هوت قيمة الدينار العراقي لتصل في المتوسط إلى 1400 دينار عراقي مقابل الدولار الواحد ! وبالطبع رفضت الحكومة المصرية هذا العرض "السخي"، لأن ترجمته على أرض الواقع تعني أنه لو كان لأحد المصريين 700 دينار على العراق، ستدفع له الحكومة العراقية نصف دولار في المقابل، بعد صبر امتد لثلاثين عامًا، ناهيك عن فوائد التأخير القانونية والتعويض المناسب عن الظلم النفسي الذي تعرض له.. لكن هذه ترفيات لا يحق للمواطن العربي مجرد التفكير فيها أو ذكرها..

آخر المماحكات كانت قبل أكثر من أسبوعين عندما انتشر في وسائل الإعلام أن صرف مستحقات المصريين من حوالات ومعاشات سيتم قبل شهر رمضان، لكن بشرط أن يكون الدفع من خلال مصرف الرافدين المتوقف عن العمل أصلا في مصر منذ عشر سنوات.. وكانت تلك عملية ابتزاز بامتياز: العراق مستعد للدفع من خلال مصرف لا يعمل، وكأنه لا توجد أي طريقة أخرى للدفع بين دولتين عضوين في الجامعة العربية والأمم المتحدة وعدم الانحياز، إلا من خلال مصرف الرافدين بالدقي.. 

المواطن البسيط لا يعرف ولا تعنيه أصلا قصة فتح أو غلق مصرف الرافدين، لكنه يدرك بفطنته وحضارته أن السماح لأي بنك للعمل في مصر ليس سهلا، فلكي يعمل بنك على الأراضي المصرية يجب أن يلتزم بلائحة ونظام عمل البنوك التي يحددها البنك المركزي المصري ومحافظه المحترم، وأهمها الشفافية في زمن انتشر فيه الإرهاب وتعددت الطرق الملتوية لتمويله، ومن لا يلتزم بها لن يسمح له.. وحتى يتم إخراج حلقة جديدة من هذا المسلسل، لا مفر من غلق أعيننا وتسلية أنفسنا بـ "أواصر المحبة" و "الخندق الواحد" و "المصير المشترك"..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط