الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السيسى وسياسة «البليتس كريج» وتغريدات الرحيل!


"فى انتظار جودو" مسرحية عبثية للأيرلندى صموئيل بيكت، حيث ظل فلايمير الملقب بـ"دى دى"، واستراجون الملقب بـ"جوجو" طوال أحداث المسرحية فى انتظار قدوم "جودو" ليخلصهما من حالة اليأس والإحباط والضياع،
وهما يعلمان أن "جودو" لن يأتى ولكنهما ينتظرانه!

لكن فى 30 يونيو منذ ما يقرب من 5 سنوات ظهر "جودو" فى بزة عسكرية، وخرج الشعب الذى طالما حلم به وهم يعلمون أن ظهوره فى ظل جماعة إرهابية راديكالية تمكنت من مفاصل البلد، وارتدت "سترة" الدين وارتدى قادتها "عباءته" و"قلنسوة آياتها" من المستحيل أن يأتى، وهو ما سبب حالة من اليأس والإحباط والضياع!

هذا الـ"جودو" ليس مثلما قالت إيران إن نجاح الثورة فى مصر كان إيذانا بظهور الإمام المهدى الذى طالما الشيعة الإيرانيين فى انتظاره، ولكنه مصرى بسيط جاء من حارة شعبية فى حى شعبى وهو الجمالية، وهو الحى الذى شهد مولده ومولد أديبنا الكبير صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ الذى كثيرا ما حلم الشاب (وقتها) عبد الفتاح السيسى بملامح هذا الجودو والذى يرتدى "البزة" العسكرية رمز الوطنية وهو ما رسمه نجيب محفوظ فى العديد من رواياته!

ومثلما قال الفرنسى رومان رولان الذى كتب العديد من المسرحيات عن الثورة الفرنسية على لسان أحد أبطال أعماله ماكسميليان فرانسوا مارى ايسيدور دى روبيسبير فى روايته الرائعة "روبيسبير": "تحيا الثورة إنها "مفعمة بالعصير"!

وهو ما أدركه عبد الفتاح السيسى وحال دون أن ينتهى عصير هذا البلد تحت ادعاءات كاذبة من الوطنية والثورية وفصائل النشطاء الذين كانوا يختبأون داخل حصان طروادة الهارب الآن فى النمسا حيث كان يعمل، وغير ذلك للانقضاض على مصر والتهامها!

من المؤكد أن أولويات جاءت لتفرض وجودها على السنوات الأولى لحكم الرئيس السيسى، منها فرض الأمن فى الشارع المصرى الذى تعرض لمحاولات ابتزاز واغتصاب من قبل البلطجية وزبانية جماعة الإخوان، وبدأت تنفيذ تهديداتهم بنشر الإرهاب والموت فى ربوع مصر وسيناء حتى كان انطلاق العملية الشاملة "سيناء 2018" فى فبراير من هذا العام لتطهير تلك البؤر من هؤلاء الذين يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فى ظل تغير مفهوم الأمن نتيجة الثورة الرقمية، وقد أصبح من الضرورى مواجهة تلك العصابات الإجرامية بكل تشكيلاتها وهى تهدد الأمن القومى واستطاع الرئيس السيسى فى ظل وجود جماعات إرهابية على حدود مصر الشمالية الغربية والحدود الجنوبية الغربية فى آن، حيث تتم محاولات تهريب السلاح والمخدرات إلى داخل العمق المصرى لتنفيذ عملياتهم الإرهابية.

وأذكر أن قيادة ليبية وقد أصبح سفيرا لليبيا فيما بعد بالقاهرة، حيث كنت فى لقاء معه بمنزله بمدينة نصر أن اتصل بى أبان أحداث يناير وقال إن لديه معلومات مهمة عن طرق تهريب السلاح من ليبيا إلى مصر ويود التواصل مع قيادة أمنية وقتها، فقد كانت "فوضى" تشل الحركة لاتخاذ أى موقف مع وجود خلايا نائمة لهذه التنظيمات فى العمق المصرى، ولعل القضاء على فوج من 15 سيارة نقل لتهريب السلاح لمصر عبر حدودها الغربية والقضاء على اذناب العديد من الخلايا الإرهابية خير مثال وقد تغير مفهوم نمط العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهو ما ترفضه الثورة المضادة التى تسعى إلى "شيطنة ثورة 25 يناير"!

لم يكن عاشور الناجى فى ملحمة "الحرافيش" لنجيب محفوظ يسعى إلى شيء سوى إنقاذ الحارة مما أصابها من وباء وأطاح بكل ما فيها، فقد نشأ محبا للخير ومتسما بفضائل الأخلاق وقد اكتسب فطرة نقية حتى أنه صار البطل المنقذ أو بمفهوم نجيب محفوظ فتوة الحارة لكنها فتوة "تصنع خيرا"!

فقد كان التحدى الأول للرئيس السيسى هو التخلص من هذا الوباء الإخوانى الذى "ابتليت" به مصر، وأن يبدأ على المستويين الداخلى والخارجى استعادة الدولة داخليا وبنائها بناءً صحيحا مثلما فعل عاشور الناجى، وأن يعيد دوليا صورة مصر والتى أفسدها سلفه محمد مرسى وقد استخدم الرئيس السيسى رجل الاستخبارات العسكرية سياسة "البليتس كريج"، وهو مصطلح ألمانى يعنى الضربات الخاطفة أو المتتالية معتمدا على استخدام عنصر المفاجأة، سواء فى إصدار القرارات الاقتصادية تحديدا أو على مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية، خاصة فى ظل تراجع تأثير دور مصر فى المنطقة بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، لكن منذ وصول السيسى إلى سدة الحكم استطاع أن يغير المعادلة ويفرض المواقف السياسية وأن يؤثر فى القرارات الدولية وقد عزز مكانة مصر عربيا وأفريقيا ودوليا، فالعالم قد ازداد انتشارا واتساعا وأصبح هناك ما يقرب من 200 دولة بعد أن كانت حوالى 50 دولة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، علاوة على ما يقرب من 225 منظمة دولية حكومية تابعة للأمم المتحدة ومئات المنظمات غير الحكومية والعابرة كلها هذه دوائر تتحرك فيها الدبلوماسية المصرية بعيدا عن الدوائر التقليدية بما يحقق المصلحة الوطنية التى هي أيضا ضمن أولويات الرئيس السيسى فى الوقت الذى كان التحرك السياسى أبان فترة مرسى وفق مصالح جماعة الإخوان والاتحاد العالمى للإخوان وتصوراته للعالم، وقد نجحت السياسة المصرية وفق "دبلوماسية البليتس كريج" أن تستثمر انعكاسات التغيير على البيئة الاستراتيجية لمجمل بلدان الشرق الأوسط، حتى أن فرانك وايزنر، السفير الأمريكى الأسبق بالقاهرة، قال فى أحد اللقاءات حول مستقبل العلاقات مع مصر "إن توجهات السياسة المصرية الخارجية بعد اكتمال تشكيل النظام وفق خارطة الطريق تعد متغيرا مهما فى العلاقات مع الولايات المتحدة"، بل فى نظرى فى مجمل العلاقات المصرية وفق التغيرات التى تشهدها ممارسات سياستنا المصرية والتى تعكس إدراك النخبة الحاكمة الجديدة لظروف وتحديات ومتغيرات المرحلة التى تمر بها مصر أو منطقة الشرق الأوسط فى ظل مخططات جيوسياسية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد!

ورغم الظروف الاقتصادية الضاغطة على مصر بفعل فاعل وبمخطط إخوانى لتجويع مصر حتى أن كثيرا من مناصاتهم المسمومة روجت شائعةإ فلاس مصر، لكن لم يكن أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى إلا ان يلجأ لساسة "البليتس كريج" باعتبار أن الإصلاح الاقتصادى هو الدواء المر الذى لابد منه لشفاء مصر من الوهن الاقتصادى الذى حل بها فى الوقت الذى أنجز 11 ألف مشروع على أرض مصر بتمويل يصل إلى تريليون جنيه، أبرزها التفريعة الثانية لقناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، فكان قرار تعويم الجنيه بعد 30 عاما من تأخيره فى نوفمبر 2016 لتكون بداية إجراءات الإصلاح الاقتصادى ومثلما قال السيسى: "كان هناك رأى سائد بتأخير عملية الإصلاح الاقتصادى لكن هنأخر الإصلاح لحد إمتى، وهنتردد فى مواجهة ظروفنا الصعبة لحد إمتى".

لذا كانت سياسة البليتس كريج فى إصدار القرارات التى اصابت الشعب بحالة من الوجع والغضب لكن السيسى دائما ما يراهن على الشعب المصرى وقدرته على التحمل بما لديهم من وعى وتفهم واستعداد للتحرك إلى الأمام للخروج من عنق زجاجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتعمل السياسة المصرية عبر تنويع حلفائها مثلما قال تيموتى كالداس، الباحث الأمريكى فى شئون الشرق الأوسط، من أن مصر تسعى إلى شراكات تجارية متنوعة مع دول مختلفة كفرنسا وروسيا ودول الخليج، الأمر الذى يجعلها تحافظ على نوع من الاستقلالية فى القرار، لذا جاءت زيارات السيسى للصين وروسيا وفرنسا وإيطاليا وسنغافورة واليابان والهند وكوريا الجنوبية التى وقع فيها عدة اتفاقات تعاون مشترك.

وكان أن أعلن سون جون يون، سفير كوريا الجنوبية بالقاهرة، أن بلاده تنشئ أكبر مصانع بتروكيماويات فى مصر بتكلفة 30 مليار دولار، هذا عدا اكتشافات الغاز والذهب والبترول أن تلك الفترة الثانية من رئاسة السيسى تعد أهم سنوات فى تاريخ هذا الرجل الذى حمل روحه على يديه لإنقاذ هذا الوطن من براثن جماعة الإخوان الذين يستثمرون هذه الأيام "الوجع الاقتصادى" من ارتفاع أسعار بعض السلع والكهرباء والمياه والمنتجات البترولية لإعادة "عقارب الساعة" إلى الوراء عبر تغريدات وهاشتاجات الرحيل، ولكن عاشور الناجى الضابط الذى واجه وباء حارة الحرافيش لن تهزه هاشتاجات أو تغريدات أو مؤامرات "جماعة الحرافيش" لأن بكل بساطة أهل الحارة كشفت أقنعتهم وقد تحققت نبوءة صموئيل بيكت "فى انتظار جودو" لكن "جودو" لم يظهر فى أيرلندا لكنه بعد قرون خرج من حارة "البرقوقية" شارع "الحرنفش" فى شارع المعز لدين الله الفاطمى بالجمالية صباح يوم 19 نوفمبر 1954 بعد أن ولدت بخمسة أيام!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط