الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأب الروحي


"رب أخ لم تلده لَك أمك"، حكمة خالدة جاءت على لسان الحكيم لُقمان، توارثتها البشرية على مدى سنوات طويلة، وإن اختلف مفهومنا في تلك الحكمة عن مفهوم لقمان عِند قولِها!

فالحكيم كَشف بها سترًا! عندما مر بامرأة وسألها أن يروي عطشه فأجابته، وعندما وجد عِندَهَا طفلًا ورجلًا سألها عن الطفل فقالت: ابن زوجي، فسأل عن الرجل فقالت له: أخي، فتلمس لقمان كذب روايتها بشأن الرجل، فجاءت العبارة الحكيمة لتكشف كذبًا، بينما نحن نتلمَسُ فيها صِدقًا!

حكمة عبقرية جاءت في غير ما عُرفت به، ولكنها استطاعت أن تعبر عن أرقى المشاعِر الأنسانية وهي "رباط المحبة" الذي لا يعترف إلا بالشهامة والتضحية والإيثار والاهتمام، فيشكل رباطًا أقوي من رباطِ الدم وأقرب إلى نياطِ القلب.

وليس القول مأثورًا على الأخوات فقط، فمدرسة الحياة عندما تجود عليك ترزقك بذلك الأخ الذي تجمعك به في أروقتها، أما إذا رضيت عنك وأفرطت في تدليلك فقد توهبك آباءً روحانية، ورب أبٍ لم تتزوجه أمك!

علاقتنا البيولوجية الطبيعية لم نخترها ولكنها اختارتنا، نلتزم بها بحكم العادة وكدربٍ من دروب العِبادة، أما سفراء الرحمة في أوقات ضعفك والنصيحة في خِضم عجزك، فهؤلاء تختارهم بمحض قلبك وتستند إليهم بكامل إرادتك، نواقِصك في حضورهم تكتمل، سعادتك بوجودهم ترتسم، حُزنك بغيابهم يعتمل، ويوم أن يرحلوا لعالمٍ ينقطِع فيه المال والولد، فلن يهدئ روعَك إلا دعواتك لهم بالماء والثلج والبرد.

رحَل أبي الروحي، فجأة دون مقدمات، فهذا حالنا نحن البشر، لا نبحث عن مبررات للفرح ولا دلالات للرزق، أما الموت! الحقيقة الوحيدة المؤكدة، وبالرغم من ذَلِك نمضي حياتنا في إنكاره، ونقضي أيامنا وكأنه ليس ضيفًا ملازمًا لنا.

للموت ظِل ثقيل، ووقع كئيب، الحياة من حولك مستمرة بينما في داخلك تشعر أنها مُرَّة، لا يعادِل ألم الفراق إلا أمل اللقاء في دار البقاء.

لا أسطُر تلك السطور لأشارككم أحزاني ولكن لأقاسمكم أفراحي! فالرَّاحلون يتركون لنا حزنًا عليهم وإرثًا لديهم!

وهذا ما جعلني أستغل سطوري، أن أحكي لكم عن إرثي العظيم وأقتسمه معكم، فميراث الصالحين هو سعادة ليوم الدين.

في لقائي الأخير بأبي الحبيب قبيل وفاته بأيام قليلة، كنّا نتحدث عن مجموعة من الظالمين، فكان ردي عليه بأن "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا منهم سالمين"، فما كان منه إلا أن نهرني عن تلك الدعوة وسألني بأن أدعو الله بأن يهديهم، فالله يقدِّر ونحن لا نقدِر، وإذا بأيامٍ قليلة بعد وفاته أتعرض لظلم فأتذكر دعاءه بأن يهدي الظالم، ولَم ترد لي الدعوة وكأن الله يبرهِن على صِدق وصيته فيرد الظَّالِم عن ظلمه ويهديه بَلْ ويدفع عني ما وَقَع بي من ظلمٍ بين.

ولم تنته عطاياه، فإذا به يطلب مني أن أُذكِّر الناس في برنامجي الذي أقوم بتقديمه بقيم فطرّنا الله عليها، وقصّ عليّ روايتين عن "أبو جهل" عدو الإسلام والمسلمين الذي سمي بذلك الاسم بعد ظهور الإسلام، حيث "الجهل" في لغة العرب هو سرعة الغضب، وهذا ما دفع رسولنا الكريم لأن يطلق عليه هذا الاسم لأنه كان يتعامل مع المسلمين بغضبٍ بالغ، ويذكر أن "عمرو بن هشام" أو كما يعرف "بأبو جهل" كان لقبه قبل ظهور الإسلام "أبو الحكم" لشدة حكمته و سداد عقله الذي فقده بظهور الإسلام!

ويروى عنه أنه ذهب لبيت أسماء بنت أبي بكر ليسألها عن مكان رسول الله وأبيها فقالت: لا أدري؟ فرفع أبو جهل يده، فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها، فبهت لفعلته وسألها أن تخفي ما حدث عن الجميع، حتي لا يُقال إن في عهد العرب ضُربت امرأة!


أما الرواية الثانية ، عندما حاصر المشركين بيت النبي وكان معهم "أبو جهل" و أتفقوا علي أن ينتظروا النبي حتي خروجه حتي لا يقتحموا المنزل وبه نساء لمراعاة حُرمة البيت حتي لو كانت تِلْك النساء ألد أعدائه، وخرج رسول الله آمناً مطمئناً وأغشي الله عيون الكفار ، وبعد أن عرفوا بخروج النبي الكريم لم يتبادر إلي ذهن أحدهم المساس بالبيت أو مهاجمته فتلك ليست من أخلاق العرب !
أين نحن من أخلاق الكفار ؟ أكانوا أكثر منا أخلاقاً ؟ أيعقل هذا أن أُمَّة النبي تضرَب نسائها وتستباح حُرمات بيوتها؟ 
كانت تِلْك وصية أبي الروحي وكانت تِلْك الروايات هي جزء من ثروة واسعة طالما شاركنا إياها لنفهم ونتعلم. 

ولَم تقتصر نفحاته علي حياته فبعد وفاته بساعات قليلة إذا بنفحةٍ نورانية تركها لنا داخِل كتاب الله الحكيم،  القرآن العظيم ، خطْها بيديه وتركها بينَ أيدينا وها أنا أضعها بينَ أيديكم.. بِسْم الله الرحْمٰن الرحيم
" اللهم إني أعددت لكل هولٍ ألقاه في الدنيا والآخرة لا إله إلا الله، ولكل هم وغم ما شاء الله، ولكل نعمةٍ الحمد لله، ولكل رخاءٍ وشدة الشكر لله ، ولكل طاعةٍ ومعصية لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولكل أعجوبةٍ سبحان الله، ولكل مصيبةٍ إنَّا لله و إنَّا إليه راجعون ، ولكل ضيقٍ حسبي الله ، ولكل قضاءٍ وقدر توكلت علي الله ، ولكل ذنبٍ أستغفر الله "....

طوبي لكل الأباء والأمهات والأخوة و الأخوات والأبناء الذين توهبهم لنا الحياة فلم ترهبهم مشاكلنا وأوجاعنا وألامِنا ولَم يضيقوا يوماً بندرِة أفراحنا ، وشكراً لأبائنا وأمهاتنا وأخواتنا البيولوجيين فلولا تسامحهم وتفهمهم، ما ساعت القلوب بما رحبت به الدنيا من ملائكة يرسلهم لنا الله لتكتمل حياتنا .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط