الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لبيك اللهم لبيك


من أعظم التجارب التي تترك أثرًا طيبًا علي المؤمن هي تجربة الحج لبيت الله تعالي، تجربة مختلطة المشاعر بين الفرح والحزن، بين الرغبة في البكاء والسعادة المفرطة، التجربة في حد ذاتها مرهقة بل هي الأشد إرهاقًا علي مدي حياة المؤمن في مشواره الإيماني، رغم ذلك فهي تترك أثرًا في القلب لا يمكن محوه علي مر السنين، بل علي العكس تمامًا يتذكرها بين الحين والآخر ويتمني العودة إلي رحاب الملك العظيم.

الكعبة بيت من حجر وكسوة من قماش مطرز في ظاهر الأمر قد لا تستطيع الاستيعاب ، وفِي باطن الأمر تسحب روحك فتجد نفسك تطوف حولها وأنت في حالة من الرهبة والذهول، ربما ينشغل البعض بالزحام، والبعض يحاول النجاة بنفسه حتي لا يسقط تحت أقدام الآخرين، لكن من امتلأ قلبه بالإيمان يجد نفسه لا يري أحدًا من الطوافين، علي العكس يظن نفسه يطوف وحده في ملكوت السماء، يشعر بالرهبة، تأخذه إلي عالم روحي مختلف، وكأنك تتحدث معها، وأنت علي يقين أن صوتك مسموع في الملكوت الأعلى.


سبع أشواط قد يمروا مر الكرام وقد تعاني وأنت تحاول إتمامهم، تمامًا كما يحدث علي الصراط المستقيم، البعض يمر مسرعًا ولا يشعر بالزمن، متهللًا فرحًا وهو يعلم أن مثواه جنة الخلد، والبعض الآخر يتعثر وهو يحاول أن يمر علي الصراط ويشعر بالزمن وطوله ويتمني أن ينتهي الوقت وينجو من نار جهنم، لا يفكر في الجنة إنما يفكر في النجاة فحسب. كل منا يسعي وفقًا لقدره ، وكل منا يرشده قلبه إلي مثواه الأخير.

ربما تعاني وتزداد معاناتك وأنت تؤدي مناسك الحج، لشدتها وصعوبتها رغم التحضر ورغم محاولات خادم الحرمين التيسير علي زوار بيت الله الحرام، إلا أن التدافع وكثرة الأعداد وانتشار الأمراض بين الحجيج قد يزيد معاناتك، ورغمًا عن ذلك تجد لديك من الطاقة والعزيمة أن تنهي شعائر الحج كاملة وأن تستمتع بكل منسك من المناسك.

حتي منة وعرفات رغم انتشار أعداء الله فيهما محاولة منهم لإفساد الحج علي الحجيج بالنفث بينهم لتشتعل الخلافات ، إلا أن رمي الجمرات يهدئ من روعك وينهي كيد الشيطان وتجد نفسك بعدها تشعر شعور المنتصر علي عدو الله، قد تشعر بأنك تسمع صرخات الشيطان وهو يُرجم ، رغم أن الرجم هنا بحبات صغيرة من الحصي إلا أنه يتحول إلي جمرات من لهب علي عدو الله جل في علاه.

الكعبة المشرفة لها سحر وبريق مختلف تشعر معه أن لديك الرغبة في البكاء، لديك الرغبة في أن ترمي ما تحمل من هم بين يدي المولي عز وجل، تحدثه وتناشده بالعفو والستر، تشكو له همك، وتدعوه بالرحمة والمغفرة، تدعوه بما ترغب وكأنك في جلسة سرية مع ملك عظيم، ربما تجد نفسك أحيانًا يملؤك الصمت، أحيانًا عندما يزداد الهم ويُثقل كاهلك ، تنسي من الألم الكلمات، فتطوف في صمت له صوت من أنين يشكو حالك بدلًا منك ويروي قصتك ويدعو للصلاح.

ربما تشعر أنك تنتمي إلى تلك البقعة المباركة، ربما تكون من الأشراف ولك أهل طافوا حول البيت العتيق في زمن آخر ، تجد روحك حينها ترتبط بالأرض وترفض الرحيل وتتمني أن تدوم فترة الحج لعمر قادم ،تحيا فيه علي أثر أهل مكة ، أهل محمد صلي الله عليه وسلم، وأهل إسماعيل وإبراهيم خليل الرحمن، هنا طاف الأنبياء ، هنا سجد الرسل، وهنا طافت قلوب واهتزت شوقا رغبة في رؤية الرحمن.

اذا كنت من حجاج بيت الله الحرام فاستمتع بكل لحظة وأنت في رحابه، تناسي الحياة والمال والمسئولية، اترك زينة الدنيا واستمتع بلقاء الله في بيته، استمتع بالطاقة المنبعثة من تلك الأرض المباركة، اترك خلفك الأحزان وتمني علي الله فهذا بيت الاستجابة وبيت الجود والكرم.

وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ اللهم اكتبها لكل مشتاق ويسرها لكل راغب بها وأرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط