الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكراسي الموسيقية


لعبة لا تخفي علي أحد ، مجموعة من الكراسي يلتف حولها عدد من الأشخاص يزيدون على عدد الكراسي بشخص واحد فقط، ثم تبدأ اللعبة ، ويجري الجميع في حلقة مغلقة حتي تأتي صفارة النهاية فيسرع كل من اللاعبين للجلوس علي كرسي ، ثم يخسر أول لاعب وينسحب، وتتكرر اللعبة وفِي كل مرة ينقص شخص وينقص معه أيضًا أحد الكراسي، حتي يتبقي كرسي واحد ، وإثنان من اللاعبين يتسابقان للجلوس علي هذا الكرسي، فيجلس واحد ويخسر الآخر وتنتهي اللعبة.

هكذا حالنا جميعًا، نتسابق علي الكراسي، ويعمل كل منا المستحيل للوصول إلي إحداها محاولًا أن يتمسك به حينما يأتي وقت إعادة اللعبة، ثم يكسب في الجولة الجديدة أو يخسر، البعض يتقبل الخسارة بروح طيبة متسامحة وهو يعلم جيدًا أن الدنيا كلها إلي زوال ليس فقط منصبه الذي ناله في لعبة الكراسي، والبعض الآخر ينهار وتتوقف حياته علي تلك الهزيمة ، فيمرض ويحزن ويفقد ما لديه من وقت في الحياة في الحزن علي شئ لم يصبح من نصيبه.

أما من كرمهم الله بالحفاظ علي الكرسي فمتنوعون، منهم من يحمد المولي عز وجل ، ويحاول جاهدًا أن يكرس عمله لوجه الله تعالي، مقدمًا أقصي ما لديه من تضحيات ليحظي بحفظ الله وبركته، ومنهم من يستغل الفرصة لصالحه، ويحاول أن يقضي مصالحه ويستفيد أقصي إستفادة من منصبه حتي ولو كان علي حساب الآخرين، ومنهم من يغتر فيعمي، ويتحول إلي ديك شركسي، مزهوا بنفسه ، ويصدق أنه حصل علي هذا المنصب بجدارة لأنه يستحق، ولا أحد سواه يصلح لهذا الكرسي.

إذا أكرمك المولي عز وجل بالملك فتذكر أن الملك إلي زوال مهما طالت مدته، ومهما كانت زهوته، ثم تعود من حيث أتيت لتبدأ قصة جديدة ، وتجربة مختلفة قد تكون سعيدة، وقد تكون إبتلاء صعب لا يتحمله إلا من آمن واحتسب، يقول المولي عز وجل (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

ومن رحمة المولي عز وجل بالمؤمنين الإعانة علي الملك إذا وٌكِلَ إليهم، وفِي نفس الوقت يحاسب من يسعي إليه ويلهث خلفه محاسبة عسيرة، فالمٌلك فتنة مهما كانت درجته، وفِي كل مجال مهما إختلفت درجات الغني والفقر تجد من يشعر بالملك ويظن نفسه فوق الجميع، ويتسلط ويظلم ويتناسي أن الظلم ظلمات يوم القيامة، ويتناسي قول الرسول صلي الله عليه وسلم (البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت,افعل ما شئت فكما تدين تدان).

من أكبر المشكلات التي تواجه البعض حينما يُؤتيَ المُلك، أن يفصل بين العمل وبين العلاقات الإنسانية، ويتحول إلي غريب بين أصدقائه وزملائه في العمل، بالأمس كان يجلس بينهم، يأكل معهم، ويتبادلون أطراف الحديث يضحكون ويلهون، ويتذكرون ما مرت بهم من أيام بحلوها ومرها، ثم يجد نفسه ملكا عليهم، بحصوله علي آخر كرسي في منظومة الكراسي كل حسب موقعه، فتتبدل المشاعر وتختلط، يخاف ممن حوله ويترقب أفعالهم وفِي نفس الوقت يٌظهر لهم الوجه الآخر من الشدة والقوة وأحيانًا يتعالي حتي يفقد حُب الآخرين وينسي أنه يومًا ما كان بينهم، وتتعقد الأمور ويُصْبح وحيدًا مع الوقت، الجميع يتملقه لمنصبه، خوفًا من أن يقضي عليه أويستبدله، فتُصبح الحياة مزيفة، بلا روح وبلا بركة.

وتمر الأيام مهما طالت سريعًا، ثم يحين موعد إعادة اللعبة من جديد، فيجد من آتاه الله الملك نفسه خارج اللعبة، يتلفت حوله، محاولًا أن يستوعب، ينهار ويحزن ويحيا علي الذكريات، ولكن في ذلك الحين يكون قد فقد الأصدقاء، ورُفعت الأقنعة، لم يعد يتملقه أحد، ويُكسَر الزير من خلفه كما يقال، حتي لا يعود من جديد، ويتذكر الجميع مساوءه ويتناسون محاسنه.

حاول أن تدرب نفسك دائمًا أن المُلك إلي زوال والميزان سوف يُنصَب لك في الدنيا قبل الآخرة من الصغير قبل الكبير، فلا أحد يتناسي مظلمته مهما مرت الأيام، فتوخي الحذر، وتباسط مع من حولك، في التباسط قوة وفِي التعالي ضعف وهزيمة، يقول المولي عز وجل لرسوله الكريم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

المشورة مطلوبة في كل المجالات والاستبداد هو بداية الفشل الذريع، تباسط بثبات وقوة وكن رحيمًا بمن وليت عليهم، لا تتكبر ولا تفرح فالمُلْك فتنة، والفتنة تجربة قد ترفعك إلي أعلي السماوات وقد تخسف بك الأراضين السبع، والفِتَن خُلِقَت حتي نتعلم أن نقاوم ما نحب ونتحمل ما نكره، يقول المولي عز وجل (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، اللهم اكفنا شر الفتن وشر زهوة المُلك وبريقه، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط