الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مع الـ نجيبيْن محفوظ (١)


جعل الله أحدهما سببا في حياة الآخر، ما دفع أسرة الأخير منهما تطلق اسم الأول على مولودها، الذي منح مصر والعرب الجائزة الأهم في العالم في المجال الأدبي، جائزة نوبل في الأدب، والتي حصل عليها في العام ١٩٨٨، وطافت شهرته الآفاق.

أما أولهما فهو نجيب ميخائيل محفوظ الشهير بنجيب باشا محفوظ، ابن محافظة الدقهلية - محافظة النوابغ - الذي ولد في المنصورة في الخامس من يناير عام 1882م، وهو أستاذ طب النساء والولادة بمدرسة الطب بقصر العيني والذي أصبح رائد علم أمراض النساء والولادة في مصر والعالم العربي والعالم الغربي، فلقد كانت له بطولات كان أولها في شهر يونيو من عام 1902م - وهو وقت التخرج المنتظر لنجيب محفوظ من قصر العيني - فلقد كانت مصر على موعد مع كارثة طبية، حيث ضربها وباءُ الكوليرا القاتل، وهو ما أجل موعد تخرج طالب الطب نجيب محفوظ، الذي كان عليه أن يقوم بواجب وطني في محاربة الوباء الخطير الذي نزل بمصر.

فكان نجيب محفوظ أحد طلبة الطب المصريين الذين تم تجنيدهم لمكافحة هذا الوباء اللعين - وباء الكوليرا - وكان الدور الموكل لنجيب محفوظ هو الكشف عن الحالات الواردة إلى القاهرة من خلال محطة السكة الحديد الرئيسية، ولكن نجيب محفوظ أراد أن يخوض المعركة وهو في الخطوط الأمامية، وأن يذود عن البلاد بكل شراسة من خلال مواجهته لهذا المرض اللعين، فطلب نقل خدمته إلى أشد مناطق الوباء وهي قرية "موشا" الواقعة بجوار أسيوط، وتمت الموافقة على طلبه ليسافر طالب الطب النابغة نجيب محفوظ إلى موشا ليظهر براعة فائقة يرهص من خلالها على نبوغ في عالم الطب، حيث نجح فيما فشل فيه أساطين الصحة العامة الإنجليز، حينما اكتشف المصدر الرئيسي لذلك الوباء، والذي كان بئرا ملوثا داخل منزل أحد الفلاحين، وكان ذلك الاكتشاف من خلال متابعته دقيقة لحالات الكوليرا.

ذلك النبوغ الذي ظهر على الطبيب الفذ نجيب محفوظ تأكد أعظم ما يكون التأكيد، حينما قام بافتتاح عيادة لأمراض النساء والتوليد، فعلى الرغم من أنه لم يحضر أثناء دراسته في كلية الطب إلا عملية توليد واحدة، كانت فاشلة حيث توفي في هذه العملية كل من الأم والجنين، إلا أنه حقق نجاحا باهرا في هذه العيادة التي افتتحها، في إجراء عمليات الولادة المتعسرة، فتحققُ تلك العيادة نجاحا مبهرا وتكتسب شهرة فائقة، ويحظى معها صاحبها بثقة هائلة بين المواطنين، ليتم استدعاؤه للمنازل لإجراء الولادات المتعثرة ليفوق عددها الألفين من الحالات.

في العام ١٩١١ كان طبيب التوليد نجيب محفوظ على موعد آخر مع النجاح الذي سيبقى مذكورا على مر التاريخ، حيث كانت هناك ولادة متعسرة بطلتها السيدة فاطمة مصطفى قشيشة زوجة عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا اللذين يقيمان بحي الجمالية، إحدى أشهر ضواحي مدينة القاهرة في حالة ولادة متعسرة، فتم اللجوء للطبيب المتمكن نجيب محفوظ لتنجح عملية التوليد، وامتنانا من الأسرة لما قام به الطبيب يتم إطلاق اسمه على المولود الجديد ليصبح لدينا عَلَمان باسم واحد: نجيب محفوظ.

إن كل من نجيب محفوظ الطبيب ونجيب محفوظ الأديب انشغل بالإنسانية؛ واشتغل على الإنسان، الأول من الناحية الفيسيولوجية والآخر على الناحية النفسية، وغاص كل منهما غوصا في مجاله، فحقق النتائج المبهرة، التي كانت محل تقدير، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل جاءهما التقدير، اعترافا بما قدماه للإنسانية، من المحافل الدولية في أعلى الدرجات.

وحقق كل منهما لنفسه ولمصر مكانة مرموقة وشهرة عالمية اكتسبها الأول من براعته الفائقة في جراحات إصلاح الناسور المهبلي بأنواعه المختلفة، حيث تم عرض عملياته في مستشفيات لندن وأكسفورد وإدنبره وجنوا ولوزان، ما جعل قصر العيني مقصدا يحج إليه جراحو أوروبا لمشاهدة هذا النوع من العمليات والتعلم على يد طبيب مصر الفذ نجيب محفوظ.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط