الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مع الـ نجيبين محفوظ "٣"


تكتسب مصر مكانتها من هؤلاء المصريين الأفذاذ الذين لا ينفرط عقدهم على مدار التاريخ، فلا يوجد عصر من العصور إلا وأخرجت مصر من رحمها نموذجا - أو عدة نماذج - فذا في مجال من المجالات، وما تمر مرحلة زمنية إلا ونقش على جدرانها أبناء مصر أثرا أو آثارا تساهم من خلالها في نهضة البشرية ورقي الإنسان، حتى في أحلك تلك الفترات سوادا في تاريخ مصر أو المنطقة، ما انطفأ ذلك الشعاع الذي يخرج من قلب الوادي الخصيب، تلك الخصوبة التي تركها على الإنسان الذي نبت من تلك الأرض الطيبة، مانحا البشرية العلم والقيَم. 

ويظل نجيب ميخائيل محفوظ باشا أحد تلك الإشعاعات المصرية الممنوحة للعالم والإنسانية، والذي نرى في جراحنا العالمي السير مجدي يعقوب امتدادا له، في العلم والعطاء والنبل، فالدكتور مجدي يعقوب لم يظهر كنبتة شيطانية، بل هو نتاج هذه التربة الطيبة والبيئة الصالحة، كما كان الدكتور نجيب ميخائيل محفوظ، فكما يبهر الأول العالم بعلمه ومهارته وخلقه ونبله وعطائه، بهر سلفه العالم بعبقريته وعلمه وعطاءاته، التي تخطت محيطه وتجاوزت بيئته، لتشع في العالم كله، ويقدره لذلك العالم كله بعدما لقى التكريم في وطنه؛ حيث تم تكريمه في العديد من المحافل ونذكر في هذا المجال ما يلي: عام 1919: حصل على وسام النيل، وفي العام 1935: تم اختياره عضوًا شرفيًا في الكلية الملكية لأطباء النساء والولادة بإنجلترا ليكون واحدًا من خمسة حظوا بهذا الشرف على مستوى العالم.وفي العام 1937 اختير عضوًا شرفيًا في الكلية الملكية للأطباء بإنجلترا وفي الأكاديمية الطبية بنيويورك كما حصل على لقب (باشا) من مصر.

وفي العام 1943 تم اختياره عضوًا شرفيًا بالكلية الملكية للجراحين بإنجلترا ونظرًا لظروف الحرب العالمية الثانية تم تحويل اللقب إلى نجيب باشا في مصر لعدم توفر المواصلات إلى لندن، والجدير بالذكر أن نفس الشرف تم منحه في نفس الوقت للسير ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا والشخصية الصينية البارزة شيانج كاي شك. وفي العام 1947 تم اختياره عضوًا شرفيًا في الجمعية الملكية الطبية بإنجلترا والتي قامت أيضًا بمنح ميداليتها الذهبية لمكتشف الإنسولين السير ألكسندر فلمنج وفي نفس العام حصل محفوظ على العضوية الشرفية للجمعية الملكية لأطباء النساء والتوليد بإدنبره. 

وفي العام 1951 جائزة الملك فاروق للعلوم الطبية. وفي العام 1956 قامت الكلية الملكية لأطباء النساء والولادة بإنجلترا بدعوة محفوظ لإلقاء محاضرة (فلتشر شاو) التذكارية وهو شرف لم يمنح إلا لأعضاء الكلية الذين قدموا إسهامات بحثية نوعية في مجال طب النساء والولادة ونظرًا للإقبال الهائل مع السعة المحدودة للقاعة تم نقل المحاضرة إلى الجمعية الملكية الطبية في لندن. وفي العام 1960 قام الرئيس جمال عبد الناصر بإهداء محفوظ وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى بالإضافة إلى جائزة الدولة التقديرية في العلوم وتم أيضًا تكريم محفوظ في عهد الرئيس أنور السادات. 

إن علماءنا المصريين ونماذجنا الأفذاذ لا يأخذون مكانتهم مما لديهم فقط من العمل، ولكن أيضا بما يقدمون من عطاء، ذلك العطاء الذي يتجلى في صور مختلفة، كلٌّ يلبسه الثوب الذي يتفق ومجاله، والذي يصدر عن طبع فيه أصيل، ذلك الذي يظل مذكورا به، مشكورا من أبناء وطنه، وهنا يقوم نجيب باشا محفوظ - نموذجنا - بتأسيس وحدة صحة الأم لأول مرة في مصر وكذلك وحدة رعاية الحوامل ووحدة صحة الطفل، ويقوم بتأسيس مدرسة متكاملة للقابلات وإصدار كتابين ظلا مرجعًا أساسيًا للقابلات واللائي قد تخرج منهن ما يفوق الألف في خلال فترة 30 سنة قام فيها نجيب محفوظ بالتدريس لهن وإعدادهن لإجراء الولادات في المنازل. 

ولم ينس نجيب محفوظ طلاب العلم فيقوم في العام1930م بتأسيس متحف نجيب محفوظ لعينات النساء والولادة والذي حوى أكثر من 3000 عينة قيمة تم جمعها من عمليات محفوظ ويقوم بإصدار أطلس ومجموعة من الكتب على مستوى عالمي وبعدة لغات. 

في سنة 1950 تألفت هيئة تضم أساطين العلم وأكابر الأطباء برئاسة دكتور إبراهيم شوقي مدير جامعة القاهرة يومئذ ووزير الصحة من بعد، لإنشاء جائزة مالية يطلق عليها "جائزة دكتور نجيب محفوظ العلمية" تخصص لتشجيع البحوث في علوم أمراض النساء والولادة. وتُمنح لمن يقدم أحسن بحث. وفي 14 يونيو 1950 أقُيم حفل بفندق سميراميس بالقاهرة أعُلن فيه تقرير إنشاء الجائزة. 
 
وإننا نرى أنه من الأهمية بمكان أن يتعرف النشء عندنا على تلك النماذج المصرية المتميزة، وعلى تلك الشخصيات الفذة، لتكون لهم نبراسا يهتدون به، وتكون القدوة التي إليها يسعون ومن هنا فإن تلك الحيوات الحافلة لأساطين مصر في كافة المجالات يجب أن تتحول إلى مادة درامية، كما حدث لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي تحولت حياته – الأيام – إلى عمل درامي جسد فيه النجم الكبير الراحل أحمد ذكي شخصية العميد طه حسين، وإن الكتاب الذي صدر في عام 1966 صدر للدكتور نجيب ميخائيل محفوظ تحت عنوان "حياة طبيب" باللغة العربية (الطبعة الثانية) ونشرته الهيئة العامة للكتاب في عام 2013 في مشروع مكتبة الأسرة وأصدرته باللغة الإنجليزية شركة لفنجستون للطباعة والنشر بإنجلترا وكتب الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي تقديما له قال فيه: "هذا كتاب ممتع إلى أقصى غايات الإمتاع" هذا الكتاب نطالب شركات الإنتاج الفني أن تحوله إلى عمل درامي، وأن يتم اختيار الممثلين النجوم البارعين للمشاركة في مثل هذه الأعمال التي تدخل لدينا في باب الأعمال الوطنية، حيث إنها تربي أجيالا جديدة على قيم مصرية عظيمة، وتحفز في تلك الأجيال ملكات الإبداع، كما تغرس في الأجيال روح التفوق، حيث إن تلك الأجيال هي المعوِّل عليها بناء الوطن والوصول به إلى المكانة التي يستحقها بين الأمم المتحضرة المتقدمة الراقية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط