الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شعيب عبد الفتاح يكتب: مصر والإمارات عبق المؤسس وشموخ المسيرة

صدى البلد

تشارك مصر اليوم 2 ديسمبر احتفالات دولة الإمارات العربية المتحدة باليوم الوطني السابع والاربعين لتأسيسها ، ويأتي احتفال مصر بهذا اليوم المجيد ؛ انطلاقا من اعتبارات كثيرة وحقائق تاريخية مشهودة ؛ بدايتها أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الامارات العربية المتحدة رحمه الله كان هو الزعيم الذي غرس التوجه الوجداني الصادق لأبناء الامارات نحو مصر ، وتعهد العلاقات المصرية - الإماراتية بالرعاية والعناية والحب والتقدير ، ونسج علاقات بالغة التميز والحب والتقدير والخصوصية معها. كما دأب طوال حياته على تأكيد مدى حرص دولة الامارات الشقيقة على مصر وقيمتها وتطلعها لدورها التاريخي والريادي والحضاري .

وقبل كل شيء يجب أن نذكر بكل الفخر والاعتزاز الموقف العروبي الشجاع للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله في حرب أكتوبر المجيدة، عندما خرج على العالم وقال إن البترول العربي ليس بأغلى ولا أثمن من الدم العربي وسخر كل إمكانياته وثرواته تحت تصرف المقاتل العربي في تلك الحرب ليضرب مثلًا رائدًا في التضامن العربي مازال حيا الى يومنا هذا.

ومن مواقف الشيخ زايد أيضا في حرب اكتوبر أنه قام بقطع زيارته للعاصمة البريطانية لندن عام 1973 عند اندلاع حرب أكتوبر بين العرب وإسرائيل، وعاد ليشارك أشقاءه العرب معركتهم المصيرية في تلك الحرب، وليقف مع دول المواجهة بكل إمكانياته المادية وثقله السياسي، ثم اتصل بسفير دولة الإمارات في لندن وطلب منه حجز جميع غرف إجراء العمليات الجراحية المتنقلة، وشراء هذا النوع من الغرف من كل أنحاء أوروبا وإرسالها فورًا إلى دمشق والقاهرة.

وفي إجراء ينم عن وعيه العميق وإدراكه التام بدور وخطورة الاعلام طلب المغفور له أن تقدم كافة التسهيلات لرجال الأعلام الذين يريدون زيارة جبهات القتال العربية في سوريا ومصر، وأن تكون جميع نفقاتهم على حسابه الشخصي، وسافر بالفعل 40 صحفيًا يمثلون أكبر دور الصحافة في بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، متجهين إلى دمشق والقاهرة لتغطية أخبار المعارك المصيرية في تلك الحرب، وليقف مع دول المواجهة بكل إمكانياته المادية وثقله السياسي. كما لا ينسى التاريخ أن الإمارات بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كانت أول دولة عربية تعيد علاقاتها مع جمهورية مصر العربية بعد المقاطعة العربية عقب اتفاقية كامب ديفيد.

ومن المواقف الكبرى لحكيم العرب التي تذكرها مصر دائما ، حجم المشروعات التى أقامها على أرض مصر، ومن أهمها مدينة الشيخ زايد وهي إحدى المدن الجديدة التي أنشئت عام 1995 بتوجيهات من الشيخ زايد شخصيًا، وبمنحة لا ترد من صندوق أبوظبي للتنمية، كذلك حي الشيخ زايد بمدينتي السويس والإسماعيلية، وهما من الأحياء التي قدمها زايد للمصريين كمساهمة جادة في إزالة آثار العدوان الاسرائيلي على مدن القناة في حرب يونيو عام 1967.

كما أن هناك قناة الشيخ زايد بطول 50 كيلومترًا تشق صحراء جنوب الوادي في توشكى، لزراعة 450 الف فدان، وقدمها رحمه الله هدية لمصر، وترعة الشيخ زايد التي أعادت الحياة الى صحراء وادي النطرون، وترعة الشيخ زايد شرق قناة السويس في قلب سيناء، تروي 40 ألف فدان من صحارى مصر، كل ذلك عن ايمان عميق منه بمصر ودورها الحيوي والتاريخي تجاه أمتها العربية، فهو صاحب المقولة الشهيرة ان مصر بالنسبة للعرب هي القلب وإذا مات القلب فلا حياة للعرب.

وبعد وفاة الشيخ زايد صان أولاده البررة وصية والدهم المؤسس بمصر ، وزادت مسيرة العلاقات بين البلدين رسوخا وعلوا وشموحا ، وليس أدل على ذلك ما قدمته الإمارات لمصر بعد ثورة 30 يونيو ، حيث فاق الدعم الإماراتي المفاهيم التقليدية للعلاقات بين الدول، وتعداه إلى مرحلة التوحد في المصير والاشتراك في المستقبل. فقد جندت الدبلوماسية الإماراتية كل رصيدها القوي، ووظفت تأثيرها المتنامي لدى الدول الفاعلة، في دعم ومساندة الشعب المصري في مطالبه المشروعة التي خرج من أجلها في ثورته المجيدة ، فقد أدركت دوائر صنع القرار في دولة الإمارات العربية المتحدة مبكرًا، ومنذ الوهلة الأولى لتفجر هذه الثورة، أن مصر ستتعرض لمواقف رسمية، إما معادية أو مترددة، تصور الإرادة الجامعة للشعب المصري في اختيار الحكم الديمقراطي السليم، وانحياز الجيش المصري العظيم لهذه الإرادة، على أنه انقلاب، إضافة إلى تعرضها لهجمة إعلامية غربية شرسة تزيف الحقائق وتجعل من العنف والإرهاب والتعذيب والقتل وقطع الطرق وتدمير الممتلكات العامة والخاصة واستغلال الأطفال والنساء كدروع بشرية، تجعل كل ذلك وتصوره على أنه اعتصام سلمي يراعي حقوق الإنسان وأمن البلاد .

وقد تجلى هذا المواقف الإماراتي التاريخي تجلى في مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بالاتصال بالقيادة المصرية الجديدة، معربًا لها عن عزم الإمارات الوقوف إلى جانب مصر ودعم شرعية مطالب شعبها العظيم، تلا ذلك قيام وفد إماراتي رفيع المستوى بزيارة مصر، في رسالة سياسية إماراتية شجاعة وعلنية، تؤكد للعالم أجمع انحياز الإمارات المطلق لما قام به جيش مصر العظيم من تلبية لمطالب الشعب .

وقد استهدف التحرك الإماراتي على الساحة الدولية في المقام الأول الجانب الأمريكي، لما له من تأثير في تغيير بوصلة المواقف الغربية، واستطاع رأس الدبلوماسية الإماراتية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، خلال لقائه مرتين في واشنطن ولندن بوزير الخارجية الأمريكي وقتها جون كيري، أن ينقل حقيقة ما حدث وما يحدث من تحولات على الأرض في مصر، وشرح جهود دولة الإمارات في دعم الشعب المصري خلال العملية الانتقالية، وأهمية دور الولايات المتحدة والدول الأخرى للمساعدة على تحقيق الاستقرار في مصر. 

وعلى الصعيد نفسه، استهدف التحرك الإماراتي أيضًا القوى الأوروبية الكبرى، فكانت اللقاءات المكوكية لسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية مع لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا السابق في باريس يوم 29 يوليو 2013، وبعدها بيوم كان لقاء سموه في برلين مع وزير الخارجية الألماني السابق غيدو فيستر فيله، وعلى جانب القوى الدولية الأخرى، بحث سموه في الاتصال الهاتفي الذي تلقاه في الثاني من أغسطس 2013، من المبعوث الرئاسي الروسي الخاص للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، تطورات الوضع في مصر، وتأكيده ضرورة إيجاد تسوية سلمية للأزمات في دول المنطقة، واحترام سيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية .

وعلى صعيد الدعم الاقتصادي، سارعت الإمارات بإيداع المبلغ الذي تعهدت به وهو ثلاثة مليارات دولار في الخزينة المصرية، وهو ما أثر إيجابًا في رصيد العملة الأجنبية في مصر، كما شمل هذا الدعم أيضًا مبادرة الإمارات في تقديم كميات كبيرة من المشتقات البترولية، بقيمة نصف مليار دولار، للحد من أزمة الطاقة في السوق المصرية، كما جاءت توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة لهيئة الهلال الأحمر الإماراتية بإطلاق حملة كبرى تحمل اسم مصر في قلوبنا لدعم الشعب المصري في هذه الأوقات العصيبة .

وفي أكتوبر 2013 وقعت الإمارات مع مصر اتفاقًا إطاريًا قدمت بمقتضاه حزمة مساعدات اقتصادية إلى مصر بمبلغ 4 مليارات و900 مليون دولار، أعقبته سريعًا بتأسيس المكتب التنسيقي للمشاريع التنموية الإماراتية في مصر، برئاسة وزير الدولة الإماراتي، الدكتور سلطان أحمد الجابر، للتواجد الدائم في ميادين تنفيذ هذه المشروعات، وحل جميع المشكلات التي تعترض سرعة إنجازها في وقت قياسي، وللتأكد من دعمها للمواطن المصري البسيط". وتركز هذه المساعدات على قطاعات حيوية في مجالات الطاقة والإسكان والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية والمرافق. ويتولى المكتب كذلك مهمة الربط بين الجهات الإماراتية والمصرية، لضمان سرعة وكفاءة تنفيذ المشروعات، وبما يكفل أن تحقق المساعدات أفضل عائد اقتصادي واجتماعي للشعب المصري".

وحاليا وفي ظل قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وأخيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ؛ تشهد العلاقات المصرية الاماراتية مرحلة تفوق المفاهيم التقليدية للعلاقات بين الدول، وتتعداها إلى مرحلة التوحد في المصير والاشتراك في المستقبل.