الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مع الـ نجيبين محفوظ ٤


يرى العديد – وأنا منهم - أن هناك صراعا، ظاهرا مرة وخفيا أخرى، بين الدول، وبين الأمم، ولهذا الصراع، على ما به من مآسٍ في الكثير من الأحيان، فوائد كبيرة تعود على الدول والأمم وتمتد إلى الإنسانية، فهذا الصراع، الذي نتمنى – على صعوبة تحقيق ذلك - أن يصبح تنافسا شريفا، يدفع الجماعات والدول والأمم، وهي في طريقها للفوز به، إلى التطور حيث تقدم كل جماعة وكل دولة وكل أمة كل ما تستطيع من جهد في العمل، ليكتب لها الفوز في هذا الصراع.

وتستخدم كل أمة من الأمم جميع الأسلحة في صراعها، ولا تتورع - إلا النادر منها - في النيل من منافسيها بكل وسيلة مشروعة كانت أو غير مشروعة.

وتستخدم الدول بعضا من أبناء منافسيها للنيل منها، وذلك بطريق مباشر مرة - كالجواسيس - وبطريق غير مباشر مرة أخرى، والطريق الأول على بشاعته يعد أقل وطأة من الثاني، حيث تستطيع الدول بأجهزتها اكتشاف هذا الجاسوس أو ذاك والتعامل معه، أما الطريق الآخر فهو ليس من الصعوبة بمكان فحسب بل هو الصعوبة ذاتها، فحينما يتم استخدام أبناء وطن لهدمه وهم لا يدركون أنهم مستخدمون ويظنون أنهم يحسنون صنعا، هنا يكون العدو قد نجح نجاحا باهرا فيما يسعى إليه.

ومن الأسلحة الناجعة في تحطيم الدول هو بث الروح الانهزامية في نفوس أبناء شعوب تلك الدول، وتمكين الدونية في أعماق هذه الشعوب، وأول ما يُسْتَهدَف للوصول إلى ذلك هو التقليل من الرموز مهما كانت عظيمة والتقليل من شأن المواهب مهما كانت فذة، وهذا السلاح الخطير يتم استخدامه ببراعة ضد مصر، فكم من عظيم ناله السهام من بعض من أبناء جلدتنا، وكم من موهبة كانت هدفا للتقليل من قيمتها، ولقد كانت مناسبة فوز موهبتنا الفذة في الأدب نجيب محفوظ بالجائزة الأهم في العالم "جائزة نوبل" مناسبة ومثالا صارخا برهانا على ما نقول؛ فعلى الرغم من الفرحة العارمة التي عمت أبناء الشعب وجدنا من يزعم أنه لا يستحق الجائزة، كما قرأنا لبعضهم أن اللوبي الصهيوني وراء منحه لها في مفارقة تدعو للسخرية فكيف لعدو أن يظهر تفوق أعدائه أمام العالم؟!

إن نجيب محفوظ موهبة أدبية، لن تتكرر بسهولة مثلها مثل المواهب الفذة في جميع المجالات، ولقد نال جائزة نوبل عن جدارة واستحقاق، وإننا نزعم أنها تأخرت عليه كثيرا، ويدعم زعمنا هذا ما أعلنته لجنة التحكيم أن الجائزة منحت له عن مجمل أعماله، وذكرت اللجنة بعضا من تلك الأعمال التي كان من بينها رواية "أولاد حارتنا" التي فتحت الباب أمام فريق آخر لم يحاسب الرجل محاسبة أدبية، هذا الفريق الذي كان امتدادا لمن سبقوه في خمسينيات القرن الماضي حيث في 21 سبتمبر 1950 بدأ نجيب محفوظ نشر رواية "أولاد حارتنا" مسلسلةً في جريدة الأهرام، ثم توقف النشر في 25 ديسمبر من العام نفسه بسبب اعتراضات هيئات دينية على "تطاوله على الذات الإلهية"، لم تُنشر الرواية كاملة في مصر في تلك الفترة، واقتضى الأمر ثمان سنين أخرى حتى تظهر كاملة في طبعة دار الآداب اللبنانية التي طبعتها في بيروت عام1967، وأعيد نشر "أولاد حارتنا" في مصر في عام 2006 عن طريق دار الشروق.

كما كانت الرواية ذاتها سببا في محاولة اغتياله، ففي أكتوبر 1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابين قد قررا اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل.

وشاء القدر أن ينجو الكاتب الكبير من تلك المحاولة الإرهابية لهذين الشابين اللذين تم إعدامهما فيما بعد، والذي أعلن الكاتب الكبير – نتيجة لطبيعته المسامحة - أنه غير حاقدٍ عليهما، كما أعلن أنه كان يتمنى لو أنه لم يُعدما.
تلك الطبيعة المحفوظية الهادئة كان لها أثر كبير في عدم نشر الرواية في طبعة مصرية لسنوات عديدة، حيث كان قد ارتبط بوعد مع الممثل الشخصي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر" بعدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر، فطُبعت الرواية في لبنان من اصدار دار الآداب عام 1962 ومنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخا مهربة منها وجدت طريقها إلى الأسواق المصرية.

تُوفي نجيب محفوظ في بداية 29 أغسطس 2006 عن عمر ناهز 95 عاما إثر قرحة نازفة بعد عشرين يومًا من دخوله مستشفى الشرطة في حي العجوزة في محافظة الجيزة لإصابته بمشكلات صحية في الرئة والكليتين، وكان قبلها قد دخل المستشفى في يوليو من العام ذاته لإصابته بجرح غائر في الرأس إثر سقوطه في الشارع.

وإذا كان الأعداء يستخدمون كل أسلحتهم للنيل من مصر، فإن الدولة تعمل بكل مؤسساتها لإفساد مخطط الأعداء، وإن كان هناك من يعمل على النيل من الرموز والتقليل من المواهب، فإن مصر تحرص كل الحرص، على الدفاع عن نفسها بالدفاع عن رموزها والحفاظ على مكانة مواهبها، بكل الوسائل التي منها تكريمه كما حدث مع الأديب العالمي نجيب محفوظ، حيث تم تكريم اسمه في الكثير من المناسبات، حيث أطلقت محافظة الجيزة عام 2001 اسمه على ميدان سفنكس الشهير الذي يقع في حي المهندسين، كذلك يوجد ميدان وشارع نجيب محفوظ المتفرع كورنيش النيل في منطقة العجوزة، وأطلق اسمه على أحد الشوارع في مدينة نصر وكذلك في المعادي، كذلك قامت الهيئة القومية للبريد عام 2010 بإصدار طابع بريد له بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده، وكذلك أطلقت مؤسسة الأهرام اسم نجيب محفوظ على أحد أكبر قاعاتها، وتم إطلاق اسمه على العديد من المدارس في أنحاء مصر، هذا التكريم ليظل أمثال نجيب محفوظ نبراسا للأجيال القادمة، ومثالا لمن يخلص في عمله، ويصقل موهبته.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط