الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ترزي الزوابع


كلمة زوبعة وفقًا لما ورد في القاموس تعني الإعصار، ريح تثير الغبار وتديره في الأرض ثم ترفعه إلى السَّماء، وكلنا علي علم بالزوابع التي تنتشر من حولنا لتثير الجدل وتشتت الانتباه ثم تختفي بعد أن تؤدي المهمة التي أوكلت لها، ولكن من منا يعلم ترزي الزوابع، هذا الرجل الذي يعمل في صمت، يترقب الخبر، فيأخذه ويفصله، ويبدأ بحياكته الحياكة الدقيقة التي تؤدي الغرض، ثم سرعان ما تختفي تلك الزوابع بعد أن تؤدي مهمتها بعد فترة.

لا يستطيع أحد إدارة تلك الأمور إلا إذا كان يتسم بسمات شخصية فريدة من نوعها، شخصية حادة الذكاء، دقيقة المتابعة، تراقب ردود الأفعال بكل حرص، وتبرع في حياكة الأمور التافهة حتي تصبح زوابع وتنتشر وتحدث البلبلة المرغوبة، وتنتهي حين تصبح لا حاجة لها.

أعتقد أن هناك العديد من هؤلاء المهرة في صناعة وحياكة الزوابع، البعض يحيكها وفقًا لأهوائه لأغراض تخصه، والبعض يبدع في صناعتها بعد دراسة عميقة للمجتمع لأغراض سياسية وليست شخصية، قد يكون الهدف منها إثارة الرأي العام في موضوع محدد، وربما استدراج البعض الآخر لتأدية بعض الأدوار كما يحدث في أوروبا الآن، وحدث من قبل في الشرق الأوسط.

وقد تكون الزوابع الغرض منها الشهرة، كما حدث مؤخرًا في مهرجان القاهرة للسينما وما تلاه من زوبعة الفستان الأسود، والبطانة، دون التطرق للتفاصيل، فهي في النهاية زوبعة محاكة بدقة من أطراف متعددة، الغرض منها الشهرة والإلهاء، ولا أعتقد أنها نتاج المساس بالقيم والأخلاق وإلا لتكدست القضايا بين جدران المحاكم المصرية، لما ترتديه بعض النساء والفتيات في الحفلات الخاصة والعامة داخل القاهرة وفِي منتجعات الساحل الشمالي وغيرها من مناطق انتشرت فيها الحفلات التي لا تتوافق مع عادات وتقاليد المجتمع المصري شكلًا وموضوعًا.

الأخطر شأنًا هو ترزي الزوابع التي تؤدي إلي الفوضي، فهو يحيك الخبر بشكل شديد الحبكة، ويتابعه ويدعمه حتي يصل إلي مبتغاه، فينقاد كل من هو مغيب عن الواقع، مدمر نفسيًا، مُحَمَّل بالمآسي الشخصية، ويندمج مع الزوبعة حتي يصبح جزء لا يتجزأ منها، فينتشر العنف غير المبرر، ويعم الخراب على الجميع.

نحن في عصر الفتن، ويجب على الجميع توخي الحذر، وعدم الانقياد للزوابع المختلفة التي تلاحقنا في كل مكان، فنحن لم نعد نحتمل التشتت والانكسار من جديد، ونحتاج لوقفة تصالحية مع النفس للمرور بسلام من تلك المرحلة الحرجة، والتي نتحملها جميعًا للنهوض بالوطن، شهدنا علي فترات في منتهى القسوة نتيجة حياكة الأعاصير والزوابع التي تدعو إلى العنف والتشتت، ونراقب الآن ما يحدث في أوروبا وبالتحديد باريس وبلجيكا وهولندا، ونسترجع الذكريات التعيسة التي مرت علينا جميعًا، ونترقب انتهاء تلك الزوابع الأوروبية، خوفًا من العدوي، فنحن لم نعد نحتمل العودة إلى الخلف مرة ثانية.

أوروبا لا تنتفض، إنما امتدت إليها يد الخراب التي لاحقتنا لسنوات طويلة فهل من منقذ؟ أيًا كانت الأسباب فيجب احتواء الأزمة والسيطرة على مجريات الأمور في فترة وجيزة، فالعنف لعنة سريعة الانتشار، ولا أحد يعلم متى تقف تلك الزوابع التي تدعو للخراب والسرقة والدمار، باريس لم تعد آمنة كما كانت، بل باتت تبكي كما بكينا من قبل، فمن المستفيد من تلك الظاهرة، ومن يسعى لدمار أوروبا وتشتيتها؟ هل نفد الصبر على النظم السياسية، هل ازداد الفقر أم أنه مخطط لتدمير الاقتصاد الأوروبي؟ لعبة السياسية لعبة غويطة البحور ولا أحد يعلم متى تنتهي ومن سيكون الرابح الأخير.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط