الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علاء حيدر يكتب: بيراميدز وقواعد اللعب المالي النظيف

صدى البلد

أثارت الصفقات المدوية التي أبرمها بمبالغ فلكية، المستشار تركي آل الشيخ، مالك نادي بيراميدز لكرة القدم، رئيس هيئة الترفيه السعودي ، تساؤلات عديدة حول مدى مطابقة هذه الصفقات، التي شملت لاعبين دوليين على أعلى مستوى، لقواعد " financial fair play " أو " اللعب المالي النظيف" ، التي تنص عليها قواعد الإتحاد الدولي لكرة القدم " فيفا" ، و التي يشدد الإتحاد الاوروبي لكرة القدم "يوفيفا " ، على ضرورة الإلتزام بها ، بعد أن أدخل عليها مزيدا من التطوير، للتوائم مع تطور صناعة كرة القدم الأوروبية، بعد دخول الإستثمارات الأجنبية بقوة في كرة القدم الأوروبية .

وأصبحت هذه التساؤلات أكثر إلحاحا ، بعد أن كشفت مباراة الزمالك و بيراميدز ، التي إنتهت بالتعادل 3 / 3 ، في مبارة تعد من أفضل مباريات الكرة المصرية، أن بيراميدز بنجومه "الكوزموبوليتان" ، من إفريقيا، و أمريكا الجنوبية ، و الدول العربية ، تمكن من إحداث تغيير حقيقي على تعريف مباراة القمة، لتصبح ثلاثية الأبعاد ، بعد أن إقتصرت منذ تأسيسها على قمة الناديين العريقين الأهلي ( 1909 ) ، و الزمالك ( 1911 ) ، في وقت لا يزيد فيه عمر بيراميدز عن أشهر قليلة ، لو أغفلنا أن بيراميدز كان يحمل إسم الأسيوطي منذ أن صعد للدوري الممتاز المصري للمرة الأولى في 2014 ، و قبل أن يعود إليه مجددا في 2017 .

و في نفس الوقت، كشفت الشكوى التي تقدم بها المستشار تركي آل الشيخ للإتحاد الإفريقي لكرة القدم، بحق الإتحاد المصري لكرة القدم ، لإنحياز الإتحاد المصري للنادي الأهلي، على حد قوله، عن أن الإتحاد المصري لم يستعد على ما يبدو بشكل إحترافي لخوض عصر الإستثمار الأجنبي في الكرة المصرية .

و قبل البحث عن إجابات لكل هذه التساؤلات، ينبغي علينا أولا ، إستلهام الدروس من تجربة مماثلة جرت في فرنسا ، عندما قام " جهاز قطر للإستثمار" ، المملوك لدويلة قطر، بشراء نادي باريس سان جيرمان ، نادي العاصمة الفرنسي ، في مايو 2011 ، في صفقة بلغت قيمتها 170 مليون يورو ، و أثارت كثيرا من اللغط في فرنسا ، بعد أن وجهت إتهامات للرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي ، بتسهيل إتمام الصفقة ، في إطار تمرير عدة إتفاقيات قطرية في الداخل الفرنسي لخدمة وجوده رئيسا للدولة الفرنسية .

و مع دخول إمارة قطر الثرية في مجال الإستثمار في كرة القدم الفرنسية ، بدأ الإتحاد الأوروبي لكرة القدم في إتخاذ إجراءات ، لإجبار الأندية الفرنسية ، و الأوروبية ، على الإلتزام بقواعد اللعب المالي النظيف ، إثر تقدم الأندية الفرنسية بشكاوى للإتحادين الفرنسي و الأوروبي، بعد أن أحدث نادي باريس سان جيرمان، بقيادة رئيسه الملياردير القطري ، ناصر الخليفي ، إنقلابا في سوق الإنتقالات الفرنسية ، من خلال عقد صفقات بأرقام فلكية، لم تتمكن الأندية الفرنسية الكبرى التي إعتادت إحتكار البطولات الفرنسية ، مثل مارسيليا، و موناكو، و ليون، و سانت إتيان ، من مجارات أموال الملياردير ناصر الخليفي رغم ثراء رجال الأعمال الذين يمتلكون هذه الأندية مثل الملياردير الروسي، ديميتري ريبولوفليف ، صاحب نادي موناكو ، و الذي تزيد ثروته عن 7 مليارات دولار ، و الملياردير الأمريكي، فرانك ماكورت ، صاحب نادي مارسيليا ( 2 مليار دولار )، و المليونير الفرنسي ، جون ميشال أولاس ، صاحب نادي أوليمبيك ليون .

و كان الملياردير ناصر الخليفي ، أعلن فور شراء جهاز قطر للإستثمار لنادي باريس سان جيرمان ،عن عزمه تحويل فريق العاصمة الفرنسية ، إلى عملاق أوروبي في كرة القدم، قادر على التتويج ببطولة التشامبيونز ليج ، و الإرتقاء بإسم النادي ليصبح ماركة عالمية تباع تي شيرتاته ، و صور نجومه، و أعلامه، في متاجره في جميع أنحاء العالم ، مثل برشلونة، و ريال مدريد، فضلا عن تحويل خسائر باريس سان جيرمان المادية إلى أرباح .

و لم تمض أسابيع قليلة ، على إستحواذ قطر على نادي باريس سان جيرمان ، إلا و أعلن الملياردير ناصر الخليفي، عن صفقة هزت أرجاء الدوري الفرنسي، بشراء اللاعب الأرجنتيني، خافيير باستوري ، من نادي باليرمو الإيطالي ، بنحو 42 مليون يورو، ليصبح آنذاك أغلي لاعب في تاريخ الدوري الفرنسي . و أصبح نادي باريس سان جيرمان، في صيف 2012 ، النادي الفرنسي الأكثر إنفاقا على شراء اللاعبين ، بنحو 147 مليون يورو، الأمر الذي مكن النادي من شراء إثنين من أهم نجوم نادي إيه سي ميلان الإيطالي ، و هما تياجو سيلفا البرازيلي بنحو 42 مليون يورو، و السويدي زلتان إبراهيموفيتش بنحو 21 مليون يورو .

وواصل ناصر الخليفي تحطيم الأرقام القياسية في شراء اللاعبين في الدوري الفرنسي، حيث شهد صيف 2013 ، شراء مهاجم أوروجواي، إندينسون كفاني من نادي نابولي الإيطالي بنحو 64 مليون يورو . و تواصلت الصفقات حتى جاءت الصفقة المدوية ، بشراء البرازيلي نيمار ، من نادي برشلونة، بنحو 222 مليون يورو، ليصبح نادي باريس سان جيرمان، صاحب أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم الأوروبية و العالمية .

و كان من نتاج سياسة شراء النجوم" السوبر ستار " من الدوريات الأوروبية ، أن تمكن نادي باريس سان جيرمان في نسخته القطرية، من إحتكار الدوري الفرنسي في السنوات الأخيرة ، ليرتفع عدد بطولاته ، إلى 7 بطولات، و هو الذي لم يفز بالدوري الفرنسي سوى مرتين فقط منذ تأسيسه(1985 و1993) . و بفضل الصفقات المدوية التي أبرمها الملياردير ناصر الخليفي، توج باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي أعوام 2013، و ، 2014 و ، 2015 و 2016، و 2018 . كما يحلق باريس سان جيرمان منفردا بقمة الدوري الفرنسي في الموسم الحالي ب 56 نقطة ، مقابل 43 نقطة فقط لنادي ليل ، صاحب المركز الثاني ، في حين يأتي نادي ليون ، في المركز الثالث ب 40 نقطة ، و نادي سانت إتيان، صاحب أكبر عدد مرات بالفوز بالدوري الفرنسي ( 10 مرات )، في المركز الرابع ب 36 نقطة . و تكشف هذه النتائج أن باريس سان جيرمان لم يفقد الدوري منذ موسم 2012/ 2013 ، أي بعد مرور عام واحد على شرائه، سوى موسم واحد فقط ، هو موسم 2017 ، الذي فاز به نادي موناكو ، و ذلك بفضل وجود كيليان مبابي، نجم هجوم منتخب فرنسا في صفوفه ، بعد أن أجبر باريس سان جيرمان ، على إعارته لموناكو ، خضوعا لقواعد اللعب المالي النظيف .و لم يكتف باريس سان جيرمان بإحتكار الدوري الفرنسي ، فقد فاز بكأس فرنسا أعوام 2015، و 2016، و 2017 ،و 2018 ، كما فاز بكأس السوبر الفرنسي للمرة السادسة على التوالي مواسم 2013 ، و 2014، و 2015، و 2016، و 2017 ، و 2018 .

و أمام توحش نادي باريس سان جيرمان في مجال إكتساح البطولات الفرنسية ، بادر رؤساء الأندية الفرنسية الكبرى، و على رأسهم المليونير الفرنسي، جون ميشال أولاس ،صاحب نادي ليون، بتقديم شكوى للإتحادين الفرنسي و الأوروبي لكرة القدم ، ضد نادي باريس سان جيرمان ، بتهمة إنتهاك قواعد اللعب المالي النظيف .

و تنص قواعد اللعب المالي النظيف للإتحاد الأوروبي ، على ضرورة ألا تزيد قيمة إبرام صفقات شراء اللاعبين عن إيرادات النادي المالية ، بمعني أنه إذا حقق النادي عائدات قدرها 300 مليون يورو ، فلا يحق له شراء لاعبين إلا بقيمة 300 مليون يورو . و يواجه النادي الذي ينتهك قواعد اللعب المالي النظيف بعقوبات متنوعة ، تبدأ بتوجيه التحذيرات ، مرورا بمنع النادي المخالف من شراء لاعبين جدد ، و إنتهاء بحرمانه من اللعب في البطولات الأوروبية .

و حظيت الأندية الفرنسية في شكواها ، بتأييد كبير ، من جانب الأندية الأوروبية الكبرى ، على رأسها ريال مدريد، و برشلونة، و مانشستر ، و بايرن ميونخ، و غيرهم من الأندية الأوروبية الكبرى، التي خشيت من توحش باريس سان جيرمان أوروبيا ، بعد أن توحش فرنسيا، و لم يعد هناك فريق فرنسي قادر على منافسته على البطولات الفرنسية بسبب أموال دويلة قطر ثاني أكبر منتج للغاز في العالم .

و أمام هذا الهجوم الفرنسي الأوروبي، بادر رئيس نادي باريس سان جيرمان ، الملياردير ناصر الخليفي، بالإلتفاف على قواعد اللعب المالي النظيف ، بتوقيع عقد رعاية مع وزارة السياحة القطرية، بقيمة 600 مليون يورو، و هو إتفاق يستهدف المساهمة في تمكين باريس سان جيرمان من شراء أي عدد من أفضل النجوم العالميين، دون الإخلال بقواعد اللعب المالي النظيف .و هنا جن جنون الأندية الأوروبية الكبرى من الخدعة القطرية فبادر رئيس الإتحاد الأوروبي، ألكسندر سيفران، بإدانة الإتفاقية قائلا " لا يمكن أن تتولى ميزانية دولة شراء لاعبين و ينبغي أن تقتصر عمليات شراء اللاعبين على ميزانيات الأندية فقط ". 

و يواجه باريس سان جيرمان حاليا مشكلة كبيرة ، بسبب عقد صفقات تزيد على عائداته ، بعد أن إستعاد نجم منتخب فرنسا في كأس العالم الأخيرة ، كيليان مبابي ، من نادي موناكو، بقيمة 180 مليون يورو ، بهدف منع موناكو المنافس من أهم عناصره ، بعد أن ساهم كيليان مبابي بقوة، في خروج درع الدوري الفرنسي من دولاب بطولات باريس سان جيرمان في 2017 لصالح موناكو . و لم يعد أمام باريس سان جيرمان لتوفيق أوضاعه أمام الإتحاد الأوروبي ، بمقتضى اللعب المالي النظيف ، إلا أن يبيع كيليان مبابي حيث تشير المعلومات إلى رغبة ريال مدريد في شرائه، أو إعادة بيع البرازيلي نيمار لبرشلونة ، خاصة و أن نيمار لم يعد على وئام مع ناصر الخليفي ، لرفضه الخضوع لعملية جراحية، في حين يفضل نيمار العلاج بدون تدخل جراحي من إصابته .

و يستند الملياردير ناصر الخليفي على مجموعة كبيرة من الخبراء الفرنسيين ، و الأوروبيين، الذين يخططون له للإلتفاف على إلتزامات و ضوابط اللعب المالي النظيف لدرجة أن البعض تحدث عن تواطؤ مسئولين يتولون مراكز قيادية في مجال إدارة كرة القدم العالمية . و أصبح من غير الممكن تجاهل ما نشره موقع " ميديابارت" من تسريبات صحفية أوروبية تتهم رئيس الإتحاد الدولي، جياني إنفانتينو، و رئيس الإتحاد الاوروبي السابق، ميشيل بلاتيني ، بتسهيل الأمور لباريس سان جيرمان، لخرق قوانين اللعب المالي النظيف ، بإغفال المطالبة بإلغاء شرعية توقيع عقود إعلانية مبالغ في قيمتها السوقية لصالح باريس سان جيرمان، لزياده مجموع إيراداته ، لمساعدته في إستقدام أكبر عدد ممكن من اللاعبين المميزين حول العالم . و في هذا الإطار ، كشفت صحيفة" آس " الأسبانية ، أن الملياردير ناصر الخليفي، إستغل إمتلاك الأسرة المالكة في قطر لنادي" الدحيل" القطري، و قام بشراء نجم الكرة الياباني، شويا ناكاجيما ، نجم بورتيمونينسي البرتغالي، ليلعب في صفوف الدحيل القطري مقابل 35 مليون يورو تمهيدا لإنتقال ناكاجيما في الموسم القادم لباريس سان جيرمان ، بسعر أقل من سعره الحقيقي حتى لا يؤثر كثيرا في حسابات خرق اللعب المالي النظيف لكونه إنتقالا بين ناديين مملوكين لنفس الجهة .

لكن لماذا يبدو من سير الأمور، أن الحكومات الفرنسية المتعاقبة ، أغمضت عينيها عن خرق باريس سان جيرمان في نسخته القطرية لقواعد اللعب المالي النظيف ؟ أولا يعد نادي باريس سان جيرمان بقدراته المالية المملوكة لجهاز قطر للإستثمار(رأس مال الجهاز 350 مليار دولار ) النادي الفرنسي الوحيد القادر على منافسة عمالقة أوروبا من عيار ريال مدريد ، و برشلونة ، و مانشستر ، و بايرن ميونخ ، للفوز بالبطولات الأوروبية، خاصة و أن دولاب البطولات الأوروبية للأندية الفرنسية فقير للغاية إلهم إلا من تتويج وحيد لنادي مارسيليا ببطولة التشاميونز ليج ، بعد فوزه في النهائي على نادي إيه سي ميلان الإيطالي في 1993 .

أما العامل الثاني، فهو التزايد المطرد لقيمة الضرائب التي يسددها باريس سان جيرمان للخزانة الفرنسية كلما إستقدم لاعبين جدد ، فصفقة نيمار، رفعت عائدات الضرائب المفروضة على باريس سان جيرمان ، من 160 مليون يورو، إلى 200 مليون يورو . كما خضع باريس سان جيرمان لقوانين الإستثمارات الأجنبية في كرة القدم ، بتحديث إستاد "بارك دي برينس" أو أستاد الأمراء بباريس بقيمة 100 مليون يورو، لكي يتمكن من إستضافة جانبا من منافسات بطولة أوروبا ، التي إحتضنتها فرنسا في 2016 . كما إرتفع الإيجار الذي يسدده باريس سان جيرمان للعب في إستاد الأمراء ،المملوك لبلدية باريس ، من 400 ألف يورو في العام، إلى مليون و نصف مليون يورو .

كما أثمر نجاح مجموعة قناوات " بي أن سبورت " ، المملوكة لجهاز قطر للإستثمار، في الحصول على حقوق بث الدوري الفرنسي، و العديد من الدوريات الأوروبية الأخرى ، في منطقة الشرق الأوسط ، و شمال إفريقيا ، عن زيادة إيرادات الضرائب الفرنسية ، الأمر الذي ساهم في إغفال الحكومة الفرنسية لجانب من تجاوزات باريس سان جيرمان في مجال اللعب المالي النظيف .

كما يساهم نادي باريس سان جيرمان ، من خلال أكاديمياته في ربوع المدن الفرنسية في إكتشاف المواهب الفرنسية الكروية . و يعد كيليان مبابي صاروخ المواهب الفرنسية من خريجي أكاديمية باريس سان جيرمان ، قبل أن ينتقل إلى نادي موناكو ثم العودة لبيته الأصلي في موسم 2018 . و أخيرا شعرت الحكومات الفرنسية بالإرتياح من إتجاه قطر للإستثمار في الرياضة بدلا من الإستثمار في الضواحي الفرنسية ، التي يتكاثر فيها المسلمون من أصول مغاربية، و إفريقية ، خاصة و أن البعض كان يوجه الإتهامات لقطر بأن جانب من أموالها يذهب للترويج للفكر الإسلامي المتطرف في هذه الضواحي الفرنسية .

و الآن نستطيع العودة للمستشار تركي آل الشيخ بعد نجاحه في شراء نادي بيراميدز ( الأسيوطي سابقا ) و عقد مقارنة بين وضعه في مصر ووضع الملياردير ناصر الخليفي في فرنسا .

فالمستشار، تركي آل الشيخ ، يتمتع بالثراء في السعودية ، مثلما يتمتع ناصر الخليفي بالثراء في قطر . و بما أن الملياردير ناصر الخليفي يعد من أشد المقربين من تميم، أمير قطر، فإن المستشار تركي آل الشيخ يعد من أشد المقربين من الأمير ، محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية . و كما تقف الدولة القطرية بقوة وراء ناصر الخليفي، بوصفه رئيس مؤسسة قطر للإستثمارات الرياضية ، فإن المستشار تركي آل الشيخ ، يترأس الهيئة العامة السعودية للترفيه . و على الرغم من إبعاد المستشار تركي آل الشيخ مؤخرا عن رئاسة الرياضة السعودية ، إلا أنه لا يزال رئيسا للإتحاد العربي لكرة القدم . و مثلما تمتلك الحكومة القطرية أندية قطرية مثل نادي الدحيل، فالحكومة السعودية تمتلك أيضا كل الأندية السعودية ، الأمر الذي يسهل من إنتقال أي لاعب من الدوري السعودي لبيراميدز في الدوري المصري دون مشاكل، و أكبر دليل على ذلك، إنتقال عبد الله السعيد، صانع ألعاب نادي جدة السعودي إلى بيراميدز، و إنتقال نجم هجوم مننتخب سوريا ، عمر خربين ، من نادي الهلال السعودي إلى نادي بيراميدز. و تمت الصفقتان خلال الإنتقالات الشتوية الأخيرة في لمح البصر، لدرجة أن عبد الله السعيد ، وصل القاهرة ظهرا، ليلعب ضد الأهلي ، ناديه القديم ، مساء ، و يحرز هدف الفوز .

و ينبغي هنا ، إبراز الإنتقاد الشديد، الذي وجهه المستشار تركي آل الشيخ ، للإتحاد المصري لكرة القدم ، بزعم مجاملة النادي الأهلي، على حد قوله ، بتأجيل مباراة القمة مع الزمالك في الدور الأول الى 30 مارس القادم ، رغم خوض الفريقان للعديد من مباريات الدور الثاني في الوقت الراهن . و إتهم تركي آل الشيخ الإتحاد المصري ، بمنح الأهلي الوقت الكاف ليستعيد مستواه من خلال الصفقات الشتوية الجديدة، و إعطاء الفرصة للمدرب الأوروجوياني الجديد للنادي الأهلي مارتن لاسارتي، للتعرف على لاعبيه بشكل جيد . كما إنتقد المستشار تركي آل الشيخ تجاهل إتحاد الكرة المصري لتحديد موعد لمباراة بيراميدز و الأهلي في كأس مصر رغم أن جميع الفرق لعبت مبارياتها في الكأس ، في إشارة واضحة لإعطاء الفرصة للأهلي لإستعادة عافيته ، في وقت تفوق فيه بيراميدز على الأهلي في مباراة الدور الأول بهدفين لهدف واحد .

و في مفاجأة مدوية ، أعلن المستشار تركي آل الشيخ ، عن تقديم شكوى رسمية ، بإسم نادي بيراميدز ، للإتحاد الإفريقي لكرة القدم ، إتهم فيه إتحاد الكرة المصري بالإخلال بمدأ تكافؤ الفرص بين الأندية المصرية ، و عدم معاملتها على قدم المساواة بتجاهل تحديد مواعيد دقيقة لمسابقتي الدوري و الكأس و تأجيل مباريات لفريق بعينه الأمر الذي يخل بمبدأ التعامل بالشفافية مع جميع الفرق المصرية .

و تطرح هذه الشكوى العديد من التساؤلات بعد التطورات التي شهدتها الكرة المصرية بدخول أول مستثمر أجنبي في منافساتها . و يأتي على رأس هذه التساؤلات هل يدرك إتحاد الكرة المصري ، أن المستثمر الأجنبي في كرة القدم ، يماثل تماما المستثمر الأجنبي في المشروعات التجارية و الصناعية ، و أن هذا المستثمر لم ينفق مئات الملايين ، إلا لكي يتوافر له مناخ من النزاهة و الشفافية لتحقيق العائد المرجو من إستثماراته، و على رأسها تحقيق البطولات التي ترفع من أسهم النادي و قيمته السوقية ؟ . و ثانيا هل يمتلك الإتحاد المصري لكرة القدم، منظومة قوانين ، تنظم عمل المستثمرين الأجانب في الكرة المصرية، لا سيما و أن هناك مستثمرين يمثلون حكومات دول ثرية و ليس فقط أفرادا أثرياء الأمر الذي يستوجب وجود منظومة قوانين تراقب دقة تنفيذ اللعب المالي النظيف لا سيما و أن الحكومة المصرية توقفت تماما عن دعم الأندية المصرية ماليا و أجبرتها على الإعتماد على إيراداتها ؟ .و هل يمتلك الإتحاد الإفريقي نفسه الذي لجأ إليه المستشار تركي آل شيخ منظومة تنظم عمل الإستثمار الأجنبي في الكرة الإفريقية وعلى رأسها منظومة قوانين اللعب المالي النظيف الذي يطبقه الإتحاد الأوروبي لكرة القدم ؟ .

و تكتسب هذه التساؤلات أهمية بالغة بعد أن إشترى نادي بيراميدز لاعبين على أعلى مستوى من ثلاث قارات مختلفة بمئات الملايين من الجنيهات ....فهل كانت إيرادات بيراميدز تسمح له بشراء كل هذه الكوكبة من اللاعبين المتميزين وفقا لقواعد اللعب المالي النظيف ؟ . و ثانيا هل سدد نادي بيراميدز ضرائب للخزانة المصرية نظير إبرام كل هذه الصفقات ؟ و ما هي قيمة شراء لاعبين من طراز فريد من أمثال كينو البرازيلي، و عمر خربين السوري، و جون سيفونتي الإكوادوري، و عبد الله السعيد المصري، و عمرو مرعي المصري القادم من النجم الساحلي التونسي ، و حامد حمدان الفلسطيني نجم نادي غزة الرياضي؟ .و هل يمتلك إتحاد الكرة المصري قوانين في اللعب المالي النظيف تنظم عمليات إنتقال لاعبين أجانب و مصريين من الدوري السعودي للدوري المصري ، على أساس أن الحكومة السعودية هي مالكة بيراميدز مثلما هي مالكة الأندية السعودية ؟ . و هل تجبر قوانين الإتحاد المصري المستثمر الأجنبي ببناء أو تحديث إستاد كما أجبرت فرنسا ناصر الخليفي على تحديث إستاد بارك دي برينس أو حديقة الأمراء في باريس؟ .و هل تجبر القوانين المصرية المستثمر الأجنبي على إقامة مدرسة لتخريج المواهب كما فعل باريس سان جيرمان في نسخته القطرية في فرنسا و كان من ثمارها مولد الموهبة الكروية كليان مبابي نجم كأس العالم الأخيرة بروسيا؟ .

و بفرض أن نادي بيراميدز ، وضع على فانلاته ، راعي رسمي للنادي ، سواء كان هذا الراعي ، هو الخطوط الجوية السعودية ، أو جهاز الترفيه السعودي، بمقابل مادي كبير ، فهل يمتلك الإتحاد المصري لكرة القدم قواعد و قوانين تحدد السقف المالي لإبرام الصفقات إحتراما لقواعد اللعب المالي النظيف، خاصة و أن المستشار تركي آل الشيخ قادر على جلب رعاية سعودية لبيراميدز بعشرة مليارات جنيه لو أراد و ليس فقط ب 500 مليون جنيه مثل بريزنتيشن راعي النادي الأهلي . و تساؤل آخر لا يقل أهمية هل من مصلحة الكرة المصرية معاملة بعض الجنسيات العربية على أنها مصرية ،مثل الجنسية السورية، و الفلسطينية ، فيتحول نادي بيراميدز من نادي مصري ، إلى نادي عربي، إفريقي ، جنوب أمريكي، أكثر من كونه نادي مصري ؟ . و هل ينبغي منع إستقدام لاعبين محترفين في بعض المراكز مثل مركز رأس الحربة مثلا ، بعد أن كشفت إعارة ، كابونجو كاسونجو ، مهاجم الزمالك الكونغولي ، لفريق الوحدة السعودي ، أنه كان يحجب الفرصة عن عمر السعيد في خط هجوم الزمالك في وقت يعاني فيه منتخب مصر من عدم وجود رأس حربة على مستوى عالي بعد إعتزال عماد متعب و عمرو زكي أخر المتميزين في هذا المركز؟ . فقد أثبت عمر السعيد في مباريات الزمالك الأخيرة أنه أفضل بكثير من كابونجو كاسونجو على المستوى الفني و المهاري و التهديفي و لا يقل عنه أيضا على المستوى البدني .

و لا عيب من الإعتراف بأن الإتحاد المصري لكرة القدم ليس لديه أجوبة على كل هذه الأسئلة و أنه فتح باب الإستثمار الأجنبي في كرة القدم قبل أن يسلح نفسه بمنظومة قوانين تمكنه من الحفاظ على مصالح الأندية المصرية و مصالح المستثمر الأجنبي في آن واحد .

و نهاية ، ينبغي التذكير، بأنه على الرغم مما يمتلكه بيراميدز من إمكانيات مادية قادرة على تغيير الشكل التقليدي للكرة المصرية من كرة ثنائية الأبعاد، قائمة أساسا على الأهلي و الزمالك، إلى ثلاثية الأبعاد " زمالك ، أهلي ، بيراميدز " إلا أن بيراميدز يعاني من نقطة ضعف كبيرة ، و هي غياب الجماهيرية ، التي تعد أهم أسلحة الأهلي و الزمالك عبر العصور . فهل يستطيع بيراميدز من خلال إمكانياته المادية الهائلة تعويض غياب الجماهيرية... و هي من العوامل الرئيسية التي ساهمت في نجاح تجربة قطر مع نادي باريس سان جيرمان صاحب الجماهيرية الطاغية في العاصمة الفرنسية باريس ؟ أم أن غياب الجماهيرية سيكون نقطة ضعف تجعل من تجربة بيراميدز تجربة قصيرة الأجل كما يتوقع الكثيرون ؟ .