الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

روحها على كف عفريت.. كيف نجت مارغو فولك متذوقة طعام هتلر من الموت

صدى البلد

مائدة كبيرة وضع عليها ما لذ وطاب من الأطباق، مجهزة على أعلى مستوى، تشتهيك نفسك لتذوق تلك الأصناف التي أعدت خصيصا للملك وقادة البلاد، ومن بين الجموع، تجلس واحدة في أحد الأركان، ليست من الأعيان أو المسئولين، ولكن سمح لها تذوق الطعام، فتأخذ رشفة من ذلك الحساء، وملعقة من تلك السلطة، قد تشعر بالغبطة تجاهها، كيف لا وقد سمح لها تذوق كل تلك الأصناف دون دفع ثمنها، تتنقل من ذلك الطبق إلى آخر، وفي كل يوم على ذلك المنوال، ولكن الأشياء ليست كما تبدو، فتلك السيدة، كل قضمة طعام أو رشفة شراب، تعد بمثابة لحظة موت بالنسبة لها، في منزل الزعيم الألماني أدولف هتلر.


مارغو فولك، سيدة ألمانية بسيطة، قادها حظها التعيس إلى منزل هتلر، وقت الحرب العالمية، لتحصل على وظيفتها المشؤومة، مهنة أشبه بالانتحار، فتقدم على الموت كل يوم، في وظيفة سموها "اختبار الوفاة"، حيث تم اختيار الفتاة الألمانية لتكون واحدة ضمن 14 سيدة أخرى، وتم تعيينهن لتذوق طعام وأطباق هتلر قبل تقديمها له، للتأكد من سلامته وأن قوات الحلفاء لم تسممه.


تنتظر الموت كل يوم، حتى آنسته واستسلمت له، كان الطعام شهيا، لذيذا، ولكن لم تشعر به الفتاة الأسيرة من الخوف الذي انتابها، الذي قد يكون في هذا الطبق، حالة رعب عاشتها، حيث كان الطعام لا يقدم إلى هتلر إلا بعد أن تتذوقه الفتيات أولًا بخمس عشرة ساعة حتى يتم التأكد من عدم ظهور أي علامات تسمم.

ولدت عام 1917 في إحدى القرى البسيطة في ألمانيا، ورفضت الانضمام إلى عصبة البنات الألمانية، وأدين والدها لرفضه الانضمام إلى الحزب النازي، عملت كسكرتيرة وتزوجت في بداية الحرب، وقصف منزلها فاضطرت إلى العيش مع والدة زوجها، الذي ألحق بالحرب آنذاك، واختفى وانقطعت أخباره لمدة عامين حتى ظنت أنه توفي.


ذهبت مارغو إلى منزل حماتها ولم تكن تعلم مصيرها المحتوم الذي ينتظرها هناك، فعلي بعد أميال من المنزل الذي أقامت به، يقبع أول مقر عسكري للزعيم الألماني أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية، وقع الاختيار عليها من وحدات النخبة النازية، وألحقت بمقر إقامة هتلر، وأمضت فيه عامين ونصف العام لتذوق طعامه، حيث تعيش في خوف من أن أحد الأطباق اللذيذة قد يُسمم.

كان عمرها 25 عاما عندما كانت تخوض تجربة اختبار الطعام التي كانت تجرى قبل أن يأكل هتلر وجباته اليومية، وتقول فولك إنها كانت «تنفجر بالدموع وتبكي مثل الكلاب» هي وزملاؤها بعد أداء تجربة الطعام لأنهن لا يزلن على قيد الحياة.


وعقب عامين من الخوف والذعر، أنقذ أحد الملازمين حياتها، فأرسلها على متن قطار إلى برلين، لتهرب من العذاب الذي عاشته، وعلمت فيما بعد أن متذوقي الطعام الآخرين أطلق النار عليهم من قبل الجنود السوفييت، وتم القبض عليها في نهاية المطاف من قبل الجيش السوفياتي، وتم اغتصابها مرارا وتكرارا، وبعد رحلة شاقة وحياة لم تذق فيها سوى العتب والعناء، عوضها القدر عما عاشته، وجمعها بحبيبها مرة أخرى، الذي اكتشفته على قيد الحياة في حالة حرب وسجن، وأكملت حياتها معه عام 1946.

وعقب عشرات السنين، خرجت السيدة عن صمتها، لتقرر أن تسرد قصتها للعالم، وتروي تفاصيل حياتها مع الزعيم النازي هتلر، الذي كان نباتيا، فلم يأكل اللحم، وأحب الخضراوات، وتذوقت أطباقا غريبة مثل الهليون الأبيض في الصلصة المصنوعة من الزبدة الحقيقية وأطباق المعكرونة والفواكه الغريبة.


"لم أر هتلر مرة واحدة في حياتي، وكان عليّ المخاطرة بحياتي يوميا لأجله"، ضحت مارغو فولك بحياتها كل يوم، وأصبحت روحها على كف عفريت من أجل رجل لم تره في حياتها، "كان الطعام جيدًا.. جيدا جدًا، ولكن لم نستطع الاستمتاع به"، أخيرا استطاعت مارغو فولك تذوق الطعام من جديد، واسترجاع شهيتها التي هربت منها خوفا من الموت في كل مرة ترى فيها الطعام، توفي زوجها عام 1990 ورحلت في هدوء عام 2014 عن عمر ناهز 97 عاما، بعدما أخبرت العالم بقصتها.