الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الأقفهصي يكتب: الأزهر وبناء الشخصية المصرية

مصطفى الأقفصي
مصطفى الأقفصي

مما لا ريب فيه أن الأزهر الشريف هو حَرَمُ العلمِ وكعبتُه، ومنبرُ الفكرِ وقُبَّته، إليه تهفو قلوب الطالبين، وبه تسكن أفئدة الصالحين والعارفين.

قيَّضه الله تعالى لحفظ دينه وخدمة شرعه الشريف، بعيدًا عن قيود التشدُّد ومهاوي التزييف أوالتحريف؛ فساهم بمنهجه الوسطي ومعدنه المصطفوي في نشر العلوم في جميع الأرجاء، وبناء الأوطان وإقامة الحضارات على كافة الأنحاء.

ولا أريد أن أبسط الكلام هنا عن دور الأزهر الشريف وماله من الكنوز والأسرار؛ إذ الحديث فيه لاتحويه الدفاتر ولا توافيه الأخبار، وإنما أردت أن أكشف عن دُرَّة من الدرر، وجوهرة من الجواهر؛ كانت هي المقصد الأسمى والمعنى الأرقى من دور الأزهر الشريف في خدمة الوطن الأمين"مصر" وشعبه الأبيِّ الكريم،وهي:"أثر الأزهر في بناء وتكوين الشخصية المصرية، تلك الشخصية العميقة ذات الطابع الخاص، والمنهج الفريد في التعامل البشري، والتي تمتزج فيها صفات الكرم والشهامة والشجاعة، مع اللين وخفة الظل، وتتلاقح عندها درجات التحمل مع الذكاء وحسن التخلص في المواقف والأزمات".

وهو محورٌ مُهمٌّ من محاور كتاب "جمهرة أعلام الأزهر" لفضيلة الدكتور/ أسامة الأزهري، حفظه الله؛ حيث تكلَّم ضمن موضوعات الجمهرة عن دور الأزهر الشريف في بناء الشخصية المصرية وتثبيت دعائمها.

فأكَّدَ فضيلته على أنَّ بين الشخصية المصرية وبين النشاط العلمي للأزهر الشريف تضافرٌ عميق، حيث نُسجت مع مرور الزمن علاقات بينية متجذرة، وعروة وثقى لا تنفصم، بين هذين الأمرين.. وأنَّ الأزهر الشريف بمناهجه الدراسية أثَّر في صناعة عقلية الإنسان المصري، وصياغة شخصيته، وكَّون طريقة تفكيره، وتحليله للأحداث، ونظرته للدنيا، وتقييمه للأمور، فقد ظل الجامع الأزهر ولِعِدَّة قرون هو المرجع العلمي الوحيد الذي يُكَوِّن الحركة العلمية والثقافية في مصر، فظل يُمثِّل القيادة العلمية، والمرجعية الكبرى، التي تصنع فكر المصريين،والمركز العلمي الأشهر البرَّاق الذي تهوى إليه الأفئدة، وتتعلق به آمال ذوي الطموح، في فترة لم تكن فيها وسائل التواصل من مواصلات واتصالات قد تطورت على النحو المألوف في زماننا.

فتوفَّرت الدواعي الكثيرة والمتداخلة، على شدة اهتمام الناس بالعالم الأزهري، فكان الناس ينكبُّون عليه، فيأخذ بيد المتعثِّر والمحبط منهم، ويعلمهم المحافظة على الوطن وهويته، ويُجدد معاني الإنسانية بين الخلق، فيستطيع من خلال هذه القيم المركزية أن يصل بالإنسان في النهاية إلى القدرة على تحويل الأخلاق من مجرد كلمات إلى قيم، ثم إلى مؤسسات، ثم إلى حضارة.

فهذه صورة ناصعة ودقيقة من صور صناعة الأزهر الشريف لشخصية الإنسان المصري، استطاع فضيلة الدكتور أسامة -من خلال خبرته الطويلة،وغوصه في عقول الأساطين من علماء الأزهر، ومعايشته لهم-أن يلتقطها.

وإذا كانت الجمهرة مليئة بالموضوعات المُهِمة والمحاور النادرة التي قلَّما توجد في غير هذا السفر العظيم، إلَّا أنَّهذا المحور في نظري يظل هو أيقونة المحاور، وعِماد الموضوعات؛ بل لا أكون مُبالغًا إن قلتُ هو الثمرة الكبرىمن ثِمار هذا العمل الجليل، وأن ما حوته الجمهرة من موضوعات وتراجم ما هو إلَّا لإحياء المنهج الأزهري في نفوس المصريين، وإعادة بناء الشخصية المصرية، وإبراز دور الأزهر في حل كثير من مشكلات المجتمع المصري على مرِّ تاريخه، وذلك من خلال عرض الجمهرةللأزمات المتشابكة في الحالات المُشابهة؛ فكان الأزهر فيها دائمًا هو القائد والموجِّه والعابر بالبلاد والعباد إلى برِّ الأمان، ولذلك استحقَّ هذا الموضوع أ ن يكون دُرَّة الدُّرر، أو بالمعنى الذي راقنيإطلاقه، وهو: "جوهرة الجمهرة".

وهذا أكثر ما دفعني للحديث عن هذا المحور المُهِّم، ولأن أُعَوِّل عليه في كل ما أكتب أو أتحدث به عن هذا السرح الشامخ والطَّودالراسخ؛ الأزهر الشريف.

فعلاقة الإنسان المصري بالأزهر علاقةٌ متشابكة عجيبة،مبنية على العطاء والعرفانالمتبادل، فكان الأزهر هو الابن البار لِمصر، طُبع على أرفع صفات البرِّ والوفاء، ورضي الله على من قال:

أُمُّ الدُّنا أُمي، ونور بصيرتي ... وترابها في الروح مِسكة عنبري

حسبي سمَاها أن تضُمَّ مآذني ... وبأنها في الكون "مصرُ الأزهرِ"