حكاية مقهى.. الفيشاوي اشتهر بنكهة الشاي الأسود المميزة.. مات مالكه حزنا عليه.. ونجيب محفوظ أشهر رواده.. صور

في حي الحسين، يوجد مقهى "الفيشاوي" الشهير، الذي يتجاوز عمره الآن أكثر من 100 عام، وكان يتكون من واجهة أنيقة، ودهليز طويل حول مقاصير صغيرة صفت فيها موائد رخامية، ودكك خشبية، لاستقبال الزبائن.
وفي شهر رمضان، يكثر رواد المقهى من الفنانين والكتاب والمواطنين العاديين، وفي الأيام العادية، كان للمقهى سحره الخاص، فعندما تدخله يخيم عليك هدوء يمت إلى الأزمان البعيدة الجميلة، حيث كان يجلس أمامه الحاج فهمي الفيشاوي يدخن باستمرار «النرجيلة» التي لا تنتهي أبدا، وعلى بعد خطوات منه، يوجد حصانه العربي الأصيل، وفوقه أقفاص الحمام الذي كان مغرما بتربيته.
وبعد عام 1967، صدر قرار بهدم المقهى، ولم يستطع الحاج فهمي أن يواصل الحياة حتى يرى نهاية مقهاه، فمات قبل أن ينفذ الهدم بأيام قليلة، ولحقه على الفور، الحمام الذي كان يربيه.
ويقبع المقهى في أحد الأزقة الضيقة المتاخمة لمسجد الإمام الحسين بمنطقة الأزهر، في قلب القاهرة الفاطمية، بمنطقة خان الخليلي، ويرتاده مزيج من المصريين والسياح العرب والأجانب من كل الجنسيات الذين يبهرهم جو المقهى الشرقي الخالص، بموائده الخشبية المشغولة، ومقاعده الأشبه بالأرائك العربية الوثيرة، والمرايا المعلقة على جوانبه ذات الأطر الخشبية المشغولة بالصدف.
ورغم أن «خان الخليلي» أصبح مليئا بعدد لا حصر له من المقاهي، ذات المستويات المختلفة، وبعضها يطل على مسجد الإمام الحسين، والبعض الآخر يطل على شوارع رئيسية، إلا أن لا أحد منها استطاع أن ينافس «الفيشاوي» في شهرته، حتى أنك تجد بعض المقاهي الأخرى خاوية على عروشها، وعمالها يدعون الزبائن للجلوس بشتى الطرق، فيما قد لا تجد كرسيا خاليا في «الفيشاوي» وقد تضطر للانتظار لبعض الوقت حتى تخلو أي مائدة.
يشتهر المقهى بالشاي الذي يقدمه، سواء الأسود منه أو الأخضر، حيث يقدم في إبريق معدني صغير، تفوح منه رائحة النعناع، على مائدة معدنية صغيرة، كما تقدم فيه النارجيلة (الشيشة) بنكهات مختلفة، وهو أكثر شيء يقبل عليه مرتادو «الفيشاوي» خاصة من الأجانب.
وكان من أشهر رواد هذا المقهى الأديب العالمي نجيب محفوظ، الذي كان يذهب للاستمتاع بجوه الهادئ المعبق بالتاريخ يوميا أثناء عمله بمكتبة الغوري القريبة عندما كان يعمل في وزارة الأوقاف.
ومن الشخصيات التي ارتبطت بالمقهى أيضا، عم إبراهيم، كان رجلا قصيرا، ضريرا يتاجر في الكتب، وكان سريع النكتة، في ليالي الثلاثينيات يجلس إلى عدد كبير من الرواد، ويبادلهم هذا الشكل الفكاهي من الحوار، والمعروف في مصر باسم «القافية» وكان يرد عليهم كلهم ويهزمهم.
ويتكون المقهى الكبير من ثلاث حجرات، أولى غرف المقهى غرفة «الباسفور» وهي مبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس، وهي مليئة بالتحف والكنب العربي المكسو بالجلد الطوبي، وأدواتها من الفضة والكريستال والصيني، وكانت مخصصة للملك فاروق، آخر ملوك أسرة محمد علي، في رمضان، وكبار ضيوف مصر من العرب والأجانب.
وثاني الغرف أطلق عليها «التحفة» وهي اسم على مسمى، ومزينة بالصدف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك والكنب المكسو بالجلد الأخضر وهي خاصة بالفنانين.
أما أغرب الحجرات فهي حجرة «القافية»، وكانت الأحياء الشعبية في النصف الأول من القرن العشرين تتبارى كل خميس من شهر رمضان في القافية، عن طريق شخص يمثلها من سماته خفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان والسخرية، فكان يبدأ ثم يرد عليه زعيم آخر يمثل حيا آخر، ويستمران في المنازلة الكلامية حتى يسكت أحدهما الآخر.