الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.نسمة إمام تكتب: هكذا يعزز الإعلام العنف لدى الطفل

صدى البلد

هل جُبِل الإنسان على العنف والقسوة؟ هل يُخلق الإنسان عنصريًا قاسيًا شرسًا؟؟ بالطبع لا يمكن القول أن الإنسان يُخلق بتلك الصفات غير المحمودة، وإنما يكتسبها ويتعلمها منذ الصغر، وطيلة حياته وفقًا لعادات وتقاليد المجتمع الذي يترعرع بين أفراده، بأفكارهم وطبائعهم، فإذا نشأ الطفل بين مجموعة من الناس يعطفون على الفقراء، ويرحمون الضعفاء، ستجده يسلك نفس سلوكهم والعكس صحيح، خاصة أنها ستبدو أفعالًا متفق عليها من أفراد مجتمعه.
ولكن هل المجتمع الذي ينشأ فيه الطفل، كافيًا لاكتساب تلك الصفات فقط، وليس غيرها؟ في هذا الأمر يمكننا الحديث بشأن مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وهي المؤسسات التي يتعامل الطفل معها خلال مراحل نموه وإدراكه، مثل المدرسة والأقران والجيران ، وأخطرها على الإطلاق وسائل الإعلام.
مَن ينظر إلى وسائل الإعلام حاليًا، وما يُعرض بها من محتويات يحمل أغلبها العنف، وتقدمها للطفل المُشاهد مغلفة بشكل البطولة، وكأن العنف هو السبيل الوحيد لحل أية مشكلة، سيدرك حتمًا حجم المأساة التي يعانيها المجتمع ككل من تلك الظاهرة المخيفة، خاصة وأنها قد أتت ثمارها بالفعل، وتجسدت مؤخرًا بشكل عنيف في سلوك الأطفال والمراهقين والشباب صغير السن.
تارة نقرأ خبرًا عن اغتصاب مجموعة من المراهقين لكلبة ضالة!! وتارة أخرى يُشعل مراهقًا النار في جسد قطة لا يتعد عمرها ثلاثة أشهر، وأخيرًا مجموعة من الشباب صغير السن يحرقون ذيل كلب ضال بالنار، ثم يرمون له طفلًا لا حول له ولا قوة، ليعقره الكلب دفاعًا عن نفسه، ظنًا منه أنه سيؤذيه مثلما فعلوا، فكلهم بشر.
ألا تجد أن كل تلك السلوكيات المخيفة، تمثّل خللًا بطبيعة هؤلاء المراهقين والأطفال؟ من علّمهم أن العنف بطولة؟ من علّمهم أن القسوة هي السبيل الوحيد لإثبات الرجولة أو النضج؟
بالنظر إلى ما يُقدّم عبر شاشات القنوات الفضائية، ستجد أن بعض الفنانين قد امتهن العنف حرفة، ظنًا منه أنه يقدم سمات البطل القائد دراميًا، ومن المؤسف أن ما يقدّمه، هو معول هدم واضح وصريح لأسس الدين والتربية والأخلاق، والإنسانية قبل كل شيء، فكل الديانات السماوية وحتى غير السماوية منها، أشارت إلى الرحمة والعفو والتغافل باعتبارها أسسًا للحياة، ويشاهد الطفل والمراهق عبر شاشة التليفزيون ومنصات عروض الفيديو بالإنترنت، من يدّعون أن الفن رسالة، وهم ينتهجون العنف والقسوة والقتل والدماء أسلوبًا لحياتهم، فيظن بإدراكه المحدود وخبرته الضعيفة، أنه لن يكون بطلًا سوى باستخدام العنف والقسوة ضد الآخرين، سواء ضد البشر أو الحيوانات على حد سواء.
فيعتاد الطفل على مشاهدة مظاهر العنف دون النظر إلى مدى بشاعتها، أو رفضها وإنما يبدأ في محاكاتها وتقليدها دون وعي باعتبارها أحد مظاهر القوة، فتتبدل ثقافته وهُويته المتمثلة في قيم الرحمة والتعاون والتسامح، إلى سلوكيات سلبية معادية وتدعُ للعنف والسلوكيات السيئة.
في النهاية، نهمس للآباء والأمهات، بألا يدعوا أطفالهم فريسة لمثل تلك الأفكار المضللة، التي تنتزعهم من إنسانيتهم أولًا، وأن يشاركوهم كل ما يتعرضون له عبر وسائل الإعلام، مع منح الفرصة للارتقاء بثقافة الحوار وتبادل الحديث والنقاش مع أطفالهم، فلايتردد الطفل بالسؤال عندما يشاهد أمرًا مخالفًا لما تربى عليه.
وعلى كل مسؤول بيده قرار منع مثل هذه الأفعال من العرض أمام المشاهدين الصغار، أن يبذل الجهد لمنعها، وأن يعيد من يدّعون امتلاكهم موهبة الفن النظر مرة أخرى، فيما يقدمونه للمشاهدين.