الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أردوغان وانتخابات إسطنبول وأوجلان


إنها من طبائع الدكتاتوريين في أنهم لا يتعظون من بعضهم ولا من التاريخ ولا حتى مما يدور من حولهم وكأنه لا علاقة لهم به البتة.

والنتيجة التي نراها دائمًا هي أنهم ينظرون إلى خاتمة من أمثالهم على أنها من عمل وفعل القوى الخارجية ولا يتفكرون في أسباب ما وصلوا إليها من عواقب وخيمة عليهم وعلى مجتمعاتهم.

فمن لم يتعظ من فرعون وموسى وكذلك من نمرود وإبراهيم الخليل وجبروت روما التي صلبت سيدنا المسيح، وجميع الجبابرة الذين طغوا في الأرض حتى ما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من حكام مستبدين لا فرق بينهم وبين من سبقهم عبر التاريخ. تعددت الأسماء ولكن بقية وتبقى النتيجة واحدة، وهي أن الظلم لا يدوم وأن الشعوب ستنتصر في يوم ما.

الثورات الشعبية التي تضرب نيرانها المستبدين في الأرض وتهز عروشهم لم يتعظ منها الحكام والدكتاتوريين وكأن التاريخ مصرٌ على قول كلمته في أنَّ مصيرهم سيكون إلى زوال مهما فعلوا وخدعوا واستبدوا الشعوب، بدءًا من زين العابدين وبعده مبارك ومن بعده صالح اليمن وكذلك صدام والآن الأسد الابن، وحتى أن لا تشيَع إيران ولا تسلطن الخلافة لأردوغان سيشفعون لهم ويحموهم من جحيم غضب الشعوب وانقراضهم في مزابل التاريخ. مهما فعل المستبدين تبقى عقيدتهم المراوغة والخداع حتى حين. وبذلك يظنون أنهم يطيلون من أعمارهم وسلطتهم ولعل الزمان يرحمهم من السقوط المريع الذي ينتظرهم.

بعد أكثر من عقدين من الزمن وبالرغم من كل الأساليب الخداعية وطرق العنف والقتل والتهجير التي استخدمها أردوغان خلال تسلطه على المجتمع، إلا أن نهايته باتت وشيكة وفق ما يوشوش في آذاننا التاريخ وكأنه يقول: "قد حان وعد زواله".

أردوغان الذي صعد إلى السلطة مستغِلًا الدين ووالذي لبس جلباب الاخوان المسلمين في محاولة منه تسييس الدين وتجييره في خدمة فاشيته القوموية للوصول إلى عثمنة تركيا بعد قرنٍ من زوال خلافة السلطنة العثمانية التي كانت كالسرطان في جسد المنطقة.

بعد الفشل الذريع الذي مُني به أردوغان في آخر انتخابات بلدية في شهر مارس الماضي من هذا العام، وخاصة خروج أهم المدن كأنقرة وازمير واسطنبول من سلطته بالإضافة لبعض المدن الهامة الأخرى، وما لقيه في المدن الكردية أيضًا، كانت الصفعة التي أكلها أردوغان بعد الانتصارات الوهمية التي ظنها أردوغان بأنها ستدوم له ولحليفه باخجلي في الحركة القوموية الفاشية. إلا أن الشعوب الديمقراطية التي لا تقبل بالخنوع والاستسلام وكذلك المجتمعات الحرة قالت كلمتها في نهاية تلك الانتخابات وقالت له "كفى"، للظلم والتهجير وعبارات التخوين والترهيب التي امتهنها أردوغان في جميع حملاته الانتخابية.

اسطنبول التي فقدها أردوغان والتي كانت العتبة التي دخل منها لعرش تركيا ربما تكون هي نفسها العتبة التي سيخرج منها نحو مزابل التاريخ ومن معه. وبالرغم من أنها العاصمة المالية والاقتصادية لتركيا عامة كما يصفها الكثير من المحللين والماديين، إلا أنَّ هذه المدينة هي أكبر من ذلك بكثير بالنسبة لأردوغان، حيث ينظر على أنها قسطنطينة ذاتها التي فتحها السلطان محمد الثاني.

إذ، يعتبر أردوغان نفسه وقالها في الكثير من المناسبات في أنه يمثل شخصية السلطان محمد الثاني. ويقارن أردوغان ولوجه في السلطة عبر انتصاره في اسطنبول في تسعينيات القرن الماضي بنفس دخول السلطان محمد الفاتح لنفس المدينة والتي كانت بوابة احتلاله لأروروبا. بهذه العقلية ينظر أردوغان لمدينة اسطنبول على أنها مدينة مقدسة عنده وينظر إليها منظورًا دينيًا أكثر مما هو مادي. ويعتبر بداية انتصاره في اسطنبول وكأنه حرر هذه المدينة من الكفرة العلمانيين الجمهوريين من أتباع أبو لهب أتاتورك.

لذلك حينما يصرَ أردوغان على إعادة الانتخابات في هذه المدينة بالذات على غيرها من المدن هي أنها تعتبر مفتاح وجوده أو نهايته كعقلية تعيش وهم استعادة المجد العثمانوي من جديد. سيقبل أردوغان فشله في أية مدينة كانت إلا اسطنبول لن يقبل الهزيمة فيها مهما كان الثمن.

أُجلت الانتخابات إلى الثالث والعشرون من يونيو المقبل وسيعمل أردوغان بكل ما يمتلك من أدوات السلطة من ترهيب وترغيب وخداع وتسويف ومماطلة وكل ما يمثل جوهر الاخوان المسلمين للوصول إلى السلطة وبعد ذلك سينزع عن نفسه رداء الدين ثانية ويستمر في نفاقه واستبداده ويسير على خُطى الفراعنة ونماردة الماضي، ولكن ستبقى النتيجة هي هي لن تتغير في سقوطه المدوي وربما يكون عبرة للاحقين.

توسل أردوغان للكرد ثانية وخاصة أوجلان لم يكن مفاجئًا هذه المرة أيضًا. إذ، يدرك الكرد جيدًا أزدواجية أردوغان وخداعه الدائم من أجل السلطة، وأن قرارهم الأخير لن يغير من سياسة الكرد أبدًا في أنهم ينظرون له على أنه لا يختلف عن أي ديكتاتور آخر وعليه فقط الرحيل قبل أن يتم خلعه كما زملائه في الحكم في الدول الأخرى.

يبقى أوجلان من يمتلك مفتاح الاستقرار في تركيا أو العكس وهذا ما يدركه الجميع بدون استثناء. أوجلان المعتقل منذ حوالي العشرين عامًا لن ينطلي عليه مراوغة أردوغان ولا خداع الاسلام السياسي، لأن من يبحث عن الاستقرار عليه أن يضحي بالكثير من أجل إحيائه وبعثه وخاصة لما تشهده المنطقة من فوضى مدمرة للبشر والحجر.

وتبقى الكلمة الأخير لأوجلان في حجرته الانفرادية التي حولها لمركز الاستقرار والسلام في عموم المنطقة وليس لقوى الاستغلال العالمي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط