الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

آه يانا من الحنين‎


لو كان الحنين رجلًا لقَتَلتُه !! ولأن العُنف لم يَكُن يومًا من طِباعي فسأطلق عليه دموعي فهي كفيلة بفتك عنفوانِه، وتنهيداتي قادرة علي إشعالِ نارِ كبريائِه.

آه مِن الحنين ، فهو كالجنين ينمو في أحشائك ،يُغَيِّر من كيمياء أعضائك وسرعان ما يتحِد مع أقْدارِك.

لا أدري كيف بدأت الحكاية!! أهو الافتقاد الكامِن مُنذ البداية! أم بكلمات زميلي العزيز ، المعروف بأن كل ما يكتُبه لذيذ ! ولٰكن علي غير العادة ، جاء منشوره يعصِف بما نحاول أن نرتديه من أقنعة السعادة!

الحنين ما جعل كلماته تنطِق بالأنين! وهذا ليس بافتراضي، أنه اعترافه ! حالة نوستالجيا تعتريه هو وأبناء نفس الجيل، سطوره المتلاحقة أيقظت ندوبًا في الذاكرة، نتناساها لنعيش، فتتذكرنا لتحيا!

نحن الجيل الذي اشتدت عليه الرّحا، بين حجرَّي زمانين مختلفين متباعدين كبُعدِ السماوات والأرض!

تربينا علي تقاليدِ الآباء وارتضينا بتقاليعِ الأبناء! نفتَقِدُ الماضي بأدقِ تفاصيله ونعيشُ اليوم بكل تدابيرِه ، ونخشي غدًا فكلنا علي عِلْم بمحاذيرِه!

الصِغار كبروا والشباب هرموا ، والعجائز رحلوا، وضيوفًا جديدة علي حياتنا حلّوا، فنسينا فرحة حالو يا حالو!

لا أُصدِق أن المُسكنات أصبحت صديقة لنا، والمنبهات مُلازمة كظلنا، والمهدئات عرفت طريق أحلامنا!

لمُ نختبر من الغُربة إلا المروحة الخليجية، والحلوي الأوروبية، والملابس الأمريكية، فكان للمُسافر فرحتان! فرحة جرس التليفون الطويلة التي تنبئنا بالأخبار السعيدة ، وفرحة الهدية التي ترقُد بسلام في حقيبة السفر الجلدية! ولكن ها نحن نتجرّع الغياب الذي لم تُخفّف قُبحُه رسائل الواتس آب!

تشتد نوبات الحنين كلما مرّت السنين! تصل لذروتِها في شهر رمضان الكريم عندما تُسلسل الشياطين، و تنطِلق ملائكة المُفتَقَدِين، ذلك الكرسي الخالي الذي يُذكرك بالأيام الخوالي!

ولن أسْلُك دروب الظُّلم وأُلقي باللوم علي بوجي وطمطم وفطوطة، ولا فلفل فلفولة فلافيلو صاحب الزلومة الـ١٢ كيلو! ولن أُشير بأصابِع الاتهام إلي نيللي وشريهان! حتي الهجان والشوان والمُعلم رشدان لنْ أضعهُم بالحسبان ! ومن ليالي الحلمية لزيزينيا وبعد إلقاء التحية علي هوانم جاردن سيتي ، تاريخ حافل بالوسية والمسلسلات الوسطية كالعائلة التي تناولت مشاكل المال والْبَنُون منقوشة علي أرابيسك وبوابة الحلواني يشهد عليها نصف ربيع الآخر بأن ذلك الحنين له سبب آخر!

رَحَلَ جدو عبده وعمو فؤاد ومهندسة الفوازير المصرية سيدة الراديو صفية، أما الضمير فرحل حُزنًا علي صاحبته أبلة حكمت ، ومعها عُمر بن عبد العزيز الشهير بعبد الغفور البُرعي!

حتى الإعلانات شريك أساسي في معركة الذكريات ، فمن ينسي أُم طاقية حمراء وَعَبَد الرحيم عمرو الذي احتكَم عنده الأمر!

وفاطمة التي أمضت عمرها بتجيب أومو، و بيو كلينا الذي يغسِل كموج البحر !

حدثني ولا حَرج عن الشيكولاتة ! أقولك أن الشيكولاتة علي العريس ولما تبقي كوڤرتينا يبقي حتتجوز وتهيص ! أما جيرسي فبستك نّاوو ستظل واكلة الجو لأن الحشو جوة بجوز الهند !

وإذا لم تصدقني فاسأل جهينة فعندها الخبر اليقين! ستُخبرك أن كريستال مصفي سبع مرات و أن سلايت أنقي من أن يُصفي ! وسلِّم لي علي حسن عابدين الذي حفظ سر شويبس في مكان أمين ، سينصحك عزيزتي بأنه ياختي هاتي كحك وغريبة بيسكو مصر بلا خوتة وعجن ورصّ صاجات ونتيجة حسب الحَظ ! وسيوصيكي باللبان الهآرتي إنتي ومامتي وخالتي! وأما في السحور إذا مللت من الجبن المطبوخ الذي لم نعرف منه إلا البقرة الضحوك، فهات البيفي والعيش البلدي ووعدي يا وعدي !

تاريخٌ طويل ، عالَمٌ حالِم له طعم جميل، بالرغم من أنه خالي من قطايف النوتيلا و الكنافة بالمانجا، المكسرات وحدها كانت تعزِف كالكامنجا علي أصناف الحلو المُتربعة علي سفرة الأحبة.

أمضيت أعواما طويلة أبحث عن الإجابة لماذا تزداد وطأة الحنين ؟ أليس مِن الأولي أن نعيش يومنا مستسلمين، لنصنَع بأيدينا ذكريات للآخرين دون أن تستهلِك طاقتنا خيالات مرّت من سنين !!

ولكن الإجابة واضحة ، وضوح الذِكري! زمن الذكريات كان زمنًا بلا ذكريات ! فحياتنا بسيطة و قلوبنا سعيدة وأحلامنا قريبة وأمنياتنا محققة وآلامنا مؤجلة، لم نَكُن تذوقنا طعم الفقد ومرارة الرفض ووجع الصَدْ!

كُنا أبناءً للحياة و أصبحنًا عبيدًا للعيشة، لذا فما نشعُر به هو الأعراض الطبيعية لما استودعناه في تلك الأعوام من الحرية والنفس السوية وأشخاصًا كانوا لنا سندًا وحضنًا و حِصنًا أبيًا!

ولكنها سنة الدنيا وفِطرة الحياة ، وفلسفة الوجود والرضا بالموجود، فالأمس صَنَعَنا واليوم يعيد تصنيعنا ، من أجل غدٍ نصنَعُه!

فيا صديقي ربما نحن محظوظون بالذكريات التي تُحاصرنا وأشباح السعادة التي من الماضي تُطاردُنا، فذلك يعني أننا استمتعنا بالعزوة واستمددنا منها الْعِزَّة ، اقتنصنا من الحياة لحظات ثمينة رقصنا علي قرعِ طبولِها وغنينا عاليًا نشيد فرحِنا ، شببنا عن طوَّق الحياة ونحنُ ممتلئون بحلاوة طعمها حتي وإن كان ذلك طُعمها حتي تقتادنا لشباكِها!

لا يُهم فإذا قفلت علينا مائة باب سنفتح في قلوبنا ألف ومائة شِباك ، سنطُل علي حدائق الماضي وبساتين الذكريات التي ستطرح الآلاف من الوردات كل منها مُعطر بالحنين إلي ما هو في ذلك القلب دفين!

إذًا فأنت يا أيها الحنين ما تمنحنا القُدرة لنظل في طريقِنا ماضين، فعذرًا أغفر لي غضبي عليك ، فكما قالت وردة عنك " آه يانا من الحنين" ! لذا لو كنت رجلًا لعشقتَك!!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط