EN 
الأنف جزء صغير من الوجه يعمل ليل نهار لاستمرار حياتنا وحفظ صحتنا، لكنه لا يعطي حق قدره، فاهتمام الناس منصب دائماعلى شكله وجماله، ولا يتحدث أحد عن وظائفه العديدة ومعجزاته الفريدة.
نمو الأنف في الجنين معجزة في حد ذاته، فعند نهاية الأسبوع السادس، أي في الليلة 42 (ليلية زيارة الملك وتصوير الوجه وتحديد الجنس ونفخ الروح، كما ورد في حديث نبوي من صحيح مسلم)، يكون الأنف والفم تجويفا واحدا، وفي اليوم التالي لزيارة الملك، أي بداية الأسبوع السابع، يبدأ تقسيم هذا التجويف بحاجز أفقي هو سقف الفم، وحاجز آخر رأسي يسمى الصفيحة، تقسم الأنف نفسه إلى نصفين أيمن وأيسر.
ومن عجائب الأنف أيضا أن الله وهب الرضيع قدرة الجمع بين التنفس من الأنف والرضاعة والبلع في نفس الوقت، وهي قدرة لا تتوفر عند الشخص البالغ الذي لا يمكنه التنفس أثناء البلع!
يرى الأصمعي أن الأنف يمثل أحد أضلاع مثلث الجمال في الوجه بقوله "الحسن في العينين والجمال في الأنف والملاحة في الفم"، وتشير آخر الاحصاءات الطبية إلى أن الأنف يحتل المركز الثاني بعد الثدي من حيث عدد عمليات التجميل.
لكن أطباء العصر الحديث لهم رأي آخر وهو أن الأنف يمثل أحد رؤوس "مثلث الخطر" مع العينين، بسبب قربهم الشديد من المخ واتصال أوردتهم بأوردته، وكم من وفيات حدثت بعد عمليات جراحية في الأنف بسبب تسلل البكتيريا وتجلط تلك الأوردة.
للأنف وظيفتان رئيسيتان هما التنفس والشم، والوضع الطبيعي أن يتنفس الإنسان من الأنف، ويضطر للتنفس من الفم في حالتين: عند بذل جهد أو عند انسداد الأنف، لكن التنفس من الفم يجب ألا يطول لما قد يسببه من جفاف والتهاب لبطانته الغير مؤهلة أصلا للترطيب ومعادلة الحرارة وحجز الشوائب كبطانة الأنف.
الأنف يبدو صغيرا من الخارج لكن بطانته الداخلية غنية بالتعاريج والجواجز وعدد كبير من الفراغات الهوائية الجانبية تسمى الجيوب، ما يرغم الهواء على السير في دوامة، ويتيح له التماس مع مساحة سطح أكبر ووقت أطول لتنقية الهواء وضبط حرارته وتزويده بكمية كافية من بخار الماء.
وعليه، يعتبر الأنف أفضل جهاز لتكييف الهواء وتنقيته على وجه الأرض ولديه الأدوات لفعل ذلك، يحجز الأتربة والأجسام الغريبة بشعر عند مداخله، وملايين الخلايا ذات الأهداب وأخرى مخاطية متوفرة على بطانته.
شبكة الأوعية الدموية في بطانة الأنف من أزحم الشبكات في جسم الإنسان، تمد المخاط بالخلايا الدفاعية والإنزيمات المناسبة لقتل البكتيريا والفيروسات، وتوفر تدفئة للهواء وتقرب حرارته من حرارة الرئة، وهي السبب في غزارة النزف إذا حدث، وعند تنفس هواء بارد يحدث "جريان" للأنف في محاولة لسباق الزمن وتعويض الفرق الكبير في درجة الحرارة بكثرة الإفراز.
يفرز الأنف يوميا حوالي لتر من المخاط، وبعد قيامه بجمع الأتربة والشوائب، يتم التخلص منه إما إراديا بطرده إلى الخارج، أو لا إراديا عن طريق البلع، والمعدة تقوم بهضمه، وعند العطس يطرد المخاط وما يحتويه بسرعة 60 كم\ساعة.
المناطق المخصصة للشم صغيرة ومحصورة في سقف الأنف الضيق، وفي عنفوان الصحة والشباب يستطيع الإنسان شم عشرة آلاف رائحة مختلفة من خلال عشرة ملايين مستقبلة عصبيىة حساسة.. وثبت أن حاسة الشم عند النساء أقوى من الرجال، وتشتد قوتها أكثر عند بداية الحمل، ما يجعلها تتوهم روائح غير موجودة، وهذه الظاهرة تعرف شعبيا بالوحم.
وثبت أن حاسة الشم من أكثر الحواس اتصالا بالذاكرة، وهذا سبب ارتباط بعض الروائح ببعض الذكريات التي يمكن استرجاعها بشم رائحة ولو بعد نصف قرن!
ولوحظ أن حاسة الشم عند الإنسان أضعف من مثيلتها عند بعض الحيوانات كالكلاب، ولا يستطيع الإنسان شم بعض المواد الخطرة كغاز الطهي، لذا تحتم خلطه بمادة أخرى يسهل شمها تسمى الميركبتان.
ولا يكتمل الحديث عن الأنف دون التطرق إلى ظروف انسداده ونزف الدم منه.. انسداد الأنف مزعج جدا وربما يحرم صاحبه النوم، وقد يحدث في ناحية أو في الناحيتين ويضطر صاحبه للتنفس من الفم كما ذكرنا، وينتج عن نزلات البرد والحساسية والتهاب الجيوب الأنفية ما يترتب عليه حبس المخاط والصداع، وكثيرا ما تمتد مشاكل الأنف إلى الأذن الوسطى لوجود قناة موصلة بينهما على كل جانب.
نزف الأنف أمر شائع نظرا لبروز الأنف من الوجه وتعرضه للصدمات والكسر، أو بسبب التلاعب بالأصابع في أغشيته الضعيفة والغنية بالأوعية الدموية، ويحدث أيضا عند ارتفاع ضغط الدم، وأحيانا يحدث النزف تلقائيا من تغيرات الجو وجفاف بطانة الأنف وتشققها.
هناك طرق متعددة لوقف نزيف الأنف، إحداها ضغط الأنف بين إصبعين والتنفس من الفم لبضعة دقائق، لكن عند تكراره ينصح بمراجعة الطبيب لأن لديه طرقا أخرى كالحشو والكي وعلاج السبب.
