العُري المعنوي

فى رأيى أن تغيير أقوال عامل المحارة حمادة صابر (48 سنة) ضحية الاتحادية، أخطر من تجريده من ملابسه وسحله، فهى فعل معنوى يجرده ليس من ملابسه وإنما من هويته ومن احترامه لذاته، وهى لذلك أكثر مهانة من عملية السحل التى تعرض لها أمام الكاميرات المحلية والدولية.
لقد مارست الشرطة أسلوبها القديم فى تحويل المجنى عليه إلى متهم، والذى درجت عليه طوال السنوات الماضية، فإذا دخل مواطن إلى قسم شرطة وتعرّض للضرب أو التعذيب ثم حاول الشكوى بعمل محضر ضد من عذبوه تحوّل على الفور إلى متهم، وثبت فى المحضر أنه وجدت معه قطعة حشيش أو مطواة قرن غزال، بل إنه هو الذى اعتدى على الضباط داخل القسم.
بهذا المنطق نفسه، وجدنا المواطن الذى شاهدنا تفاصيل ما تعرض له من تعرية وسحل بواسطة قوات الأمن المركزى، وشاهدها معنا العالم أجمع، وقد اختفى لفترة، وشكت عائلته من أنها لا تعرف مكانه، ثم ظهر علينا فجأة ليكذِّب أعيننا وأعين العالم ويقول إن من اعتدى عليه كان المتظاهرين أنفسهم، أما قوات الأمن المركزى فهى التى حمته ودافعت عنه(!!!)
فى الوقت نفسه، وجدنا زوجة المجنى عليه، التى وصفت لأجهزة الإعلام تفاصيل ما كان مصوراً بالفعل بالكاميرا، تعود فتتصل بأحد البرامج التليفزيونية لتغير أقوالها، ثم يتضح بعد ذلك ـ حسبما أعلنت مقدمة البرنامج منى الشاذلى ـ أن الاتصال تم من التليفون المحمول لأحد الضباط.
أما وزارة الداخلية، فقد وجدناها تعترف فى البداية بالواقعة موضحة أنها تصرف فردى، ثم تعلن بعد ذلك أن الوزير اتصل بالمجنى عليه وأنه وعده بوظيفة.
ما هذه المهانة وما هذه الاستهانة؟ إن تجريد المواطن حتى من شكواه لهو أكثر قسوة من تجريده من ملابسه، وجعله يتراجع عن موقفه الأول الذى وضعه فى جانب المتظاهرين ضد الاستبداد لهو أكثر إيلاماً من سحله على الأسفلت، وكأنه لم يعد مسموحاً للمواطن فى ظل الحكم الحالى أن تكون له مواقفه المعارضة التى على أجهزة الأمن أن تحميها كما تحمى أصحاب المواقف المؤيدة.
إن إرغام المواطن على تغيير أقواله بهذا الشكل لهو أكبر دليل على غياب المبادئ التى قامت من أجلها الثورة، التى من بينها الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وهو إثبات جديد بأن شيئاً لم يتغير، وأن النظام الجديد يتبع نفس سياسات النظام القديم وأساليبه الملتوية بغرض إهانة المواطنين وسحل إرادتهم وتجريدهم من أى مواقف قد يتخذونها.
نقلا عن المصرى اليوم