قوافل الأزهر والأوقاف: الدين والوطنية يتطلبان منا الجهد والعمل والإنتاج

انطلقت اليوم الجمعة ثالث القوافل الدعوية المشتركة بين علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، إلى مدينة الزمالك بالقاهرة والمهندسين بمحافظة الجيزة لأداء خطبة الجمعة بعنوان «روح العمل الجماعي وضوابطه».
وتأتي هذه القوافل الدعوية في إطار التعاون المشترك والمثمر بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة، ونشر الفكر الوسطي المستنير، وبيان يسر وسماحة الإسلام، ونشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، وترسيخ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعا .
فمن على منبر مسجد «الكواكبي» بالمهندسين أكد الدكتور عبد الله النجار عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الأمم لا تُبنى بالكلام ولا بالشعارات، إنما تبنى بالعلم والعطاء والتضحية، ومن أهم سبل بناء الأمم وتقدمها العمل الجاد المتقن، حيث يقول الحق سبحانه: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»، ويقول نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» فالدين والوطنية معًا يتطلبان منا الجهد والعرق والعمل والإنتاج، ولا سيما أن ديننا هو دين العمل والإتقان.
ومن على منبر مسجد «المغفرة» بسفنكس، قال الدكتور محمد عبد الحميد خطاب الباحث بالإرشاد الديني، إنه إذا كان الفرد هو العنصر الأساس في بناء المجتمع فإن دوره الحقيقي في هذا البناء لا يكتمل ولا يتم إلا من خلال العمل مع بقية أفراد المجتمع، حيث إن الإنسان بمفرده قد ينجز بعض الأعمال لكن إذا أُضيف فِكره إلى فِكر غيره، وجهده إلى جهد غيره؛ لا شك أن الإنجاز سيكون أكبر وأعظم وأنفع.
وأضاف: لذا فقد أعلى الإسلام من شأن العمل الجماعي وجعله من أهم عوامل وأسس بناء الدول والحضارات؛ لما فيه من استثمار للطاقات، وتوحيد للهمم، وتعاون من أجل تحقيق الأهداف المشتركة التي تحمل الخير للناس جميعًا، يقول سبحانه: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».
ومن على منبر مسجد «الرشد» بالجيزة، أوضح الشيخ أحمد عبد القادر محمد مدير عام منطقة وعظ الإسكندرية، أن المتدبر في الخطاب القرآني يرى أن الآيات التي تحث على بث روح العمل الجماعي، والقيام بالمهام كفريق واحد كثيرة ومتعددة، ومن ذلك قول الحق سبحانه في الأمر بعبادته: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
وتابع: وفي شأن الصلاة التي هي أعظم شعائر الدين، يقول سبحانه «وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ» بصيغة الجمع، ويقول سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» ويقول سبحانه: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»، وحذرنا سبحانه من الفرقة فقال: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ».
ومن على منبر مسجد «دعوة الحق» بالدقي، أفاد الشيخ عصام الدين شوقي عبد العاطي مدير عام منطقة وعظ الجيزة، بأن القيام بالأعمال وأداء المهام بهذه الروح الجماعية يقوي أواصر المودة والمحبة والأخوَّة والتآلف بين أبناء المجتمع الواحد، فيتحقق فيهم وصف الله تعالى: «وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً»، ويصدق فيهم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
ومن على منبر مسجد «شريف حسام» بميت عقبة، بيّن الشيخ محمد ابراهيم عبد الله، أن القرآن الكريم ضرب لنا الكثير من الأمثلة الرائعة التي تُرغب في العمل الجماعي، وتحثُّ عليه، وتُوضح كيف كان أثره في تحقيق الأهداف العظيمة، فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام حين أمره الله تعالى ببناء الكعبة المشرفة؛ ذَهَبَ إِلَى ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ لَهُ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قال: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا. فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ -عليه السلام- يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ -عليه السلام- يَبْنِي، فشيدا معًا أَول بيتٍ وضع للنَّاس، وقد خلّد الْقرْآن الكَرِيمُ هَذَا الْمَوْقِفَ الْعَظِيمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».
ومن على منبر مسجد «الزمالك» بالزمالك، نوه الشيخ محمد عبد العال الدومي، الداعية الإسلامي، بأن القرآن ضرب أروع الأمثلة على أمية العمل الجماعي في سورة الكهف، حيث يحدثنا ربنا سبحانه عن أُنموذج رَاقٍ مِنَ التَّعَاوُنِ وَالتَّكَامُلِ والعمل بروحٍ جماعيةٍ فِي قِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وذلك عندما وصل هذا الملك العادل إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْرِفُهُمْ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، فَطَلَبُوا مُسَاعَدَتَهُ، فَأَجَابَهُمْ لما طلبوا، ولكنه ألزمهم أن يتعاونوا معه، وأشركهم في العمل واسْتَثْمَرَ طَاقَاتِهِمْ، فكانوا جميعًا يدًا واحدةً حتى تم هذا البناء الضخم، الذي كان سببا في حمايتهم من أذى يأجوج ومأجوج.
وواصل: وفي ذلك يقول الحق سبحانه: «حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا».
ومن على منبر مسجد «الآخر» بالزمالك، ذكر الشيخ عرفة محمد أحمد، الداعية الإسلامي، قصة كليم الله موسى -عليه السلام- حين سأل الله -عز وجل- أن يشد من أزره بأخيه هارون -عليه السلام- ليكون له سندًا وعوًنا في المهمة التي كلفه الله -عز وجل- بها، وفي ذلك يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا موسى -عليه السلام-: «قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا*إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا»، مؤكدًا ضرورة طلب المساعدة حال احتياجها، فمع كون موسى -عليه السلام- نبيًا، لم يمنعه هذا عن سؤال الله المساعدة في تبليغ الرسالة وذلك بأن يرسل معه أخاه هارون.
ومن على منبر مسجد «محب» بالزمالك، أشار الدكتور محمد أحمد حامد، الداعية الإسلامي، إلى أن المتدبر في السِّيرة النبوية العطرة يرى فيها صفحات مشرقة منَ التعاون والمشاركة والعمل الجماعي في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه الكرام، يقول سَيِّدُنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَكَانَ يُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِير».
واستطرد: وكذلك كان -صلى الله عليه وسلم- يشاركهم العمل والبناء بنفسه، ويحثهم على الاجتماع وعدم الفرقة، ففي يوم الخندق يقول البراء بن عازب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقُلُ التُّرَابَ، وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللهم لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا، إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، وإِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا».
ومن على منبر مسجد «نشأت باشا»، بالزمالك، ألمح الشيخ محمود محمد منصور، الداعية الإسلامي، إلى أن العمل الجماعي الذي نسعى إليه هو العمل الذي يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق، هو الذي يقوم على أسس شرعية كالتكافل بين أبناء المجتمع بحيث لا يُرى فيهم جائع ولا محتاج، أو على أسس تربوية وعلمية كتعاون العلماء في بحوثهم العلمية، والطلاب في منجزاتهم الدراسية والعملية، أو على أسس وطنية من أجل العمل على نهضة الوطن ورقيه في جميع المجالات.
ومن على منبر مسجد «الرحمن» بالزمالك، لفت الشيخ صلاح صبري المغازي، إلى أن العمل الجماعي الذي ننشده هو العمل البناء لصالح الدين والوطن والإنسانية، وهي متلازمان لا ينفك بعضها عن بعض، فما أحوجنا إلى ترسيخ هذه الروح في نفوس أبنائنا وتحويلها إلى منهج حياة يعيشون به، فينتشر الحب ويسود الوئام بين أبناء المجتمع الواحد، ونرقى بأمتنا إلى المكانة التي تليق بها في كل المجالات، على أننا نؤكد أن الشعب المصري حينما تسود روح العمل الجماعي بين أبنائه فإنه يحقق من الأعمال ما يراه غيره مستحيلًا، والمشاهدة والتجربة والواقع قديما وحديثا خير شاهد ودليل على ذلك.