الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خرسانة مسلحة وزخارف نادرة.. كل ما تريد معرفته عن قصر البارون.. صور

قصر البارون
قصر البارون

قصر البارون تحفة معمارية على أرض مصرية، وأحد أشهر القصور المصرية وأفخمها من حيث روعة العمارة وجمال التصميم، يقع في قلب منطقة مصر الجديدة، وفي شارع العروبة المؤدي إلى مطار القاهرة الدولي، وعلى مساحة 12 ألف متر ، قصر البارون الذي شيده المليونير البلجيكي البارون إدوارد إمبان في نهاية القرن التاسع عشر أسند مهمة تصميمه للمعماري الفرنسي ألكساندر مارسيل، ومهمة زخرفته جورج لويس كلود، حتى اكتمل بنائه وعمارته عام 1911.

في هذا السياق كشف الدكتور طارق المري مهندس استشاري متخصص فى ترميم الآثار، عضو اللجنة الدولية للدراسات المعمارية والتحليل الانشائي للمباني الأثرية، عن تفاصيل مثيرة عن قصر البارون وتاريخه وصاحبه، مشيرا إلى أن القصر مبني على مساحة 340 مترا عبارة عن دورين وبدروم وسطح.

وقال الدكتور طارق المري إنه كان مهتمًا بقصر البارون منذ أن كان ضمن موضوع دراسته فى بلجيكا لرسالة الدكتوراه الخاصة به عن مصر الجديدة هليوبوليس، لافتا إلى أن القصر مبنى بالخرسانة المسلحة ومزين بتماثيل وزخارف على الطراز الكمبودى الهندوسي، وقد وبنى على تلة من الرمال وكان مواجه لواحة هليوبوليس ومن خلفه الصحراء في وقت بنائه. 

وأضاف الدكتور طارق المري أن البارون البلجيكى جاء مصر وأنشأ فى الصحراء ضاحية من ضواحى القاهرة على الطراز الإسلامي، واستعان بمهندسي الأوقاف تحت إشراف مهندس حديث التخرج من بروكسل، وقام بتخطيط وتصميم ضاحية هليوبوليس، وفى العقد المبرم بينه وبين الحكومة المصرية نص بإنشاء مترو كهربائي يصل بين الضاحية الجديدة وبين الأزبكية فى 12 دقيقة، ونتيجة لهذا الاتفاق تم شق شارع الأزهر تحت إشراف لجنة حفظ الآثار العربية، وتم شقه متموجا لتفادي هدم أي من الآثار المسجلة.

وتابع الدكتور طارق المري "عاش البارون ومات ودفن في مصر،وبعد وفاته أصبح القصر مثار جدل كبير،بين أنه مسكون وبين أنه يتم تصوير أفلام سينمائية فيه، منها فيلم الهروب لشادية وحسين فهمي فى السبعينيات، وبيع المبنى من ورثة البارون لمستثمر سوري، وظل قصر البارون ينسج العديد من الأساطير حوله وحول سكانه من الانس والجن،ثم عبدة الشياطين الذين اتخذوه فى وقت ما مكانا لتجمعهم ليلا".

وقال الدكتور طارق المري إنه عام 2009 تم شراء قصر البارون من صاحبه بمعرفة وزير الاسكان مقابل 30 او 35 فدانا فى القاهرة الجديدة وقتها والتى كانت صحراء،وصار المبنى ملكا للدولة علاوة على أنه مسجل أثرا تبع قطاع الأثار الاسلامية والقبطية، كما أنه من آثار العصر الحديث.

وأضاف الدكتور طارق المري أن المبنى بالكامل من الخرسانة المسلحة وقد قمت بإعداد ملف لحالة المبنى،وتم عرضه على جمعية تراث مصر الجديدة فى عام 2012 ،وكانت مشكلات القصر تنقسم إلى قسمين،الأول خطير ويتمثل فى هبوط جزئي فى التربة فى سلالم القصر المؤدية للمدخل،بالإضافة لتسرب المياه من السطح لخرسانة سقف الدور الأول،الذى تدهور وتآكل تسليحه بشكل فج،وذلك نتيجة الإهمال المتواصل أخر 75 سنة.

والثاني تآكل جزئي للعديد من زخارف التماثيل الهندوسية داخل المبنى،نتيجة التدمير المتعمد من رواد قصر البارون فى آخر زمن مر به،علاوة على فقد وتدهور مادة النهو فى العديد من الأماكن،والتى تآكل لونها الأورجواني فى العديد من المناطق الا من بعض المناطق التي بقى بها اللون وآثاره ظاهرة وواضحة جلية.

وكشف الدكتور طارق المري عن أنه شارك عام 2015 فى إعداد تقرير رفع لوزير الآثار،للتعجيل بترميم المبنى ووضعه على قائمة المباني التى تحتاج مشروعا سريعا وتدخلا عاجلا، وتقدم مكتب مصر للاستشارات بالتطوع بعمل مشروع استشاري لترميم القصر، وهو أحد المكاتب المؤهلة فى قائمة المكاتب المحدودة التى اعتمدتها الوزارة للعمل فى مشروعات الآثار، وتم تقديم المشروع ومراجعته،وتم تكليف شركة المقاولون العرب قطاع صيانة القصور والآثار والذى يعمل فى الآثار منذ عام 1990، وتحت إشراف مباشر من الآثار إدارة القاهرة التاريخية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

وعن الجدل حول لون قصر البارون، قال:هذه الجدلية بدأت من عام تقريبا أو أكثر،وذلك بعد ظهور للمارة جزء من اللون الجديد للمبنى،وظهر إستهجان من بعض المعماريين من اللون الجديد،لأنه مختلف تماما عن اللون الذى تعودت عليه أعينهم وهو اللون البيج الداكن المترب،والمشكلة ان الكثير من المعترضين لم يروا المبنى عن قرب.

وقال:حالة دهان القصر كانت فى منتهى السوء،بمعنى ان أجزاء كاملة من البياض والنهو منهارة ولونها كالح بالتعبير العامي، لأن الألوان تم اختزالها لأنها ألوان صناعية تتأثر بالآشعة الفوق بنفسجية،واللون الأصلي أصبح فى أماكن قليلة قد تكون بعيدة عن من يري القصر من الشارع في الخارج.

وكشف أن قيمة القصر التاريخية أقل من قيمة الندرة،حيث أن المبنى هو الوحيد على الطراز الكمبودى الهندوسي فى مصر وهذه قيمة هامة جدا،كما أن القيمة المعمارية أيضا مهمة وعالية،وإن كان المبنى من الداخل مثل أي فيللا فى الزمالك او جاردن ستي ولم يرتق التصميم الداخلي لدرجة الروعة الخارجية،والقيمة الانشائية عادية ليست مميزة،والقيمة الاجتماعية عالية بسبب مالكه وكم الاساطير التي نسجت عنه،علاوة على ان الصر يعد أيقونة مصر الجديدة،وهذه القيم كلها من المهم مراعاتها عند الترميم.

وعن اللون، قال المري:إنه وجد فى ملفات الشركة المنفذة طلب البارون بأن تكون فيلته"القصر"ذات لون مختلف عن كل مباني ضاحية مصر الجديدة،وتطلى باللون الأورجواني ليضاهى لون القصور الهندية القديمة،فاضطر المهندس المنفذ لعمل تركيبة من مزيج سلفات الحديد وسلفات النحاس،ليتم رشها على المبنى بالكامل لتكون اللون المختار من البارون مالك الفيللا.

وأضاف الدكتور طارق المري أن الذاكرة البصرية لرجل الشارع الغير متخصص فى الترميم والبعيد عن تاريخ المبنى وأصوله الأثرية المعمارية مهمة،لكن ليست فى أهمية القيمة المعمارية للمبنى،والذاكرة البصرية ستتعود على اللون الاصلي الجديد بالنسبة لها فى خلال خمسة أعوام على الأكثر

وتابع الدكتور طارق المري "أحد أهم مكتسبات هذا المشروع هو اظهار اللون المفقود واكتشافه، والذى نسي الناس انه لون المبنى الاصلي لعدم الاهتمام بالمبنى وزيارته الدائمة، واللون مثبت تاريخيا وبالمعاينة البصرية وأكدته التحاليل المعملية لا جدال فى ذلك،ومن وجهة نظري كمتخصص فى الترميم فإن ما تم هو أحد الاتجاهات المقبولة فى الحفاظ والترميم، ولا هو خطأ مقصود أو غير مقصود، وما تم منهجية علمية دقيقة وممنهجة ولها احترام كامل لا غبار عليها.

واختتم الدكتور طارق المري حديثه قائلا: "سنحتاج وقتا للتعود علي اللون،والأهم بالنسبة لي كيفية أداء المبنى بعد الانتهاء من ترميمه،وهل سيتم وضع خطة صيانة جديرة به؟ والوظيفة التي ستتم إعادته للحياة بها هل ستكون فيللا سكنية صغيرة نسبيا صالحة ليشغلها متحفا لمصر الجديدة؟،وهي من أفكار عديدة تحتاج لبلورة وتنفيذ هادئ،والمهم استمرارية حياة المبنى لا أن يترك نهبا للمتشردين او الأشباح.