الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب .. ماتخفش من الهبلة !!

صدى البلد

وسط تجمع عائلي في بيت جدتي، رحمها الله، وعلي الأريكة يجلس أبناء العائلة الصغار وأنا منهم، ومنا من يلهو ويتبادل اللعب مع الآخر والصياح يعلو، وأنا استمع الي حكاوي الجدة وهي تروي لنا بعض القصص ولكنها حقيقية، فقد اعتادت تلك العجوز علي رصد مواقف وقصص الأخوال والخالات وتارة تمدح وتارة تشتكي، ووسط شكواها التي لم تكن غير من منطلق حبها الشديد لأبنائها وبناتها الذين تزوجوا ومنهم من شغلته الحياة عن مداومة التردد علي بابها كما اعتادت علي وجودهم وهم صغار في بيتها، ولكن تلك الجدة لم تدرك بعض الأمور، لم تستوعب أن الدنيا قد تغيرت وأن الحب وإن كان في القلب ساكنًا فلم يسمح الوقت ان يكون للود مكانا دائمًا، وضغوطات الحياة التي يتعرض لها هؤلاء الأبناء وأحفادها منهم، قد غلب فوق غلبتهم أثقالًا واحمالًا صعب تحملها، وأصبحت "الشيلة تقيلة" يا جدة!!

فيتردد علي ذهني كثيرًا ذلك المثل الشعبي التي كانت تقوله رحمها الله، " ماتخفش من الهبلة خاف من خلفتها" ومنذ الصغر وانا أري ان كل كلامها حكم لما تحمله من عبارات وجمل كادت أن تدون في كتب بل ومجلدات ، ومن الوهلة الاولي وانجذبت الي المثل ولكن مِثلي مثل البنات الصغار في السن لم أدرك معناه، وفِي نفس اللحظة الأبناء يضحكون بصوت عالِ بسبب كلمة "الهبلة "، وعندها لم ندرك نحن الصغار أن الخوف من "خلفة الهبلة" أشد خطرًا منها هي شخصيًا، فالإعاقة قد تأصلت وتمددت، وإن كنت لا أقصد في المعني أبنائنا وأخواننا من ذو الإعاقة أبدًا، فقد اختلف المعني، فالإعاقة الجسدية والفكرية ليست بالعيب ولكن ما أقصده في مقالي هذا وما يعنيه ذلك المثل هو "هبل" التصرف والأسلوب والفكر وغلبة المصالح التي باتت هي الصفة الغالبة في الكثيرين، وتغيير النفوس وسوء النوايا وإفتعال المصائب بقصد أو حتي عن غير قصد، فـ"خلفة الهبلة" لم تؤذي أهلها فقط بل تؤذي مجتمع كامل طالما وجد فيه تلك الجينات الغريبة، وما أدراك عن حجم خطورة تواجدهم. 

مثلهم مثل الكثيرين ممن يتواجدون وسطنا وبكثرة بداية من الجار الذي يفصل بيننا وبينه "كام متر"، الذي لم يكن بالضرورة يتعمد إيذائنا ولكن بتصرفاته غير العقلانية يفتعل المشاكل ويوتر العلاقات فيما بيننا، وزميلك في العمل ذلك الشخص الذي يسمونه بـ" العصفورة"، الذي قادته الغيرة والأنانية وحب الذات الي أن يقع بينك وبين مديرك أملًا في الحصول علي ترقية أو علاوة علي حسابك، حتي "مدام عفاف" تلك الموظفة المعروفة بالدور التاني في كل هيئة ومصلحة حكومية التي تركت مهامها الوظيفية وبدل من أن توجز في إنهاء أوراقك والأختام المطلوبة، أفترشت علي مكتبها "البامية والكوسة" عشان زوجها الاستاذ صلاح عائد الي المنزل قبل ميعاد نهاية يوم عمله بثلاث ساعات، يعني "مزوغ".

ولا يجب ان ننسي دور بعض رواد "الفيس بوك" في خلق الإشاعات المتكررة والنفخ في النار في كل خبر أو قضية، ناهيك عن أصحاب "الدم اللي يلطش"، ممن يستهزئون ويقللون من شأن كل عمل وموقف ويؤلفون القصص ويزيفون في الحقائق، فأصبحنا في حالة لا يرثي لها، حالة من الإسفاف والاستخفاف بالعقول، وأدخلنا أنفسنا داخل دائرة اللافائدة وضياع الوقت، وفِي المقابل هناك آخرون وأخريات يتكسبون ويتربحون من خلال الفيديوهات والكوميكس والبيدجات؛؛؛ ومن أصحاب العقول التافهة الي العقول الفارغة.. يا قلبي لا تحزن ! 

وحتي صاحب الرسالة، صاحب القلم الحر الذي من المفترض أن يكتب ويسرد الاخبار والحقائق كما هي وكما يمليه عليه ضميره تجاه المسئولية التي وضع أمامها وسيحاسبه الله عليها، ومن يخترق بيوتنا من خلال الشاشات وما يهل علينا من نوعية بعض الضيوف في البرامج التوك شو، ممن يسمون أنفسهم محللين وسياسين وخبراء ومختصين وهم في حقيقة الأمر ضيوف ثقيلة ليس بمعلوماتها وتحليلاتها الفزة والمفيدة، ولكن المضللة والمغيرة للحقيقة، التي تستخف بعقول المشاهدين، وإن كنت لا أقصد بذلك التعميم ولكن كما نعلم جميعا ان الحسنة تخص والسيئة تعم، والعيب ليس فيهم بل في من أتاح لهم الفرصة ان يتواجدوا علي الساحة، ونحن كمشاهدين أولهم.

كما لا نستطيع أن نغفل دور ما يطلقون علي أنفسهم إعلاميين، ممن يتعمدون إثارة البلبة، ممن يصدر منهم أفعالًا تضر بمصالح المجتمع، ممن يتفوهون بما لا يحق ولا يصح ولا يعقل وفِي نفس الوقت يعتقدون أنهم يسيرون علي الدرب الصحيح، وما أكثر تواجدهم في القنوات المعادية " قنوات الإخوان" وغيرهم علي الجانب الآخر، ولكن في النهاية الجميع يعزف كما يروق له ويستمع ويردد من نغمات، ووجود أمثالهم كالآفة التي تنتشر وبقوة في المجتمع، بمثابة قنبلة موقوتة لم تنتظر ان توقد بل انفجرت لتتمثل في تصرفاتهم وافعالهم تجاه الوطن والمجتمع والفرد، لما يصدر منهم من خرافات تعمل على هدم المجتمعات.

فالأمر ليس بالهين او البسيط وإن كنّا نحتاج الي إبتعاد هؤلاء الأشخاص بصفة عامة من حياتنا، أو ان يتلاشى وجودهم، 
أما إذا تحدثنا عن من هم لهم تأثير، فعلينا ابعادهم عن الساحة والأنظار لتفادي حجم المخاطر التي تصدر منهم، وان ننادي بتقليص ظهورهم الذي لم نري منه غير كل تضليل وتزييف فيما يعرض ويناقش ويحلل، كما علينا عدم الالتفات إليهم وتركهم، ومواجهتهم تحتاج لنشر الوعي بعدم السماع إليهم، وفتح باب للعقلاء وأصحاب الحكمة والتنوير أن يكون لهما دورا في تصليح ما أفسده هولاء، وعدم الانسياق وراء كلامهم واحاديثهم يعطي لنا فرصة لمحوهم، لان حجب هولاء الأشخاص يحافظ علي الوحدة بيننا التي نفتقدها بسبب هؤلاء الذين يهدفون الي ضرب كل شيئ تحقيقًا لرغباتهم ومصالحهم الشخصية، كما نحتاج الي عدم الاعتراف بهم حتي لا نسمح لهم بالاستمرار مما يجعل فرصتهم ضعيفة للغاية تجبرهم علي مغادرة المشهد، وعدم الظهور علي الساحة مجددًا.

وفِي وجهة نظري، الأخطر من هؤلاء الآفاقين والمضللين، والفاسدين والعملاء والخونة، هم الجهلاء من العامة، ممن يصدق في كلامهم، في أحاديثهم وأفعالهم، ممن أتاح لهم الفرصة بأن ينتشروا ويتكاثروا، ممن ينطبق عليهم المثل والوصف والمسمي بـ "ولاد الهبلة"، ممن لم يسعي الي محاربة وجود هؤلاء بيننا، ممن قال " وأنا مالي" ناسيًا أن ماله وحاله ومستقبله ومستقبل أولاده واجيال قادمة تتوقف علي موقفه، وعلي ان يبدأ هو الأول بنفسه، ويواجه وجود "الهبلة وخلفتها". 

وفِي النهاية.... المعني الذي نقصده، إننا في الأساس لا نخاف من أمثال هؤلاء الأشخاص ولكن الخوف مما يصدر منهم، مما يخلقه هؤلاء ويؤثر بشكل سلبي علي المجتمع، ولذلك وجب التصدي لهم بقوة ومن ثم القضاء علي أفكارهم التي تضر بنا جميعا، والتوعية بخطورة أفعالهم، كما وجب التنويه عنهم، ولذا نكرر ونذكر ولعل في التذكير إفادة، فنقول : " ماتخفش من الهبلة خاف من خلفتها ".