الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب: لديّ حلم

الكاتب الصحفي رضا
الكاتب الصحفي رضا نايل

تقدّم نحوي بوجهه الذي يقطنه العبوس والتجهم، وهو يقول في استغراب:
- علاما تبتسمين؟!
- لأني رأيتكَ.. هكذا أجبته، وعيناي معلقتان به.
حاولت شفتاه جاهدة أن تبتسم، وحمرة الخجل تموج في بشرته البيضاء، وهو يقول بصوته البارد الذي اعتدته أذني حتى أكاد أشعر أن بها ثلجا:
- ألا ترين أن الحياة مملة، ولا شيء فيها يدعو للابتسام؟!
ردّت بثقة:
- ليس لدي وقت للملل.
عاوده العبوس والتجهم بعد محاولته الفاشلة للابتسام قائلاً:
- وماذا تفعلين؟!
ردّت بثقة:
- أحلم.
حدق في زجاج النافذة، فرأى السحب الأحمر فوق أسطح العمارات الشاهقة يُنبئ أن الشمس المختبئة وراءه توشك أن تغرب، وأخذ خطوة، ومد ذراعيه وفتح النافذة، فتدفق هواء أواخر أكتوبر البارد، وهو يحمل رائحة الشتاء، وقال في سخرية وتهكم وهو يلتفت نحوي:
- تحلمين.. بماذا!
- أحلم بكَ.. هكذا أجبته بفرح طفولي، والهواء البارد المتدفق من النافذة يلسع وجنتي وذراعيّ العاريين، فأنتعش وكأني أتناول المثلجات في أغسطس.


قال وهو يستدير نحوي، واضعا جسده الطويل الممشوق أمامي مباشرة حتى أحسست أني ظل له، فحجب عني الهواء، وآخر خيوط النهار المهترئة نتقطع على ظهره:

- الأحلام مستحضرات تجميل نواري بها قبح الحياة.
وقلت الحزم الذي يملأ صوتي يُعضدنني:
- ولكنك تحلم بي.
ثم وضعت سبابتي على شفتيَّ مشيرة له أن يصمت، وأنا أرفع رأسي لأنظر في عينيه، فإذ بالحمرة التي كانت تموج ببشرته البيضاء قد طغت عليها، فصار وجهه أرجوانيا، ثم قلت برقة وحنان:
- تخبرني عيناك أنك ستكذب.
قال بصوت خجول وعيناه تراوغان، وأنفاسه الحارة المتصاعدة من نفس حائرة مضطربة تغلي كمرج تحمل تباريح شوق مكتومة في حناياه:
- أتعرفين..
قاطعته بسرعة:
- أعرف.. "المحبون لا يتزوجون"، أنت تؤمن بمقولة نجيب محفوظ تلك.
- والفقراء أيضا.
قلت في دهشة وانزعاج:
- من قال هذا؟!
- أنا.. هكذا قال في كبرياء واهنة كبيت العنكبوت.
أجفلت، ورأسي مازالت لأعلى، والهواء الذي أصبح أقوى وأبرد يخفف من توتري وانزعاجي بعدما استدار سامحا له بالوصول إلى وجنتي وذراعيّ، فوقفت بمحاذاته أبحث عن النجوم المتوارية وراء السحب الأحمر الذي صار رماديا قاتما بعدما غادرته الشمس، فسمعت برودة صوته تقطع هذه اللحظات الثقيلة من الصمت قائلا:
- لن نرى النجوم حتى تبلل الأمطارُ الليلَ، كما لا نعرف الحب حتى تبلل الدموع العين.
قلت في ألم ووجوم:

- لكنكَ تمطر عيني بالدموع كل ليلة ولا أرى النجوم؟!
- الحياة لم تكن يوما عادلة.. هكذا قال، والليل يلف العمارات الشاهقة بظلامه الدامس الذي يكاد يبتلع الأضواء البعيدة الخافتة المنبعثة من نوافذها الزجاجية، التي تبدو كنقاط بيضاء باهتة متناثرة في ثوب شديد السواد يرتديه عالمنا.
قلت وأنا أظنه شبحا وسط هذا الظلام:
- لهذا أحلم بك.
قال بثقة:
- لو جاء عمر بن الخطاب لكنا جميعا أبولؤلؤة المجوسي.
- إذن نهاجر لبلاد يتزوج فيها المحبون والفقراء.. هكذا قلت، وقد عاودني فرحي الطفولي، وأنا أبحث عن يده لتضمها يدي.
وقال، وهو يحتضن يدي:
- أنا ممنوع من تغيير عنواني.
قلت بصوت متهدج:
- وماذا عليّ أن أفعل؟!
أجاب وكأنه إنسان آلي:
- ألا تحلمي.

رضا نايل

• الصورة.. لوحة للفنان السوري إسماعيل نصرة