الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

زلزال الشمال السوري ويقظة الجامعة العربية




أيام عصيبة مرت وتمر علينا جميعا ونحن نتابع مجريات الأحداث في شمال شرقي سوريا ومحاولات أردوغان وجيشه الانكشاري والمرتزقة الذين معه ممن تبقى من ما يسمى المعارضة السورية ومساعدته على هذا الاحتلال. محاولات اردوغان في التدخل في الشأن السوري طبعا ليست وليدة اللحظة هذه، بل كانت وما زالت منذ بداية الأزمة السورية والتي دخلت عامها التاسع، وما زالت مقصلة وتراجيديا قتل الشعب وتدمير المدن وتهجير السكان تسير على قدم وساق.
هذا التدخل الاردوغاني لم ينحصر في الجغرافيا السورية ومناطقها المتفرقة، بل تعدت ذلك بكثير لتشمل العراق وليبيا والسودان والصومال والخليج وطبعا مصر. يحاول إردوغان أن يطبق أوهامه في عثمنة المنطقة من جديد وتوسيع حدود جمهوريته الاردوغانية على حساب دول الجوار والشعوب ايضا، وذلك عبر الهندسة الديموغرافية والتغيير الديموغرافي الذي تبرع فيه تركيا لما لها من تجارب أثناء تشكل تركيا على أنقاض الدولة العثمانية. حيث في حينها عملت جمعية الاتحاد والترقب الوليدة من جمعية تركيا الفتاة، عملت على أكبر عملية تغيير ديموغرافي في المنطقة وقامت بتهجير السكان الأصليين وتوطين شعوب أخرى بدلا عنهم للوصول بتركيا إلى دولة وشعب متجانس يتكلم اللغة الواحدة ويؤمن بهذه الثقافة بعد دمج وصور من تم توطينهم. هذا كانت في بدايات القرن الماضي والذي تعمل عليه تركيا الاردوغانية ثانية في تهجير السكان والتغيير الديموغرافي أمام أنظار العالم الذي لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم. وكأن الكل مشارك في هذه الجرائم وإن كانت تحت مسميات كثيرة أن كانت دينية أو قوموية.
"تسعة أيام هزت العالم"، يمكننا مجازًا توصيف ما حدث ويحدث في هذه الجغرافيا الصغيرة جدا مقارنة مع حجم الطرف الذي يحاول العدوان عليها واحتلالها تحت أنظار العالم كله. تسعة أيام وثالث أقوى جيش في الناتو وقامت أقوى جيش في العالم لم يستطع كسر إرادة الشعوب في الشمال السوري، بالرغم من استخدامه لكل الأسلحة التي يمتلكها وزجه بعشرات الآلاف من عناصر جيشه الذي لا يقهر وعشرات الآلاف من المرتزقة العرب السوريين الذين حولوا بوصلتهم من محاربة النظام إلى القضاء على الشعب الكردي ومن معهم. جيوش جرارة ومرتزقة وعتاد عسكري ضخم جدا وقصف بالطائرات والمدفعية وحتى وصل الأمر بهؤلاء المتوحشين استخدامهم الأسلحة المحرمة دوليًا من الفوسفور الأبيض علَهم يستطيعون كسر إرادة المقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية وتحطيم عزيمتهم، إلا أنهم لم يستطيعوا.
وعد أردوغان القوى الإقليمية والدولية بأن يحتل هذه المنطقة من سري كاتبه "رأس العين" وحتى كري سبي "تل أبيض" خلال يومين ولن يتعدى الأمر ثلاثة أيام. لكن على أرض الواقع كانت النتائج مغايرة تماما وكما يقال (حساب السوق لم يتطابق مع حساب الصندوق)، فشعر إردوغان بالهزيمة الداخلية قبل أن تكون علانية، وهذا ما دفع بأردوغان أن يوجه باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا وقصف المدن على رؤوس أهلها من المدنيين، وأيضا لم يفلح هذا المجرم من الوصول بهدفه.
هذا ما جعل العالم يقف منبهرًا أمام عظمة وإرادة قوات سوريا الديمقراطية والشعب السوري الذي يدعمها بكل امكانياته. فخرجت تظهر هنا وهناك ردود الأفعال المنددة بهذا العدوان والاحتلال التركي للشمال السوري. أوروبا وكذلك امريكا والصين عارضت العدوان والوحشية في عدوانها. لكن كان الملفت للنظر هو موقف الدول العربية على وجه الخصوص.
مصر التي لها مكانتها وثقلها في المنطقة دعت إلى اجتماع عاجل على المستوى الوزاري لبحث الاحتلال والعدوان التركي على الشمال السوري. وكذلك أوضحت مصر موقفها بأنها مع مقاومة هذا العدوان وأنها ضد الاحتلال التركي. طبعا، هذا ما كان له التأثير المباشر على اجتماع الجامعة العربية وبيانها الختامي. كثيرًا ما كنت أنعت الجامعة العربية بأنها باتت كمثل الكهف في قصة أصحاب الكهف وهم في نومهم لا يدرون ما يحاك حولهم. إلا أنني قلت بعد هذا الاجتماع الاخير ربما اني على خطأ. فأنه ربما لم تتحرك الجامعة العربية في يوم من الأيام من أجل القضايا التي تعانيها المنطقة، إلا أنها تستيقظ حينما يكون الوجود العربي على المحك. وهذا ما زادني أيمانًا بأنه يمكن ترميم وإعادة الحياة في وجودنا وهويتنا حينما تكونان في خطر محدق.
كل ما أتمناه أن ما حصل من زلزال في الشمال السوري أن يوقف الكل، لأن العدوان التركي لا يستهدف الكرد فقط في هذه الجغرافيا كما تروج له، بل هي تستهدف المنطقة برمتها وشعوبها من دون استثناء. واليوم إن كان الشمال السوري فغدا بكل تأكيد سيكون الشمال العراقي وبعدها سيكون الشمال الإفريقي وغيرها من الدول والمناطق. ونتمنى ان يكون من تداعيات هذا الزلزال الذي كان سببا ايضا بنفس الوقت لإعادة الحياة للعلاقات العربية _ الكردية، هذه العلاقة الممتدة لآلاف السنين وامتزجت بها الثقافتين بشكل كبير ولا يمكن لأحد أن يفصل بينهما. لأن العمق الثقافي الكردي هو بكل تأكيد العمق الثقافي العربي والعكس صحيح أيضًا. ومصير كلا الشعبين الكردي والعربي واحد كما كان التاريخ مشترك وكذلك الثقافة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط