الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"فرعون" الغناء!


متى يحصل الإنسان على جائزة الدولة التقديرية؟! .. عندما يمتزج إخلاصه فى العمل والإنتاج بلمسات الابتكار والتميز .. وإذا تحقق ذلك مضافا إليه التأثير الإنسانى وتشكيل السلوك والقيم فأعتقد أن الجائزة هى أقل ما يستحق ويصبح جديرا بما هو أعظم وأكثر إجلالا!.

ولم يحصل الفنان النادر علي الحجار على جائزة السلطان قابوس للفنون والآداب هذا العام لمجرد كونه مطربا فريدا من نوعه ويتمتع بموهبة صوتية تفوق زملاءه من جيله، وأبناءه من أجيال لاحقة .. وإنما فاز "الحجار" وسط منافسة من ٢٧ مطربا عربيا لعدة عوامل وحيثيات صعدت به إلى هذه المكانة المرموقة فى عرش الغناء والطرب الأصيل .. ولايكفى الحديث عنها فى مجرد حوار صحفى أو تغطية عابرة فى صورة خبر سريع!.

لقد أنعم الله على "الحجار" بحنجرة ذهبية قوية قادرة على التلون والانتقال السلس من طبقة لأخرى فى مرونة وانسيابية حسب اللحن المعزوف والحالة الفنية المطلوبة .. وداخل كل أغنية يخاطب الصعيدى الموهوب الوجدان بإحساس متدفق ويفرز مشاعر صادقة متولدة من الكلمات والموسيقى لا يتقن لغتها العذبة والشجية سوى صوت يمتلك إمكانيات وملكات "الحجار".

لم يخضع الحجار يوما ما منذ انطلاق مشواره وحتى عنفوان نجوميته أسيرا للشهرة وجنون الأضواء، بل حافظ على عقيدته كفنان يقدس الكلمة ويؤمن بسحرها، ويلهث وراء اللحن المُحرِّك للأغنية، فأنتج لنا أكثر من ٩٠ عملا غنائيا وعشرات الألبومات تقتحم القلوب وتثير الخيال وتصنع المعانى والرسائل التى تظل عالقة بذاكرتنا بصوته ونبراته الرخيمة.

وسار الحجار العاشق للكلمة ورنينها فى العقل قبل الأُذن فى طريق الاختيار الذكى والدقيق لموضوعات أغانيه وتعرفنا من خلال أدائه على إبداعات عمنا سيد حجاب وأشعار الخال عبد الرحمن الأبنودى و"تفانين" أحمد فؤاد نجم و"جواهر" صلاح جاهين فى رباعياته البليغة .. ومن تفاصيل صوت الحجار تفاعلنا مع أنغام العبقرى عمار الشريعى، و"تابلوهات" بليغ حمدى، و"حساسية" ياسر عبد الرحمن، و"رقى" عمر خيرت .. وعندما ينسجم صوت مع هذه التوليفة المركبة والمتنوعة من المواهب فأنت أمام "كنز غنائى" تنهل منه ولايفنى أبدا، وإنما يرتفع سعره وتغلو قيمته ليزداد نفاسة ولمعانا مهما طال الزمن واختلف حوله المُناخ!.

ومن صوته، عشنا مع أغانى تترات الأعمال الدرامية التى صارت جزءا من تراثنا ووعينا الثقافى والاجتماعى .. والتصقت بنا بعض الجمل التى خرجت من لسان "الحجار" لتنفذ إلى نسق مبادئنا وأفكارنا .. وتدريجيا، صنعت بصمة "الحجار" فى هذا اللون الفنى تاريخا وفكرا ورؤية .. بصمة تحولت إلى شريك حيوى لضمان متانة وتماسك الدراما التليفزيونية، وبدون هذا "الشريك الثقيل" يفقد العمل برمته الكثير من قوته ووزنه!.

لقد نجح الحجار وكتب مجده وسطر اسمه دون فضائح أو "تريندات" مزيفة أو شهوة مال زائلة .. واحترم مطرب الأجيال فنه ومشروعه، فاحترمه الجميع وأقبل الصغير والكبير على سماعه والسباحة فى فلك أغانيه وقصائده .. ونال التقدير ممن يعى قيمة الفنان ويستطيع أن يميزه بين الموجات الرائجة .. وبعد أن تلقى "فرعون" الأغنية المصرية ما استحقه فى الخارج ومن دولة شقيقة، فلاريب أن "منجم" إنتاجه الغزير يؤهله لأشرف وأكبر تكريم من بلده، ويضع أعماله بجوار مئات الاختراعات العلمية والكنوز الأدبية والإنجازات الرياضية .. ولن أتحدث عن كيفية استغلال خبرة وعظمة "الحجار" فى بناء أجيال من الأصوات فى المستقبل، فهذا أمر يتوقف على مدى ذكاء وضمير القائمين على مؤسساتنا الثقافية ومعاهدنا الفنية .. ومدى إدراكهم لأهمية فنان كهذا فى حياتنا!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط