الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى ميلاد أديب نوبل.. نجيب محفوظ من الجمالية إلى العالمية

صدى البلد


سطر الروائي المصري نجيب محفوظ الحائز على نوبل للآداب عام 1988، والذي حلت اليوم ذكرى ميلاده، أكثر من 70 رواية طوال حياته الأدبية، إلا أن إحدى تلك الروايات تسببت في تعرضه لمحاولة اغتيال.

وأثارت رواية أولاد حارتنا جدلا واسعا منذ نشرها مسلسلة في صفحات جريدة الأهرام، وصدرت لأول مرة في كتاب عن دار الآداب ببيروت عام 1962، ولم يتم نشرها في مصر حتى أواخر عام 2006، حيث تعتبر رواية أولاد حارتنا الأكثر جرأة في تناولها للذات الإلهية فيتحدث بها عن الظلم الإلهي الذي حل بالبشر وخصوصا الضعفاء مما عطّل الصفات الألوهية عند الرب مثل العدل.

وتعرضت تلك الرواية للهجوم الشديد من قبل شيوخ من الأزهر والإسلاميين الذين اتهموا نجيب محفوظ بالإلحاد والردة، وهذا ما عرض الأديب المصري لمحاولة إغتيال عام 1994 نجى منها رغم أنه أصيب خلالها بطعنه في رقبته.

وتم القبض على المتهمين بمحاولة الإغتيال وتحويلهم للنيابة، وفي مقابلة تلفزيونية يروي المستشار والروائي أشرف العشماوي، المحقّق في محاولة الاغتيال أقوال نجيب محفوظ في تلك القضية.

وُلد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا في حي الجمالية بالقاهرة. والده الذي كان موظفًا لم يقرأ كتابًا في حياته بعد القرآن غير حديث عيسى بن هشام لأن كاتبه المويلحي كان صديقًا له، وفاطمة مصطفى قشيشة، ابنة الشيخ مصطفى قشيشة من علماء الأزهر، وكان نجيب محفوظ أصغر إخوته، ولأن الفرق بينه وبين أقرب إخوته سنًا إليه كان عشر سنواتٍ فقد عومل كأنه طفلٌ وحيد، كان عمره 7 أعوامٍ حين قامت ثورة 1919 التي أثرت فيه وتذكرها فيما بعد في بين القصرين أول أجزاء ثلاثيته.

التحق بجامعة القاهرة في 1930 وحصل على ليسانس الفلسفة، شرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية ثم غير رأيه وقرر التركيز على الأدب. انضم إلى السلك الحكومي ليعمل سكرتيرًا برلمانيًا في وزارة الأوقاف (1938 - 1945)، ثم مديرًا لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى 1954، وعمل بعدها مديرًا لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة مديرًا للرقابة على المصنفات الفنية، وفي 1960 عمل مديرًا عامًا لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشارًا للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون. آخر منصبٍ حكومي شغله كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما (1966 - 1971)، وتقاعد بعده ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام.

تزوج نجيب محفوظ في فترة توقفه عن الكتابة بعد ثورة 1952 من السيدة عطية الله إبراهيم، وأخفى خبر زواجه عمن حوله لعشر سنوات متعللًا عن عدم زواجه بانشغاله برعاية أمه وأخته الأرملة وأطفالها. في تلك الفترة كان دخله قد ازداد من عمله في كتابة سيناريوهات الأفلام وأصبح لديه من المال ما يكفي لتأسيس عائلة. ولم يُعرف عن زواجه إلا بعد عشر سنواتٍ من حدوثه عندما تشاجرت إحدى ابنتيه أم كلثوم وفاطمة مع زميلة لها في المدرسة، فعرف الشاعر صلاح جاهين بالأمر من والد الطالبة، وانتشر الخبر بين المعارف.


بدأ نجيب محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينيات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة الرسالة. في 1939، نشر روايته الأولى عبث الأقدار التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية، ثم نشر كفاح طيبة ورادوبيس منهيًا ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة، وبدءًا من 1945 بدأ نجيب محفوظ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية القاهرة الجديدة، ثم خان الخليلي وزقاق المدق، جرب نجيب محفوظ الواقعية النفسية في رواية السراب، ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع بداية ونهاية وثلاثية القاهرة.

فيما بعد اتجه محفوظ إلى الرمزية في رواياته الشحاذ، وأولاد حارتنا التي سببت ردود فعلٍ قوية وكانت سببًا في التحريض على محاولة اغتياله. كما اتجه في مرحلة متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا كما في روايته (الحرافيش، ليالي ألف ليلة) وكتابة البوح الصوفي والأحلام كما في عمليه (أصداء السيرة الذاتية، أحلام فترة النقاهة) واللذان اتسما بالتكثيف الشعري وتفجير اللغة والعالم، وتعتبر مؤلّفات محفوظ من ناحية بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارها تدوينًا معاصرًا لهم الوجود الإنساني ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله، كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة.


تُوفي نجيب محفوظ في بداية 29 أغسطس 2006 عن عمر ناهز 95 عاما إثر قرحة نازفة بعد عشرين يومًا من دخوله مستشفى الشرطة في حي العجوزة في محافظة الجيزة لإصابته بمشكلات صحية في الرئة والكليتين، وكان قبلها قد دخل المستشفى في يوليو من العام ذاته لإصابته بجرح غائر في الرأس إثر سقوطه في الشارع.