الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الضباب يغلف مصير الإمبراطورية.. كل ما تريد معرفته عن الانتخابات المبكرة ببريطانيا

علم بريطانيا
علم بريطانيا

يتوافد الناخبون البريطانيون اليوم إلى مراكز الاقتراع في أنحاء البلاد للإدلاء بأصواتهم، في ثالث انتخابات مبكرة تشهدها بريطانيا خلال خمس سنوات، والتي وُصفت بأنها الأهم منذ عقود، كونها تحدد مصير علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، بعدما عجزت ثلاث حكومات متتالية عن حسم شروط الخروج في البرلمان البريطاني.

وبحسب قناة "سي إن إن" الأمريكية، هيمنت مسالة البريكست منذ عام 2016 على مواقف الناخبين البريطانيين، لكن قضايا أخرى مثل الرعاية الصحية والتغير المناخي والضرائب والرعاية الاجتماعية دخلت على الخط مؤخرًا، لترفع درجة حرارة المنافسة بين الحزبين الرئيسيين في بريطانيا؛ المحافظين الحاكم والعمال المعارض.

لماذا الانتخابات الآن؟

أقدمت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي عام 2017 على مغامرة غير محسوبة، عندما دعت إلى انتخابات مبكرة أملًا في تعزيز أغلبية حزب المحافظين بالبرلمان البريطاني، فانتهى بها المطاف وقد خسرت عددًا من المقاعد المؤثرة، ما حرمها من الأغلبية الحاسمة التي كانت تأمل أن تمكّنها من تمرير مقترحاتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي رفض البرلمان تمريرها لثلاث مرات متتالية.

وورث رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون هذه الأغلبية الهشة في البرلمان، الذي رفض مجددًا تمرير مقترحاته الخاصة للبريكست، والأكثر تشددًا من مقترحات ماي.

وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات البرلمانية في موعدها الطبيعي عام 2022، لكن جونسون اختار الإقدام على نفس المغامرة التي تلقت فيها ماي هزيمة موجعة، حيث رأى أن الانتخابات المبكرة هي المخرج الوحيد للمأزق المتجمد بين الحكومة والبرلمان حول البريكست، ويأمل بدوره في استرداد وتعزيز أغلبية حزب المحافظين في البرلمان.

ماذا جرى أثناء الحملات الانتخابية؟

خاض المرشحون لعضوية البرلمان البريطاني حملات انتخابية ساخنة ومكثفة، إدراكًا منهم لأهمية البرلمان والحكومة المقبلين في تقرير مصير البلاد أكثر من أي وقت مضى، واعتادت المجتمعات المحلية على جولات الناخبين المكثفة في الأحياء والأماكن العامة وخطاباتهم النارية.

واستخدم جونسون بإلحاح شعاره "أنفذوا البريكست" في جولاته الدعائية، واعدًا بإنجاز الخروج من الاتحاد الأوروبي بحلول 31 يناير المقبل حال فوزه بهذه الجولة الانتخابية.

ودفع معارضو جونسون بأنه حتى لو نجح في تمرير مقترحاته بشأن البريكست في البرلمان، فستظل أمامه مفاوضات شاقة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول شروط التجارة الثنائية.

وبالرغم من جولاته الدعائية الكثيفة، قلل جونسون من ظهوره على شاشات التلفاز، ورفض إجراء حوارات مع شبكات تلفزيونية بريطانية كبرى، ما استجلب انتقادات حادة من معارضيه والناخبين البريطانيين.

من جانبه وعد زعيم حزب العمال ومنافس جونسون الرئيسي جيريمي كوربن بإجراء استفتاء جديد على خطة أكثر مرونة للبريكست خلال 6 أشهر حال فوزه بالانتخابات.

لكن لوحظ أن البريكست لم يحتل مساحة كبيرة من حملة كوربن الانتخابية، حيث فضّل التركيز على قضايا أكثر محلية، ووعد بإنهاء إجراءات التقشف الحكومي المتبعة منذ سنوات وزيادة الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية والاجتماعية، وتعهد بحماية الخدمات الصحية التي حذر من احتمالات خصخصتها في إطار مفاوضات حكومة المحافظين على شروط التجارة الثنائية مع الولايات المتحدة.

ووعد كوربن أيضًا بإعادة تأميم شركات خطوط السكك الحديدية والمياه والكهرباء، وفرض ضرائب تصاعدية على الفئات الأعلى دخلًا، لكنه واجه حملة دعاية مضادة شرسة اتهمت حزبه بتبني خط معاد للسامية.

على صعيد آخر، نال حزب البريكست بزعامة نيجيل فاراج وحزب الديمقراطيين الليبراليين المناهض للبريكست نسب تأييد لا بأس بها في استطلاعات الرأي، لكنها سرعان ما تضاءلت لحساب تأييد الحزبين الكبيرين؛ المحافظين والعمال.

من الأقرب للفوز؟

دعا جونسون إلى الانتخابات المبكرة اعتمادًا على تقديره لحظوظه في الفوز، وظهر في جميع استطلاعات الرأي تقريبًا متقدمًا على كوربن، وقد ضاقت الفجوة بينهما مؤخرًا لكن ليس إلى الحد الذي يهدد بقلب الموازين ودفع كوربن إلى المقدمة.

لكن نتائج استطلاعات الرأي ليست مؤشرًا موثوقًا بنسبة 100%؛ فقد توقعت فوز المحافظين بمقاعد أكثر في انتخابات 2017 المبكرة، فقط ليتلقوا هزيمة مفاجئة بخسارتهم مقاعد مؤثرة أفقدتهم الأغلبية وأجبرتهم على التحالف مع الحزب الديمقراطي الوحدوي في أيرلندا الشمالية لتشكيل الحكومة. واظهرت استطلاعات الرأي حظوظًا شبه متساوية لحزبي المحافظين والعمال في انتخابات 2015، لكن ما حدث هو أن المحافظين فازوا بهامش أغلبية واسع.

المشكلة بالنسبة لجونسون هي أن فوزًا متواضعًا قد يجبره على التنحي من رئاسة الوزراء كما فعلت ماي، فهو بحاجة إلى فوز كبير كي يتمكن من تمرير مقترحاته بشأن البريكست وغيره من القضايا في البرلمان.

ويحتاج أي حزب بريطاني إلى الفوز بـ 320 مقعدًا على الأقل كي يؤمّن الأغلبية المطلوبة لتشكيل حكومة، وفي الوقت الحالي يملك المحافظون عددًا من المقاعد لا يتخطى هذا الرقم بكثير، ولا يبدو أنهم يحظون بشركاء كثيرين من الأحزاب الأخرى.

لطالما كان التنبؤ بنتائج الانتخابات البريطانية مهمة عسيرة، لكن بعض المراقبين يرجحون أن يكون البرلمان المقبل برلمانًا معلقًا، حال فوز المحافظين والعمال بعدد متقارب من المقاعد.

ما هو البرلمان المعلق؟

في النظام البرلماني القائم في بريطانيا، لا ينتخب الناخبون رئيس الوزراء مباشرة، وإنما ينتخبون نواب البرلمان لتمثيل دوائرهم، ويصبح زعيم الحزب الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان (المكون من 650 مقعدًا) رئيسًا للوزراء، فإن لم يفز أي حزب بأغلبية بسيطة (50% + 1) يتعين على زعيم الحزب الذي فاز باكبر عدد من المقاعد التعاون مع أحزاب برلمانية أخرى تشكيل حكومة ائتلافية.

وواجهت تيريزا ماي هذا الموقف بعد انتخابات 2017 المبكرة، حين فقد حزب المحافظين أغلبيته الهشة في البرلمان، واضطر للتحالف مع الحزب الديمقراطي الوحدوي في أيرلندا الشمالية لتشكيل الحكومة.

على أن جونسون لن يحظى برفاهية الائتلاف مع الحزب الديمقراطي الوحدوي إذا ما خسر الأغلبية البرلمانية، فقد أحرق جسوره مع الحزب الأيرلندي الشمالي بإصراره على تضمين شرط لإقامة نقاط جمركية حدودية مع جمهورية أيرلندا كجزء من خطته للبريكست.

وإذا ما انتهت الانتخابات البرلمانية المصيرية اليوم بتشكيل برلمان معلق من جديد، فمن المرجح أن تشهد السياسة البريطانية أيامًا طويلة من مفاوضات مضنية للغاية بين الأحزاب، في ظل سعي كل منها لتوسيع حضورها في قمة السلطة.

وفي المشهد الحالي، يبدو حزب العمال هو الأوفر حظًا في إمكانية تشكيل ائتلاف مع أحزاب أخرى، حتى وإن فاز بعدد من المقاعد أقل من مقاعد حزب المحافظين، وإذا ما نجح حزب العمال في ذلك بالفعل فسيكون من المرجح إجراء استفتاء جديد على خطة أكثر مرونة وتوافقًا مع الاتحاد الأوروبي للبريكست، خاصة وأن هذا الخيار هو المفضل لدى الحزب الوطني الإسكتلندي وحزب الديمقراطيين الليبراليين، والمتوقع أن يحلا في المركز الثالث والرابع بالترتيب من حيث عدد المقاعد في البرلمان.

متى تُعلن نتائج التصويت؟

فتحت مراكز الاقتراع في أنحاء بريطانيا في السابعة من صباح اليوم بتوقيت جرينتش، ومن المقرر أن ينتهي التصويت في العاشرة مساءً.

ولأن التصويت في بريطانيا يجري بالطريقة التقليدية، أي الحضور لمراكز الاقتراع ووضع علامة بالقلم على ورقة الاقتراع ثم إيداعها في صناديق الاقتراع، وليس بالتصويت الإلكتروني، فمن المتوقع أن تستغرق عملية فرز الأصوات بعض الوقت، لكن من المتوقع بدء ظهور النتائج الأولية بحلول الساعة الحادية عشرة من مساء اليوم بتوقيت جرينتش.

وقد قلب البريكست خريطة التصويت شبه المستقرة في بريطانيا رأسًا على عقب، حيث يستهدف المحافظون الفوز في الدوائر التي تمتع فيها حزب العمال سابقًا بشعبية تقليدية، والتي صوتت بشكل غير متوقع لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء البريكست عام 2016، بينما يأمل حزب العمال وحزب الديمقراطيين الليبراليين في استثمار الدعم الذي فازا به في المناطق الجنوبية من البلاد التي صوتت في معظمها لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.

وعلى أقصى تقدير، فسوف تُعلن نتائج التصويت رسميًا خلال ساعة مبكرة من صباح غد الجمعة.