الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

زيارة ترامب للهند: نتائج ودلالات


رغم ما يعرف تقليديًا عن عمق الشراكة الاستراتيجية وشبكة المصالح الاقتصادية المتنامية بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية، فقد جاء الترحيب الرسمي الكبير الذي قوبل به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في  نيودلهي لافتًا، والسبب لا يعود إلى كونها الزيارة الرسمية له وهو على أبواب نهاية فترته الرئاسية الأولى، ولا لأن الترحيب
الهندي جاء على خطى زيارات سابقة لرؤساء أمريكيين سابقين زاروا الهند، وحظوا بالحفاوة، ابتداء من دوايت ايزنهاور أول رئيس أمريكي زار الهند عام 1959، فمراجعة بسيطة لسجل هذه الزيارات تشير إلى أن الترحيب قد فاق كل ماسبق، وأن الحفاوة الشخصية من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي كانت تفوق أسلافه الهنود في
الاحتفاء بضيوفهم من الرؤساء الأمريكيين.



الواقع أن
تقاليد الترحيب الهندية تلعب دورًا ما في هذه الزيارات المهمة، فالأحضان غير
البروتوكولية التي استقبل بها مودي ضيفه الأمريكي تذكر الكثيرين بما قاله رئيس
الوزراء الهندي السابق جواهر لال نهرو، الذي نقلت عنه تقارير إخبارية قوله في وداع
ضيفه الأمريكي ايزنهاور "لقد رحل وأخذ معه قطعة من قلوبنا". وعلى الجانب
الآخر يأتي الحرص الأمريكي على تقوية الشراكة مع الهند مسألة مهمة لتعزيز التعاون
واستمرار التحالف مع قوة اقليمية كبرى صاعدة عالميًا للحفاظ على التحول الحاصل في
السياسة الخارجية الهندية منذ التخلي عن "عدم الانحياز"والتحول عن
التحالف مع الاتحاد السوفيتي السابق.



من هنا،
ربما أراد ترامب وضع بصمة مغايرة لأسلافه الجمهوريين في مسار العلاقات مع الهند،
التي لم يزرها ريجان ولا جورج بوش الاب، 
وتصحيح ذاكرة نيودلهي السياسية التي تحتفظ لرؤساء ديمقراطيين مثل بيل
كلينتون بمواقف تاريخية نجح خلالها في تصحيح مسار العلاقات بين البلدين بعد
العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على دلهي عقب اجراء تجاربها النووية عام 1999،
ومستأنفًا مسيرة الرؤساء الجمهوريين الذين ارتبط اسمهم بالعلاقات الامريكية
الهندية وفي مقدمتهم دوايت ايزنهاور وجورج بوش الابن، ومرسخًا للفكرة القائلة بأن "الكيمياء
الشخصية"تلعب دورًا بارزًا في توطيد العلاقات بين القوتين الكبيرتين، حيث
يحسب لرئيس الوزراء الهندي الحالي مودي تقوية علاقات بلاده مع الرئيس الأمريكي
السابق باراك اوباما حين دعاه كضيف شرف رئيسي لحضور احتفالات يوم الجمهورية عام 2015
ثم مواصلة النهج ذاته مع الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، الذي حظي خلال
زيارته الأخيرة التي استغرقت يومين  
باستقبال استثنائي، حيث شارك في تجمع حاشد تم تنظيمه في أكبر ملعب كريكت في
العالم وتم تدشينه بمناسبة الزيارة في مدينة أحمد آباد بمشاركة أكثر من مئة ألف
شخص ، تحت اسم "ناماستي ترامب" (تحية لترامب) ردًا على مهرجان مماثل
أقامه الرئيس الأميركي لرئيس الوزراء الهندي في هيوستن بولاية تكساس في سبتمبر
الماضي وحمل اسم "هاودي مودي" (تحية لمودي باللهجة المحلية)



الحقيقة
أن كلا البلدين، الولايات المتحدة والهند، بحاجة للآخر في قضايا وملفات استراتيجية
عدة، فالهند تحتاج إلى الدعم الأمريكي القوى في مواجهة التنظيمات المتطرفة، والضغط
على باكستان من أجل كبح جماح المتشددين في كشمير، أما الولايات المتحدة فتحتاج
للتعاون الاستراتيجي مع الهند في مواجهة الصعود الاستراتيجي المتسارع للصين وما
تعتبره ممارسات سلبية في بحر الصين الجنوبي.



الشواهد
تقول أن زيارة ترامب لم تشهد كثيرًا من السياسة، ولم تحمل مواقف لافتة على هذا
الصعيد، بل تمحورت كعادة ترامب حول "الصفقات"ويكفي أن الرئيس ترامب قد
صرح قبل الزيارة قائلًا  "لا نلقى
معاملة جيدة من الهند، لكن من حسن الصدف أنني أكنّ تقديرا كبيرا لرئيس الوزراء
مودي"، ويقصد هنا
السياسة الحمائية التي ينتهجها مودي والتي تشبه سياسات الرئيس ترامب، ولذا فإن
التركيز ظل خلال الزيارة على العقود والصفقات حيث لا تزال واشنطن مستاءة من شراء
الهند منظومة "إس 400"الصاروخية الروسية عام 2018 وغضها الطرف عن
نظيرتها  "باتريوت"الأمريكية،
ولكن المؤشرات تؤكد أن العناق الحار لم يثمر عن صفقات تجارية كبرى خلال الزيارة،
كما كان منتظرًا من اثنين من أكبر اقتصادات العالم، واقتصر الأمر على صفقة دفاعية
بحدود ثلاثة مليارات دولار، وخرجت الزيارة بوعد بإطلاق شراكة استراتيجية عالمية
شاملة من دون الكثير من التفاصيل حول مقوماتها وركائزها، ولم يغب عن المراقبين أن
اللقاءين الرسميين اللذين جمعا ترامب ومودي لم ينجحا في وضع اللمسات الأخيرة على
صفقة تجارية كبرى تعزز موقف الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالسوق
الهندية ذات المليار ونحو 400 مليون نسمة قادرة على جذب البضائغ والصناعات
الأمريكية بشكل أكبر مقابل السماح بدخول البضائع والمنتجات الهندية رخصية الثمن
كبديل او منافس للمنتجات الصينية، وهي نموذج لعقد الصفقات وتقوية علاقات المصالح
الاستراتيجية المتبادلة بين الدول كما يراها ترامب، ولكن يبدو أن الظروف لا تزال
غير مهيئة لتحقيق هذا الهدف.



وعلى أي
حال لم يعد ترامب إلى واشنطن خالي الوفاض بل فاز بترحيب حار من زعيم أكبر
ديمقراطية في العالم فضلًا عن ترحيب شعبي حاشد حظي به الرئيس الأمريكي وقرينته
ميلانيا، وكان ذلك واضحًا في خطاب ترامب حين "إلى مئات الآلاف من المواطنين
العاديين الذين اصطفوا في الشوارع، في إظهار رائع للثقافة والطيبة الهندية، وإلى
الـ125 ألفا في هذا الاستاد العظيم اليوم.. شكرا على الاستقبال المذهل"،
وأضاف: "لقد قدمتم شرفا عظيما للشعب الأميركي. أنا وميلانيا وعائلتي سنتذكر
دوما هذه الضيافة العظيمة"، والرسائل في هذا الخطاب ليست للهند فقط بل هي
بالأساس للداخل الأمريكي وجماعات الضغط المؤيدة للتحالف مع الهند في الولايات
المتحدة.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط