التنمر من مصابي فيروس كورونا والأطباء وطاقم التمريض الذي يتعامل مع المرضى أصبح ظاهرة داخل المجتمع يقوم به البعض ، الأمر الذي أثار غضب الكثيرين من العقلاء والنقاد بل أثار حفيظة المؤسالمؤسسسات الدينية على رأسها الأزهر الشريف وتحدث الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر وعبر عن رفضه لمظاهر التنمر والسخرية من مصابي فيروس كورونا المستجد وضحاياه، مؤكدًا أنه "لا يجوز أبدا ولا شرعًا ولا مروءة أن يسخر إنسان من إنسان آخر أصيب بهذا الوباء أو مات به أو يتنمر ضده، والواجب هو أن يدعوَ الإنسان لأخيه الإنسان، وأن يتضامن معه، وألا يسخر منه بكلمة أو نظرة أو فعل أو قول يؤذي المصاب ويؤذي أهله".
وأضاف فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، أنه "أحزنني كثيرًا كما أحزن جموع المصريين أن نرى بعض أبناء وطننا يرفضون استلام جثث ذويهم ممن ماتوا بهذا الوباء، أو دفنهم في مقابرهم، وهو أمر محرم شرعًا ومجرم أخلاقًا وإنسانية"، في إشارة إلى احتجاج عدد من أهالي إحدى القرى في مصر على دفن طبيبة توفت نتيجة الإصابة بفيروس كورونا.
وتابع شيخ الأزهر في كلمته، "كان على هؤلاء المسيئين أن يعلَموا -بل يتعلموا- أن للموت مهابة وجلالًا، وله عظة عملية بالغة يجب أن يستحضرها كل إنسان حين يطرق سمعه حديث عن الموت، أو كلما رأى جنازة ميت، وأن يتذكَر أن النبي كان يهب واقفًا حين تمر به جنازة، احترامًا للميت وإجلالًا لأول منزل من منازل الآخرة، كما يجب أن يعلم هؤلاء أنهم صائرون لا محـالة إلى نفس المصير، وعلى المسلمين أن يذكروا أن شريعة الإسلام تطالبهم بالإسراع في تجهيز الميت والتعجيلِ بدفنِه، وأن من إكرام الميت دفنَه والدعاءَ له والترحم عليه"، حسبما ورد في نص كلمته.
ودعا الدكتور أحمد الطيب، إلى "الالتزام الصارم بما تصدره الهيئات الصحية والجهات المختصة بشأن من يتوفون في ظروف استثنائية مثل ظروف الوباء الذي يضرب البلاد والعباد في هذه الأيام"، مشيرًا إلى أن "التجمهر في وجه جنازةِ الميت، ورفضَ دفنه في مقبرةِ بلده ومسقط رأسه هو انتهاك صريح وغير آدمي لحرمات الموتى التي تعارف عليها كل الناس شرقًا وغربًا، مؤمنين وغير مؤمنين".
واختتم شيخ الأزهر الشريف، والذي يعد أهم مؤسسة دينية إسلامية سنية في العالم، كلمته، بالتأكيد على أن "المصابين بهذا الوباء والمتضررين بسببِه هم جزء منا، وعلينا دعمهم ومعاونتهم، ولكل متوفى في هذه الأيامِ ولأهله علينا واجب تقديم كل الحقوق الشرعية والاجتماعيةِ، فالمصريون كلهم نسيج واحد وينتمون إلى تراب واحد".
دار الإفتاء
ومن جانبه تحدث الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية قائلا: "أن من أهم مظاهر تكريم الإنسان بعد خروج روحه التعجيلُ بتغسيله والصلاة عليه وتشييع جنازته ثم دفنه، وهذا ما أجمعت عليه أمة الإسلام منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
وشدد مفتي الجمهورية على أنه لا يجوز بحال من الأحوال ارتكاب الأفعال المُشينة من التنمر الذي يعاني منه مرضى الكورونا -شفاهم الله- أو التجمهر الذي يعاني منه أهل الميت -رحمه الله- عند دفنه، ولا يجوز اتباع الأساليب الغوغائية -كالاعتراض على دفن شهداء فيروس كورونا- التي لا تمتُّ إلى ديننا ولا إلى قيمنا ولا إلى أخلاقنا بأدنى صلة.
وأضاف أنه قد شاع على ألسنتنا جميعًا قول إمام السلف أيوب السختياني رضي الله عنه: (إكرام الميت دفنه) ويؤيده ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ).
وعلى ذلك فلا يجوز لأي إنسان أن يحرم أخاه الإنسان من هذا الحق الإلهي المتمثل في الدفن الذي قال الله فيه: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى}.
وأشار د. علام إلى أن المتوفى إذا كان قد لقي ربه متأثرًا بفيروس الكورونا فهو في حكم الشهيد عند الله تعالى لما وجد من ألم وتعب ومعاناة حتى لقي الله تعالى صابرًا محتسبا، فإذا كان المتوفى من الأطباء المرابطين الذين يواجهون الموت في كل لحظة ويضحون براحتهم بل بأرواحهم من أجل سلامة ونجاة غيرهم، فالامتنان والاحترام والتوقير في حقهم واجب والمسارعة بالتكريم لهم أوجب.
وأضاف المفتي أنه يجب على من حضر من المسلمين وجوبًا كفائيًّا أن يسارعوا بدفنه بالطريقة الشرعية المعهودة مع اتباع كافة الإجراءات والمعايير الصحية التي وضعتها الجهات المختصة لضمان أمن وسلامة المشرفين والحاضرين، وبما يضمن عدم انتشار الفيروس إلى منطقة الدفن والمناطق المجاورة.
ودعا مفتي الجمهورية جميع المصريين إلى أن يعملوا جميعًا على سد أبواب الفتن بعدم الاستماع إلى الشائعات المغرضة، وألا يستمعوا إلا لكلام أهل العلم والاختصاص، وأن يتناصحوا وأن يتراحموا وأن يتعاونوا على البر والتقوى، ولنكن كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا".
وفي الأوقاف
قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن أعضاء الهيئة الطبية ومعاوني الأطقم الطبية في حاجة إلى الدعم الشعبي والمعنوي في ظل التقدير الرسمي الذي أعطى فيه الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية نموذجًا عظيمًا برفع بدل العدوى وبدل أطباء الامتياز .
وأكد جمعة، في تصريح له ، أن أى حالة تنمر أو محاولة اعتداء على الطواقم الطبية ومعاونيها أو الأجهزة الطبية مهما كانت فردية ، سواء أنموذج إتلاف جهاز تنفس صناعي بإحدى المستشفيات من قبل أسرة إحدى المتوفيات بفيروس كورونا ، أم محاولة منع دفن طبيبة ، فإنها تصرفات شاذة وغريبة على ثقافة وحضارة الشعب المصري العظيم ، وبما يشكل نكرانًا للجميل وخيانة في حق الوطن .
وتابع وزير الأوقاف:"على عكس تعاليم ديننا التي تدعو إلى شكر الجميل ، حيث يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : " مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ " (رواه أبو داود) ، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) : " مَن أُولِي مَعروفًا فليَذكُره، فمَن ذكَره فقد شكَره " ( رواه الطبراني)