قالت دار الإفتاء المصرية، إن الله يغار على عباده ولا أحد أغير منه – سبحانه- عليهم، مستشهدًا بما رُوى عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود - رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ-: «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ».
وأضافت
« الإفتاء» في إجابتها عن سؤال: «هل يغار الله على عباده؟»، عبر موقعها الرسمي، أنه
في رواية: «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-،
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ
ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ،
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ»، متفق عليه.
وأوضحت
دار الإفتاء أن الله أنشأ خلقه لإظهار ربوبيته، ولبروز آثار قدرته، وتدبير حكمته، وليكون
ذكره ومدحه مُردَّدًا على القلوب، وعلى ألسنة الخلق والخليقة، لما علم في غيبه، فأنبأنا
في تنزيله؛ فقال جلّ ذكره: «وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»، [سورة الجاثية: الآية22]، فأعلمنا
لِمَ خَلَق، فقال: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، [سورة
الذاريات: 56الآية].
وأشارت
الإفتاء أن أهل اللغة قالوا: إلا ليوحِّدون، ومثل ذلك قوله –تعالى-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾
[سورة الفاتحة: الآية5] يعني: نوحد؛ لأن في توحيدهم إياه بأن لا إله إلا هو، إقرارٌ
له بالملك والقدرة، وإضافة الأشياء إليه.
وتابعت
دار الإفتاء: فهذه الكلمة تنتظم المدح، وأباح ذكره على كل حال، تقديمًا له على سائر
الحالات وأعمال البر، وحصر ما سواه من الأفعال في أوقات مخصوصة، مع ما ذكر في الكتاب،
وجرت به الأخبار عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم-، بتفصيل الذكر على سائر الطاعات؛
لأنَّ في الذِّكرِ مدحه.
اقرأ أيضًا:الإفتاء توضح حقيقة زوال كورونا مع ظهور نجم الثريا في شهر رمضان
ونبهت
أنه جاء عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم
-قال: «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ أَجْلِ
ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ»، وندب العباد في غير آية من كتابه إلى أن ينشروا ذكره، ويذكروا
عنه جميل صنائعه؛ فقال تعالى: «وَللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا»،
[سورة الأعراف: الآية 108]،
لافتةً: كلِّ
ذلك يحثُهم على مدحه وذكره بالجميل والثناء الحسن، وفي كل اسم له: مدحه وجميل ذكره.
وبينت
أن معنى الغيرة في حقِّ العباد في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم-: «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ
مِنَ اللهِ» تغيرٌ يحصل من الحَمِيَّة والأَنَفَةِ، وأصلُها في الزوجين والأهلين من
حيث الحميَّة على الحريم وصونهم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم، أما الغيرة بالنسبة إلى
الله تعالى فهو مؤولٌ على أنَّ المراد بالغيرة: شِدَّةُ المنع والحماية، فهو من مجاز
الملازمة.
وذكرت قول الإمام ابن فُورك: المعنى: ما أحدٌ أكثر
زجرًا عن الفواحش من الله، مبينًا: قال غيره: غيرةُ اللهِ ما يغير حال العاصي بانتقامه
منه في الدنيا والآخرة أو في أحدهما، ومنه قوله – تعالى-: «إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ
مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، [سورة الرعد: الآية 11].
ونوهت
أن هذه الغيرة فُسرت بقوله: «وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا
بَطَنَ»، وهذه هي حقيقة الغيرة؛ حيث إن أصلها اللغوي يعود إلى معنى المنع، فمن أجل
الغيرة وتبعا وصدى لها كان المنع من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
اقرأ أيضًا:زلزال.. دار الإفتاء تحذر من شائعة صرخة يوم الجمعة في 15 رمضان
وواصلت
أنه قد جاءت في حديث آخر مفسَّرًا، قال: «وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ
مَا حَرَّمَ اللهُ»، متَّفق عليه، لافتًا: لكنها في البشر يقترن بها تغير حال وصفات
بطش وانزعاج زائد على مجرد المنع؛ إذ هم محل التغيير واختلاف الحال، والله تعالى لا
يليق به شيء من ذلك.
واسترسلت أن قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-:
«لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» أي: إنه يحب
المدح من عباده ليثيبهم على مدحه الذي هو بمعنى الشكر للواحد الخالق فإذا كان الأشخاص
المذنبون القاصرون يحبون المدح فالذي يستحقه أولى تبارك وتعالى.
وألمحت أن الممدوح في أوصافه المحمود على أفعاله المنعم
على عباده، وإنما جاز المدح؛ لأنه يورث زيادة المحبة والألفة واجتماع القلوب وجمعية
الخاطر، وقال الإمام النووي: "ومدح العباد لربهم فيه مصلحة لهم؛ لأنهم يثنون عليه
سبحانه فيثيبهم فينتفعون به وهو سبحانه غنيٌّ عن العالمين لا ينفعه مدحهم ولا يضرُّه
تركهم مدحه سبحانه، وفي الحديث تنبيه على فضل الثناء عليه تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده
وتكبيره وسائر الأذكار".
وأردفت: أما قوله: «وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ
الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ»
فيحتمل أن يريد للإعذار والحجة، قال الله – تعالى-: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ [سورة المرسلات:
الآية 6] وكذلك قال بعده: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ»،
مختتمًا: يحتمل أن يريد به الاعتذار من خلقه إليهم؛ لعجزهم وتقصيرهم فيغفر لهم، كما
قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى: 25].
شاهد أيضًا:بشرى أم أكذوبة.. هل صح عن النبي زوال الفيروسات مع طلوع الثريا في شهر مايو؟