الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رمضان البيه: الدين المعاملة‎

صدى البلد

 قد يقصر الفهم لدى البعض عن حقيقة العبودية ومفهوم العبادة على أنها شعائر تؤدى ومناسك تؤتى، وفي الحقيقة أن مفهوم العبادة وحقيقة العبودية مفهوم أعمق بكثير من هذا الفهم السطحي، فحقيقة العبودية هي الطاعة الكاملة والولاء الكامل لله تعالى، ومقام العبد بين يديه سبحانه وتعالى في مقام الذل والانكسار والعجز والافتقار والعوز الكامل في كل ما يتعلق بأمر دنياه وآخراه والرجوع إليه عز وجل في كل شيء، والانقياد والتسليم له تعالى فيما أمر سبحانه وفيما نهى وفيما قضى وفيما قدر..

هذا بالنسبة لحقيقة العبودية، وأما عن مفهوم العبادة فهو مفهوم متسع فسيح لا يسعه المقال، فكل قول أو عمل أو فعل طيب يقصد به وجه الله تعالى فهو عبادة تأجر وتثاب عليها، من ذلك حبك للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وحب أهل بيته ومودتهم وحب الصحابة والأولياء والصالحين والأدب معهم، وتوقير أهل العلم وإجلالهم عبادة، وحسن النية والظن عبادة، وتحري مطعمك وأن يكون من حلال عبادة، والتزامك بأمر الله ونهيه وإقامة حدوده وإقامتك على منهجه وأداء للفرائض عبادة، صدقك في قولك ووعدك وحالك مع ربك عبادة، حسن معاملتك للزوجة وحسن تربيتك للأبناء والعدل والمساواة بينهم عبادة، إحسانك للجار وصلتك للأرحام عبادة، احترامك للكبير ورحمتك الصغير عبادة، تواضعك بين الناس وخفض جناحك لهم عبادة، عطفك على الأرملة واليتيم والفقير والمسكين عبادة، تبسمك في وجه أخيك وإدخالك السرور عليه عبادة، وإطعام الطعام وكسوة العريان وقضاء حاجة المحتاج وإغاثتك للملهوف عبادة، وزيارتك للمريض ومواساتك للمصاب وتشييعك للجنازة عبادة، جبرك لخواطر العباد والسعي في قضاء حوائجهم عبادة..

إحسانك للجار أيا كان دينه أو ملته، وتحملك لأذاه والصبر عليه عبادة، مقابلتك السيئة بالحسنة، وتحملك أذى الناس عبادة، إماطتك للأذى عن الطريق عبادة، وإخلاصك في العمل وإتقانه عبادة، أمانتك في عملك وبعدك عن الغش عبادة، تيسيرك على العباد في قضاء حوائجهم عبادة، والكلمة الطيبة التي تنطق بها وشهاداتك بالحق عبادة، غضك للبصر عن الأعراض والمحارم والعفة عن الحرام عبادة، إمساك لسانك عن قول الزور والغيبة والنميمة والقول الفحش البذيء عبادة، إصلاحك بين الناس والتقريب بينهم عبادة..

أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر وإخلاصك النصح للعباد عبادة، رحمتك بالخلق ورأفتك بهم وإلشفقة عليهم وأن تحب لهم ما تحبه لنفسك عبادة، وصبرك على الابتلاء ورضاك بالقضاء وشكرك على النعمة عبادة، وحبك للوطن وانتماؤك له والدفاع عنه وتنميته عبادة، وعمارتك للأرض وإحياؤها وعدم الإفساد فيها عبادة، وقناعتك يرزقك ورضاك بنصيبك وقسمتك عبادة، وحبك الخير للناس وترك الحسد والغيرة عبادة، وذكرك لله ودعاؤك ورجاؤك فضله تعالى وحسن الظن به سبحانه والاستقامة على أمره عبادة..

وقراءتك للقرآن وصلاتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وملازمتك للاستغفار وتسبيحك لله عبادة، هذا ويكمن في الذل لله العز الكامل وفي الافتقار إليه جل جلاله يكمن الغنى الكامل، ولا شرف يرقى شرف نسبة العبد إلى ربه مولاه بالعبودية، وعن ذلك الشرف يقول الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه: "كفى لي فخرا أن أكون لك عبدا، وكفى بي عزا أن تكون لي ربا، أنت لي كما أحب فوفقني إلى ما تحب"، هذا ولا قيمة للعبادات ولا قبول لها من الله إن لم تكن خالصة لوجه الله تعالى وإن لم تثمر حسن المعاملات فالدين المعاملة..أي حسن المعاملة..