قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

هل يأكل الشعب نفسه؟


دخل العنف في مصر مرحلة يصعب معها التكهن بالمستقبل القريب والبعيد على حد سواء، فمنذ تولي الرئيس الإخواني محمد مرسي وحتى الآن، ارتفع منسوب العنف ليجرى في الشارع كل ما يمكن تخيله من الجرائم، سرقة وخطف وانتهاك، وصفع وتعرية، وسحل واغتصاب، وتعذيب وقتل وتمثيل بالجثث وسحلها وحرقها، وغير ذلك مما لم يكن أحد يتخيل حدوثه.

المأساة لا تتوقف عند وقوع هذه الجرائم وغيرها، لكن تمتد إلى أن النظام القائم الذي أصبح بمثابة الوازع التحفيزي والتحريضي لوقوع المزيد من الجرائم، حيث يساهم بفشله وتخبط زبانيته الداعمين والمتواطئين معه في خلقها وإكسابها مقومات الاستمرار، وأن الآثار النفسية والاجتماعية التي طالت كافة شرائح وفئات المجتمع جراء وقوعها، قد رسخت الانقسام بين أفراد الشعب ووسعت دائرة التشوه والانفلات وشيوع العنف بينهم.

وإذا كانت مأساوية القتل والتعذيب حتى الموت، تمت بعيدا عن عيون الكاميرات، ومن ثم لم يتح للمواطن التعرف على تفاصيلها إلا من خلال إدلاء شهود العيان أو الأهل بها للصحف والفضائيات، فإن مأساوية العري والسحل والانتهاك نقل أغلبها على الهواء مباشرة أو عبر الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو، ونذكر ما جرى أمام قصر الاتحادية من اعتداء مليشيات اليمين المتطرف على مظاهرات 24 أغسطس وفضها للاعتصام السلمي المناهض للإعلان الدستوري، وعمليات التحرش التي تمت بشكل ممنهج لكثير من الفتيات في الذكرى الثانية للثورة بميدان التحرير، وتعرية رجل وسحله أمام القصر الرئاسي في تظاهرة رفض الدستور، وطلقات رصاص من قناصة تقتل 46 شابا في بورسعيد، وصفع فتاة على وجهها وسحل شباب أمام مكتب الإرشاد بالمقطم أثناء احتفالية لرسم جرافيكي على أرض الشارع المقابل لمكتب الإرشاد، إلى آخر تلك الجرائم التي يصعب حصرها وسقط فيها عشرات القتلى وآلاف المصابين.

أعلى النظام الإخواني قيم القمع والإرهاب باحتضانه القتلة والإرهابيين واستخدامهم قوة تهديد ووعيد وقمع، فسعى هؤلاء إلى تكوين وإعداد وتجهيز المليشيات دفاعا عنه، تتحرك في مواجهة أي محاولة تستهدف تقويم وتصحيح مسار النظام، وتقدموا بمقترحات لقوانين وتشريعات تسمح لهم بالعمل بشكل رسمي وطالبوا بتشريعات، ولكونهم مطمئنين لتأييد النظام باعتباره جزءا منهم، وأن أحدا لن يحاسبهم على جرائمهم، دفعوا بمليشياتهم جنبا إلى جنب قوات الشرطة لحصار وفض التظاهرات والاشتباك مع المعارضين، لتسقط الدماء وتسقط معها الدولة، ويصبح المجتمع أمام كارثة إنسانية تتمثل في هدم الثوابت والقيم الوطنية والحضارية من جهة، ومن جهة أخرى هدم البنية النفسية والاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية للمواطن.

وبناء عليه تحولت مصر إلى غابة تأكل فيها السلطة ممثلة في الحاكم وأجهزته الأمنية ومليشيات جماعته وحلفائها الشعب، ويأكل فيها الشعب ـ مغلوبا على أمره ـ بعضه بعضا، فالسلطة لم تهن القانون والقضاء والإعلام والاقتصاد وتسقط هيبتهم فقط، بل ودفعت بالأجهزة الأمنية والشرطية لمواجهة النشطاء وملاحقتهم، ورفعت سيف الكفر وإحلال الدم لرموز المعارضة، وأشاعت روح الانتقام وتصفية الحسابات داخليا وخارجيا تحت شعار "من ليس معنا فهو ضدنا"، مما ترتب عليه هدم البنيان الاقتصادي القائم على السياحة والاستثمار العربي والأجنبي.

أشعلت السلطة في نظر المواطن حرائق الفوضى والانفلات في كل الطرق والسبل التي من شأنها أن تكفل الاستقرار والأمن والأمان له، في سبيل تمكين كوادرها والقبض على مداخل ومخارج الدولة، ضاربة عرض الحائط بالقيم والثوابت الوطنية وفقا لشعار "طظ في مصر"، فما كان من هذا المواطن إلا أن فعل فعلها، فقد وصل إلى نتيجة مؤداها أن البلد خربت، تقطع السلطة الطرق على الاستثمار وتتحفظ على أموال المستثمرين، وهو بدوره يقطع الطريق لينهب أو ليخطف أو ليحتج ويتظاهر، هي تلجأ للعنف في مواجهة مطالبه في حياة عادلة، وهو يلجأ للعنف بحثا عن تحققها، هي تسحل وتخطف وتقتل معارضيها، وهو يقتل ويسحل ويمثل بجثث مهدديه.

ليسا منفصلين السلطة والشعب، إذا استقامت الأولى استقام الثاني، وإذا فشلت فشل، وما ترتكبه السلطة من جرائم، يرتكبه الشعب الآن ضدها وضد نفسه، انتقاما منها لأنها خيبت آماله وحطمت أحلامه في الاستقرار والعدالة، وضد نفسه لاستشعاره بالضعف وعدم القدرة على حماية ممتلكاته وأهله ونفسه من فوضاها، وعلى رأي المثل مع كامل احترامنا "مقدرش على الحمار، اتشطر على البردعة" والذي يقال لمن لم يقدر على أعدائه الأقوياء، فاتجه إلى أخوته الأضعف من أعدائه ليكفرهم ويقف ضدهم.

هكذا يراقب المرء تحولات الشعب المصري بكثير من الخوف والفزع والحذر، فإذا كان خلال 7 أشهر من حكم الإخواني امتدت التظاهرات والاحتجاجات لتشمل كل مدن مصر وكل فئات المجتمع، قتل ما يزيد عن الـ 100 من مختلف الأعمار، وقعت ما بين أربع وخمس حوادث قتل وسحل وحرق جثث القتلى، وعشرات من عمليات خطف الفتيات والأطفال، وعشرات من عمليات سرقة السيارات وطلب مبالغ مالية، فماذا يمكن أن يجري غدا؟ ماذا لو فشل المصريون في إسقاط هذا الحكم الفاشل الفاشي؟ هل يستكينون ويبدأون في أكل وقتل وسلخ بعضهم بعضا؟

إن دعوات الشعب التي انطلقت في كل مكان مطالبة الجيش بالتدخل لإنقاذه وإنقاذ البلاد من الخرب، لم تأت من فراغ، لكن من حدس قوي بالنوايا الخبيثة للحكم الإخواني، وتنبؤ تؤكده المؤشرات أن استمراره يزيد يوما بعد الآخر من تقويض أركان البلاد والعباد، وأن النهاية المفجعة للانهيار بدأت تلوح في الأفق. لكن مما يؤسف له أن جيشه يتعامل مع الأمر بتهاون واستهانة، ولا يعبأ بالنداءات والدعوات، وهو ما سوف يترتب عليه ـ قريبا ـ فقدان للثقة فيه، وعندها تحدث الطامة الكبرى.