الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جلسات الحظ.. «السمسمية».. فن وتراث في أفراح الغردقة.. الرشندي يكشف أساطيره وأهم نجومه

صدى البلد

تتشابه غالبية الأفراح وحفلات الزواج فى مدن محافظة البحر الأحمر وما يقدم فيها من فنون مع بعض الاختلافات حسب ثقافة كل فصيل، مع وجود تشابه أيضا مع نظيرتها فى مدن شمال الجزيرة العربية وجنوب سيناء، لوجود العامل المشترك بينهم وهى (جلسات الحظ) التى تقام على أنغام آلتى (السمسمية والعود)، ففى مدينة الغردقة مثلا قد لا تخلو أفراحها من هذه الجلسات المستوحى أغلب أغانيها وأنغامها من التراث اليمنى الأصيل بكلمات المحببة وإيقاعه المتميز الذى يسرى فى عروق مستمعيه لدرجة تعرض البعض لحالات من الإغماء شبيهة بالصرع نتيجة التركيز العميق فى معانى الكلمات الممتزجة بحلاوة وجمال النغم، مما يجعل عازف السمسمية يمتنع عن عزف المقاطع والأغانى ذات التأثير القوى فى وجود الأشخاص الذين يتأثرون سريعا ويسمونهم (أصحاب النجم الخفيف) حتى لايتعرضون لمثل لهذه الحالات.

يقول المؤرخ صالح سليمان الرشندى أحد أبناء البحر الأحمر، بالإضافة إلى الفن الينبعاوى الذى يعشق سماعه الشباب والكبار وانتشر بشكل واسع فى الآونة الأخيرة بعد اهتمام الفرق الغنائية التى روجت لهذا اللون من الغناء الجماعى، فالغناء والرقص  والآلات المستخدمة يغلب عليها الطابع العربى الأصيل، يعزف على أوتارهما عازفين محليين لأشهر المغنيين الخليجيين مثل (محمد عبده– طلال المداح – عبد الكريم عبد القادر .... وغيره)، وتعتبر السمسمية آلة شعبية بدائية الصنع قام بصناعتها سكان سواحل البحر الأحمر وأدخلوا عليها بعض التعديلات فى الشكل والزينة مع زيادة فى أعداد أوتارها التى بدأت بعدد أصابع اليد الواحدة إلى أن وصلت إلى عشرون وترا كلها مصنوعة من نوع من الأسلاك الحديدية الرفيعة التى تستخدم فى كابلات التليفونات، ويصاحب هاتين الآلتين "الطار والمرواس" لضبط الإيقاع المصنوعتين من جلد الماعز، بالإضافة إلى "الجركن" صاحب الصوت المميز المصنوع من الصاج. 
  
ويضيف الرشندى يقدم هذا اللون من الغناء فى مدن محافظة البحر الأحمر وجنوب سيناء على شكل جلسات طرب تتميز أغانيها الجماعية الجميلة بكلماتها المنتقاة النابعة من تراث البحارة، والتى تحكى عن الصيد والبحر والبحارة، يتخللها فقرات تمثيلية وراقصة يقدمها البحارة تحاكى تفاصيل من عمليات الصيد مثل (جر المجداف والمطرحة) التى وصلت بهم إلى إحضار مركب حقيقى صغير يسمى "الهورى" حملة الشباب على الأكتاف ودخلوا بة إلى منتصف قعدة الحظ "الحانة" وعلى متنه اثنين من البحارة وفى أيديهم شبكة تسمى (المخدجة أو الطراحة) يقومون بإلقائها ثم سحبها فى مشهد تمثيلى لعملية صيد أسماك (اللقطة والسردين والكشكوشة)، مع قيامهم بالتجديف ويقوم أحدهم بالغناء ويردد خلفة الآخر: (ليحى ياليحى .. ليحى ياليحى - ثوبى شليحى .. ثوبى شليحى - ثوبى تقطع .. ثوبى تقطع - وذابت ردونة .. وذابت ردونة - قولو لاهيلى .. قولو لاهيلى - يالى تيجونة .. يالى تيجونة - ثوبى تقطع .. ثوبى تقطع - وذابت ردونة .. وذابت ردونة)، وعندها يشتعل الحماس بين الحاضرين ويقوموا بضرب الكف المنظم الذى يسمى (الخمس) ليكون مدويا فى أرجاء المنطقة معلنا أن هناك (حظ حابك ومولع) كما يصفه الشباب.


وتابع الرشندى فى فقرة أخرى من "التمثيل الصامت" يقوم أحد البحارة بالتجهيز لعملية الصيد وكأنة يمسك بيدة الخيط والسنارة ويضع الطعم ثم يلقى بة فى الماء مع محاكاة لحظة إبتلاع السمكة للطعم  وإحساس الصياد بها وقيامة "بلكع" السمكة أو شد الخيط بقوة حتى تتمكن منها السنارة متخيلا أنها سمكة "البهار" القوية العنيدة، ثم يبين مدى مقاومتها الشديدة لة بحركات الأيدى والتمايل يمينا ويسارا يسحبها تارة وهى تسحبة تارة أخرى، وعند شعورة بإستسلامها وبفرض سيطرتة عليها يقوم بسحبها بسرعة فائقة عندها يخرج هذا المؤدى عن صمتة ويبدأ فى الغناء لهذه السمكة حيث يقول: (يا بهارة والللجلب صادك .... والله يابهارة وأنا صيادك) ويردد خلفة الحاضرين فى حماسة منقطعة النظير، حتى ينتهى أمر هذه السمكة فى بطن المركب وتنتهى الفقرة بمشاركة جميع الحاضرين بالخمس وتكرارة عدة مرات متتالية.

وأوضح مؤرخ البحر الأحمر تأتى فقرات أخرى كوميدية متنوعة منها ما كان يقدمه عم "ملك" وهى فقرة "الموتوسيكل" التى كان يتميز بها ويطلبها منه الجمهور فور وصوله الحظ ودخوله إلى الحانة، فيلبى طلبهم على الفور ويقوم بعمل مشهد تمثيلى بعد أن يشمر عن جلبابه إلى أعلى المنتصف ويحزم وسطه بالعمامة، ويتخيل أنه يقوم بإدارة محرك الموتوسيكل الذى يأبى أن يدور محاولا ذلك عدة مرات، مع تقليد صوته عندما يدور وينطفئ وذلك بصوت مطابق لصوت الموتوسيكل، ثم فجأة يتوقف العزف ويصمت الحاضرون ويقوم عم ملك بالتحدث إلى الموتوسيكل ويحاوره ويترجاه أن ينطق ويدور وهو يندب حظه العاثر الذى أوقعه مع هذا الموتوسيكل الخرب، وبعد عدة محاولات لاتخلو من الحركات المضحكة، تنتهى هذه الفقرة بإدارة هذا المحرك العنيد، ثم يقوم بالركوب الوهمى على متنه والانطلاق به خارج الحانة بطريقة كوميدية تسعد الحاضرين وسط تصفيق الجميع ويختم بالخمس.

وأضاف "الرشندى" من نجوم هذه الجلسات عم "سحلان" وفقرته المميزة التى يلبس فيها الثوب النسائى بألوان الزاهية ويغطى وجهه بالإشارب الأسود ويقوم بالرقص متقمصا دور الغوازى والراقصات المشهورات بطريقة كوميدية  تسعد جموع الحاضرين. 

وتقدّم أيضًا على أنغام العود والسمسمية ألوان مختلفة من الغناء مثل أغانى الحب والهجر ووصف الحبيب وقصائد الغزل والمواويل التى لاتخلو من الموضوعات الشيقة التى تروق لجمهور الحاضرين. 

وتتناول المواقف الطريفة المضحكة والمحرجة التى تحدث بين الزوج وزوجته وخصوصا إذا كان هذا الزوج متزوج من زوجتين، وتظل دائما "حانة" جلسات الطرب عامرة ومشتعلة حتى طلوع الفجر، بفضل عازفين ومغنيين كثر سطع نجمهم على مدار الخمسون عاما الماضية، ومن شدة حبهم للسمسمية كانوا يصطحبونها معهم فى رحلات الصيد الطويلة (العزبة) إلى السودان وجزر اليمن عبر المراكب الشراعية (القطاير) التى تستغرق عدة شهور، لتهون عليهم عناء الصيد وشعورهم بالغربة، ونذكر من هؤلاء العمالقة: عائلة حسين المويلحى وأبنائه (الحج مرجان و محمد وأحمد وعيد) والأحفاد (ممدوح ومحسن وعيد وفهد)، وجمعة الزراع وأبنائه (بريك ومحمد وأحمد)، وأيضا حربى الرشندى وسليمان براك العبسى وسيد زارع الطورى ..... وغيرهم كثيرون، يعزفون ويغنون مشاركة منهم ومجاملة لأهل العرس دون مقابل مما يزيد من تقديرهم وإحترامهم وهم جديرون بذلك فعلا، كما أن شخصياتهم القوية جعلتهم قدوة لكثير من الشباب لكونهم نجوم وهم فعلا نجوم، يهتمون حتى بمظهرهم الخارجى من الثياب البيضاء النظيفة و(العمامة أو الغترة) وبعضهم يضع الحناء فى يدية للزينة ولتخشين كفة اليد حتى لايؤلمهم ضرب الخمس المتكرر، ويتميزون أيضا بحضورهم وصفاء ذهنهم الملم بكل تفاصيل هذا اللون المحبوب من الفن، وساعد كل هذا فى زيادة أعداد المعجبين بهذه الجلسات وبأغانيها التراثية الجميلة، وفى السنوات الأخيرة أضاف العازفين الجدد من الشباب آلة (الأورج) إلى هذه الجلسات، وأصبح لهم جمهور كبير شديد الحرص على الحضور والمشاركة فى الفعاليات ومرافقة الفرق التى أنشأت مؤخرا أينما ذهبت حتى خارج حدود المحافظة، وهى فرقة "عيد رزق الله" فى الطور وفرقة "عاشور" فى الغردقة.

وكشف "الرشندي" لم تسلم السمسمية من الخرافات وحامت حولها بعض الشبهات كونها تسبب فقدان العقل والجنون لمن يعزف عليها وحيدا دون رفقة أحد، وكان يقال أن السمسمية "نطقت" على يد العازف فلان، فلا أدرى هل يقصد بهذا التشبيه تطابق النغمة للكلمات لدرجة إعتقاد المستمع أنها تتحدث وتنطق كلمات؟ أم هى خرافة يقصد بها النطق الفعلى وخروج صوت بدلا من نغمة؟ ومن ضمن الخرافات أيضا كان يقال من يريد أن يجيد العزف على السمسمية يجب أن يذهب إلى المقابر فى الليل الدامس ويعزف عليها دون مصاحبة أحد، فيتعلم العزف فى الحال وكأنة يعزف منذ سنين وكانت تقام كل هذه المراسم الخاصة بالعرس فى أحياء مدينة الغردقة فى العراء بجوار بيت أهل العريس قبل ظهور قاعات الأفراح وتجار تأجير الفراشة المتخصصين فى إقامة السرادقات، وكانوا يكتفون فقط بعمل "دروة" من قماش أشرعة مراكب الصيد وقطع المشمع لحجب النساء عن الرجال، وذلك ليقمن إحتفالاتهن بالعرس بطريقتهن الخاصة التى تعتمد فى المقام الأول على الرقص والغناء للفنانات الشعبيات مثل "ليلى نظمى" وأغانيها المحببة إلى قلوب النساء التى تقول فيها:
ماقلتلك ماتخدهاشى .... لييييلى .... عمل كبير ولاسبهاشى .... لييييلى
لمى رجع ولاسماشى ياعييينى لأجيبلك حاجة حللللوة.
وأيضا اغنيتها: إدلع ياعريس يابو لاسة نايلون ... إدلع ياعريس وعروستك نايلون. 
وأحيانا تقوم بعض النساء بتأليف وتغيير بعض كلمات الأغانى المشهورة لتتماشى مع ثقافتهن وبيئتهن، وعلى سبيل المثال أغنية "عرباوى" للفنان "محمد رشدى" لتصبح كلماتها الجديدة: 
والة  يا و الة  ياعراباوى .... صايع يا والة وبتاع قهاوى.
قاعد على القهوة يشوحلى . ياوالة ... وكلام الناس بيجرحنى . ياوالة
إكتب عليا وريحنى ياعرباوى.

ونأتى إلى إحدى الفقرات الجميلة التى تقوم بتقديمها إحدى السيدات، حيث تلبس الجلباب الرجالى وتلف على رأسها العمامة وفى يدها العصا مع وضع "شنب" مستعار من شعر الغنم التى ذبحت لوليمة العرس، وتتم كل هذه التجهيزات فى سرية تامة لتوفير عنصر المفاجأة للحاضرات وهو أهم شيىء فى الفقرة، ثم تتقمص شخصية الرجل وتدخل فجأة على الحاضرات اللائى تتفاوت ردات أفعالهن، معتقدات أنه رجل حقيقى إقتحم عليهن خصوصيتهن، فمنهن من تقوم بالصراخ وتغطية وجهها، ومن تقوم بالجرى إلى الخارج، كما لو كان مشهد من برنامج الكاميرا الخفية، وتبدأ هذه السيدة بالرقص بطريقة كوميدية مضحكة تقلد فيها حركات الرجل وسط هرج ومرج وضحكات النساء والأطفال الهستيرية المصاحبة بالصراخ مع التصفيق المتواصل المتناسق على إيقاع الطبلة هذا بالنسبة للأفراح بشكل عام.