قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حسين القاضي يكتب: حول كتاب «الاستعلاء بالإيمان» للباحث شعيب حبيلة



بنى سيد قطب أفكاره التي ذكرها في "الظلال" و"معالم في الطريق" على لغة أدبية عالية، لكنها بعيدة عن التحرير المعرفي الدقيق، فكان أن ألصق بدين الله مفاهيم حائرة مضطربة ومغلوطة، حتى خرجت من وراء هذا أجيال وضعت لأنفسها أصولا ونظريات كفَّرت المجتمع، وأسالت الدماء، ووقفت موضع العداء من الوطن، بسبب كلام سيد قطب ونظرياته، فالتبس الأمر على الناس، وتحير العقل، وتلاطمت الأمواج بالأمتين العربية والإسلامية، وكان الغالب على الذين استمدوا هذه الأفكار أن حركتهم المشاعر والعواطف والحماس، مع افتقار شديد في أدوات الفهم والاستنباط.
مؤسسة طابة التي يرأسها الأستاذ الكبير والعالم الجليل الحبيب علي الجفري أخذت على عاتقها في مبادرة "سند" الاعتناء بإزالة الغشاوة عن الناس من خلال تصحيح المفاهيم بصورة علمية جادة، فكان من هذه المبادرات كتاب (الاستعلاء بالإيمان.. دراسة تاريخية نقدية) للباحث الأستاذ شعيب حبيلة، الباحث بجامعة محمد الصديق بن يحيى بالجزائر، وقد شرفت بالمشاركة عبر تطبيق "زووم" لمناقشة الباحث مع آخرين في صالون أداره الباحث الأستاذ عبد الله الجفري.
تناول الباحث في كتابه كيف أن سيد قطب اخترع معنى جديدا للاستعلاء شذ به عما أجمع عليه العلماء، فالاستعلاء الذي في القرآن هو الغلبة في الحرب، والاستعلاء المحمود هو طلب السمو والتسامي الفهم والعلم والتفوق والعمل، أما عند سيد قطب فالاستعلاء يتحول عنده من معنى لغوي إلى معنى عقدي ومركب إضافي هو (الاستعلاء بالإيمان)، حتى إنه ليقول في الظلال: (أنتم الأوصياء على هذه البشرية كلها، والهداة لهذه البشرية كلها، وهم شاردون عن النهج، ضآلون عن الطريق، ومكانكم في الأرض أعلى....حتى قال : لكم العقبى بعد الجهاد والابتلاء والتمحيص).
يعلق الباحث قائلا: وما قاله سيد قطب "...فأنتم أوصياء على البشرية كلها" هي نتيجة ينقضها القرآن الكريم الذي نفى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون وكيلا على الناس فقال: (وكذَّب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل)، وقوله (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر).
وقد استحضر سيد قطب مفهوم الاستعلاء بالإيمان ليدعم به مفاهيمه الخاطئة للحاكمية وجاهلية المجتمع، وتحدث عن إيمان مناف تماما ومختلف عن الإيمان الذي يعتقده الناس، حتى إن الناس اليوم إذا ذُكر لهم الاستعلاء صرفوه إلى معان سلبية شديدة الخطورة.
والأمر في قضية "الاستعلاء بالإيمان" لم يقف عند سيد قطب وحده، بل إن مقولاته تلقفها آخرون ممن ينتمون لهذه التيارات، وقالوا بها، لا عن طريق التأصيل والتحليل إنما عن طريق التسويق والاستئناس حتى يكثر الناقلون لهذا الكلام والناشرون له، وهنا ينتقل هذا التأويل المنحرف من كتاب أو كتابين إلى عدة كتب، فينتشر المعنى في عقول الناس، وممن قال بهذه المعاني -مشيا على منهج سيد قطب- ذكر الباحث كلا من زهير الخالد، ومحمد قطب، وعبد الرحمن عبد الخالق، وصلاح الخالدي وغيرهم.
إن فكرة الاستعلاء بالإيمان لها أثر شديد الخطورة على الفرد والمجتمع، حين يظن الفرد أنه وحدة صاحب الحق، وأنه وحده الملتزم بالدين، وأن وحده الداعي إلى الله، وأنه وحده الذي يتبع سنة السلف، وأنه وحده البعيد عن المعاصي والشرور، فيتعالى على الناس ويصطدم معهم، ويظن في نفسه الخيرية ومن ثَمَّ يقوم بتجهيل أو تكفير المجتمع بعبارات صريحة أو غير صريحة.
وقد أجاد صاحب البحث حين لفت النظر إلى الآثار النفسية السيئة المترتبة على فكرة الاستعلاء بالإيمان، وأضاف إليها استعلاء النخبة والمثقفين والأفراد، صحيح أنها أنواع لم تركن إلى تأويلات منحرفة للنصوص القرآنية كما فعل سيد قطب وأتباعه، لكنها في كل الأحوال موجودة.
والحاصل أن الباحث كان موفقا في تناول الفكرة بطريقة علمية متزنة مقنعة، بعيدا عن الكتابات الحماسية، وبذل جهدا كبيرا في كتابه بغرض القيام بواجب الوقت في صيانة القرآن عما التصق به من المفاهيم المنحرفة، إلا أنه عليه بعض الملاحظات مثل أن يأتي ببحث مستقل خاص بالمعنى المحمود للاستعلاء الذي هو طلب الفهم والسمو والتسامي، مع وضع جدول يبين فيه كيف أن قطب بمفهومه هذا كان يقف منفردا وحيدا مناقضا لما قاله علماء الإسلام في تفسير "وأنتم الأعلون"، مع لمحة عن التأصيل التاريخي للفكرة التي بدأها الخوارج القدامى.