الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: ومن لا يعشق الوطن ليس جديرا بالحياة

صدى البلد

في ظلِ كورونا التي تنتشر يوميًا من دون أن تراعي البشر ومشاريعهم وآمالهم وحتى آلامهم، هي هكذا لها مسار معين تسير فيه حتى تصل مبتغاها، بغض النظر عما إذا كانت من صنع الطبيعة أو كانت من صنع المختبرات وتدخل الانسان في جيناتها. ومن ناحية ثانية انتشار الفوضى التي لا يقل خطرًا عن كورونا وما خلفته من دمار وخراب وتهجير وقتل ونحر بحق العباد والبلاد في المنطقة. كل ذلك يحتم علينا إعادة التفكير بما نحن مقبلون عليه أو ما يخبئه لنا المستقبل وماذا علينا أن نفعل وكيف نتخذ تدابيرنا. خاصة أن القائمين على نشر هذه الفوضى لهم أجنداتهم الخاصة في تدمير المنطقة لإعادة تشكيلها من جديد وفق ما يُقال.


توجه أردوغان إلى ليبيا وبهذه القوة ومن دون أن يحسب لأي أحد حسابا وكأن العمى قد أصابه، يثبت لنا ومن دون أي شك أن تحركاته في المنطقة عمومًا لها أهداف أبعد مما يصرح به علانية. خاصة أنه حينما يتكلم عن النفط والغاز الليبي فيقينًا أن الأجندات التي ينفذها أبعد من هذه التصريحات بكل تأكيد، وهي مرتبطة بقوى دولية هي التي تعطي الضوء الأخضر لأردوغان كي يتكلم بهذه اللغة المتعجرفة والاستعلائية.


بعد ما دمر سوريا والآن العراق من خلال هجماته عليها يحاول نقل نفس التجربة إلى ليبيا ويعيث فيها خرابًا وفسادًا وقتلًا وتدميرًا، وهذا ما رأيناه خلال الأيام الماضية وكيف أن المرتزقة الذين جلبهم من سوريا وكذلك الإرهابيين قاموا بعمليات القتل وحرق المنازل وسرقتها وكأن ما فعلوه في سوريا لم يشبع فجورهم. عملية سورنة ليبيا من خلال نقل التجربة إليها من خلال هؤلاء المرتزقة، يسعى فيها أردوغان لترهيب الشعوب وكل من يقف ضد مشاريعه وأجنداته في المنطقة.


لكن تبقى المشكلة الأساسية ليست في وحشية واستبدادية أردوغان ومرتزقته والإرهابيين الذين معه، بل في الذين يساندونهم على احتلال وطنهم ويتغنون بأردوغان ليلًا ونهارًا وكأنه الخليفة الذي سيجلب لهم ما يتمنون من دولة إسلامية. هذا الرهط من الناس هم أخطر بكثير من أردوغان لأنهم مستعدون أن يبيعوا كل شيء من أجل منافعهم الشخصية أو من أجل كيدٍ يحملونه في صدورهم. إلى هذه الدرجة وصل الحال ببعض الشخوص الذين يتمنون الآن قبل أي وقت أن يصلي أردوغان في طرابلس كما أراد أن يصلي قبل ذلك في دمشق.


طبعًا دمشق كانت عصية عليه في أن يصلي فيها والسبب بكل تأكيد معروف هو أن عمر دمشق أكبر وأقدم بكثير من أردوغان وخلافته العثمانية البائدة التي يسعى لاسترجاعها. لأن دمشق تعني التاريخ والحضارة والإنسانية وفيها لا يمكن لشخص منافق ومستبد وديكتاتور أن يدوسها. كذلك ليبيا ستكون عصية عليه ومرتزقته من الليبيين الذين راحوا يفرحون في دخول العدو لديارهم. 


هذه الحثالة من البشر لا يمكن لها أن تعرف معنى الوطن والوطنية ولا حتى الحياة. لأن معرفة الحقيقة والسعي وراءها يلزمها انسان عاشق لها، ومن لا يمتلك العشق لا يمكن له أن يتلمس ظل الحقيقة وبنفس الوقت الوطن. لأن الوطن هو الحياة بحدِ ذاتها ومن لا يعرف قيمة الحياة ومعناها لا يمكنه أبدًا معرفة معنى الوطن والانتماء للوطن. مقاربة ديالكتيكية لا يمكن فصلها عن بعضها البعض مطلقًا، لأن من لا يعشق الوطن فإنه بكل تأكيد ليس جديرًا بأن يحيا في ظل هذا الوطن. فالحقيقة والوطن والحياة والعشق كلها معان مرتبطة ببعضها البعض ولا يمكن فصلها مطلقًا. فكما يقول أوجلان؛ "الحقيقية عشق والعشق حياة والوطن هو الحياة، ومن لا يعشق الوطن ليس جديرًا بهذه الحياة".


وهناك الكثير من أبناء وطننا سوريا مع كل أسف بعدما باعوا الثورة والوطن بأبخس الأثمان لاردوغان، نراهم الآن يأتون إلى ليبيا وليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل، بل هو الانحطاط  وقلة الكرامة يريدون فرضها على من يدافع عن وطنه وعشقه في الحياة. إنهم عبيد بكل معنى الكلمة لسيدهم أردوغان الذي هو أيضًا عبد عند القوى المهيمنة العالمية وينفذ ما يُطلب منه. فصدق أفلاطون حينما قال: "لو أمطرت السماء حرية، لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات". وهذا ما ينطبق على المرتزقة السوريين الذين باعوا وطنهم وشعبهم لأردوغان بسعر بخس ونفس الأمر على الليبيين الذين ساعدوا أردوغان على احتلال ليبيا، فكِلاهما عبيد لا يفقهون معنى الوطن ولا الحياة ولا العشق. والسبب لأنهم عبيد وهذه المصطلحات غريبة عليهم ويحاربونها بكل وحشية.