الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"عباد الله المُخلَصين" .. من هم وما أبرز صفاتهم؟

عباد الله المُخلَصين
عباد الله المُخلَصين .. من هم وما أبرز صفاتهم؟

"عباد الله المُخلَصين" هم الذين أخلصهم الله - تعالى-، واصطفاهم، واختارهم لطاعته، أما المُخلِصون فهم الذين أخلصوا لله -تعالى- في أعمالهم فعبدوه عبادةً خالصةً، ووردت كلمة المُخلَصين بفتح اللام في مواضع عديدةٍ من كتاب الله، فالله -سبحانه- يستخلص من عباده المؤمنين أُناسًا قد اجتمعت فيهم صفات الكمال والتَّقوى، منهم أنبياؤه -عليهم الصلاة والسلام- ومنهم المؤمنون عمومًا، ومن ذلك نستنتج وجود درجةٍ أعلى من درجة الإخلاص، وهي الدرجة التي يتحول المسلم فيها من رتبة المخلصين إلى رُتبة عباد الله المُخلَصين، وهذه درجةُ لا يصلها إلا القليل من المسلمين.




صفات عباد الله المُخلَصين: 

عباد الله المُخلَصين خصهم الله بميِّزاتٍ ذكرها الله في القرآن الكريم، وذكرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سنته الشريفة، وهي:

1. الحرص على أعمال الخلوة والخبيئة الصالحة بينهم وبين الله. 

2. دوام تزكيتهم أنفسهم، ومجاهدتها على موافقة الحقِّ واتباعه. 

3. متفانون في محبة الله، والإخلاص له، والخضوع لجلاله في عبادتهم وطاعتهم. 

4. صدورهم نقيةٌ فارغةٌ من أيِّ حقد.

5. يتصفون بالتقوى ومراقبة ما يرضي الله - تعالى-، ويُجنبون أنفسهم العذاب وأسبابه.

6. مُختارون، وهم أخيارٌ، حيث أخلصهم الله، واختارهم، واصطفاهم لعبادته ودعوته وولايته.

7. ملتزمون بالفِطرة الصادقة، وسلامة القلب وطهارته واستقامته في استنكار كلِ ما تنفر منه الفطرة من تصورٍ أو سلوك.

8.لا يُفتنون ولا يُضَلُّون؛ لأنهم من عباد الله المؤمنين الطائعين، فطبيعتهم لا تؤهلهم لأن يستجيبوا إلى الفتنة أو سماع كلام الفاتنين.

9. ليس للشيطان عليهم سبيل أو سلطان أو تأثير، حيث أقسم أن يغوي الناس جميعًا إلا المُخلَصين، فمداخل الشيطان إلى أنفسهم مغلقة؛ لأنهم جردوا أنفسهم لله وحده، واتَّصلوا به وعبدوه حق عبادته، فاستخلصهم الله لنفسه كما أخلصوا أنفسهم لله، وحماهم ورعاهم من إغواء الشيطان. 

10. مكرمون في الملأ الأعلى؛ حيث أكرمتهم الملائكة الكرام، وصاروا يدخلون عليهم من كل بابٍ يهنِئونهم ببلوغ أهنأ الثواب، كما أكرمهم أكرم الأكرمين، وجاد عليهم بأنواع الكرامات من نعيم القلوب والأرواح والأبدان.

11. وعدُ الله لهم بنعيمٍ يتقلبون فيه في الحياة الآخرة ويستمتعون فيه، وهو نعيمٌ مضاعفٌ يجمع شتى أنواع النعيم، وتجدُ النَّفس منه كل ما تشتهيه، وقد ذكرت سورة الصافات بعضًا من هذه النِعم؛ منها أن لهم فواكه يأكلونها، ويُحملون على أكُفِ الراحة فهم يُخدمون ولا يتكلفون جُهدًا.

12. فرارُهم من الشُّهرة، وابتعادهم عن أعين المادحين.

13. قبولُهم للحقِّ والرجوع إليه إذا ذُكروا به.




من هم "عباد الله المخلصين": 

هم الذين أخلصهم الله - تعالى-، واصطفاهم، حيث إن الإخلاص لله -سبحانه- أصلٌ أصيل في دين الإسلام، وهو كذلك أهم عملٍ من أعمال القلوب التي يقتضيها الإيمان بالله تعالى، أما أعمال الجوارح فقبولها تابع لسلامة النية، وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإنّ النيّة بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء"، ولذا كان الإخلاص لله تعالى يمثّل حقيقة الدين وشعار المتقين، قال- تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ).


ومادة كلٍ من الكلمات مُخلصٌ بفتح اللَّام وكسرها، وخالصٌ، وإخلاصٌ، وخلاصٌ هي خَلَصَ، والمعنى الذي تدور عليه هذه المادة هو تصفية الشي‌ء وتنقيته عن الشوب والخلط وتهذيبه؛ فقولنا خلص الشَّي‌ء أي سلِم ونجا، وخَلَص الماء من الكدر أي صفا، وخُلاصة الشي‌ء ما صفا وهو مأخوذٌ من خُلاصة السَّمن، وخلَّصته أي اخترته وميَّزته من غيره، وخَلَص إلى فلان يعني وصل إليه.


والفرق بين مفردتي الصافي والخالص أن الخالص هو ما زالت عنه شائبةٌ بعد‌ أن كانت فيه، أمَّا الصافي قد تُطلق لما لا شوب فيه، فخلص الشَّي‌ءُ خلوصًا إذا كان قد شابه شيءٌ ثم نجا وسلِم، والخلاصُ يكون مصدرًا للشَّي‌ء الخالص، وأخلص للّه العمل أي جعله محضًا لله ولم يخلط معه في دينه أحد، فالإخلاص هو التوحيد لله خالصًا، ولذلك قيل لسورة « قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَد» سورة الإخلاص، وقوله -تعالى-: «إِنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ»، وقُرئ المُخلِصين، فالمُخلَصون هم المُختارون، والمُخلِصون هم الموحِّدون، والتخليص هو التَنحية من كل ما علق. 


والإخلاص من العبد في مقابل الله -عز وجل- هو إخلاص النية من الشوائب، وتوحيده في التوجه إليه، والانقطاع عما سواه، أما الإخلاص من الله في مقابل العبد هو التخليص التَّكويني، واختيار العبد تكوينًا من بين سائر العباد على صفاتٍ متميزةٍ، واستعدادٍ خاصٍّ يليق بأن يجعل فيه الرسالة وأنوار المعرفة، وهذا المعنى هو المُراد من الآيات الكريمة:


(إِنَّهُ كانَ مُخلَصًا وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا)، وقوله - تعالى-: (إنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ)، والاعتبار الذي اختيرت عليه مادة الخلوص دون مادة الاصطفاء، أو الاجتباء، أوالاختيار، أوالامتياز وأمثالها، هي أن المُخلَص من الخُلُوص وهو نقاء الذَّات وصفاؤها، أمَّا تلك المواد الأخرى فهي راجعةٌ إلى جهةٍ خارجيَّةٍ وخصوصيَّةٍ زائدةٍ على الذات.




ما يعين على تحقيق الإخلاص:

من أبرز الأمور المُعينة للعبد على تحقيق الإخلاص:

1. تحقيقُ التَوحيد لله -تعالى-، واستشعارُ معنى العبوديَة له - سبحانه-. 

2. مراقبة الله، واللجوء إليه بالدعاء بأن يجعله من العباد المخلِصين. 

3. الاهتمام بأعمال القلوب وإصلاحها. 

4. مجاهدة النفس عند رُكونها إلى الكسل والشهوات. 

5. محاسبةُ النَّفس قبل العمل، وأثناء العمل، وبعد العمل. 

6. اتخاذ خبيئة من الأعمال بينك وبين الله، لا يعلمها أحد.

7. الاستعانة بطاعة الله من خلال الإكثار من الصيام، والقيام، وصدقة السر.

8. إدراك قبح الرِّياء وأضراره على النَّفس في الدنيا والآخرة.

9. الزهد في مدح النَّاس وثنائهم، وقَطعُ الطمع عمَّا في أيديهم. قراءة سيرة المخلصين من سلف الأمة، والاعتبار بفلاحهم، ومحاولة الاقتداء بهم.

10. الحرص على أعمال القلوب؛ فمعلومٌ أن القلب إذا صلح؛ صلح الجسد كله، وإذا فسد؛ فسد الجسد كله.

11. معرفة عظمة الله -تعالى- وقدرته، والعلم بأسمائه وصفاته علمًا يقينًا مبنيًا على فهمٍ دقيقٍ لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

12. تربية النفس بالحرص على أداء بعض العبادات دون أن يعلم بها أحدًا من العباد، فتكون بين العبد وربه فقط، كما أن إخفاء العبادة والحرص على الإسرار بها، وتجنب الحديث عنها يجعل العبد بعيدًا عن الوقوع في الرياء، وبذلك يتخلق العبد بخُلق التواضع. 

13. اليقين بالعجز عن إيفاء الله ما يستحقه من العبادة؛ فكل الأعمال والعبادات والطاعات التي يؤديها العبد لا تقدر بما يمنحه الله لعباده، إضافةً إلى أن الله -عز وجل- يمنح على ذلك الأجر والثواب الحسن تفضّلًا منه. 

14. مراجعة العبد لعيوبه وتقصيره في أداء ما عليه من واجباتٍ وفرائض تجاه الله -تعالى-. اليقين بأنّ الحياة الدنيا زائلةً، وأن الخلود في الحياة الآخرة، والتفكر بالعواقب المترتبة على الرياء في الحياة الدنيا، قال -عليه الصلاة والسلام-: (من كانت الدنيا همَّه فرَّق اللهُ عليه أمرَه وجعل فقرَه بين عينَيه ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِبَ له)، إضافةً إلى عواقبه في الحياة الآخرة، قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما مِن عبدٍ يقومُ في الدُّنيا مَقامَ سُمْعةٍ ورياءٍ إلَّا سمَّع اللهُ به على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ).

15. تذكر الموت وسكراته، والقبر وأحواله، واليوم الآخر وما فيه من الأهوال. ترهيب النفس من الرياء، فالترهيب والتخويف من الأساليب التي تجعل العبد في مأمنٍ من الوقوع في المحذور.

16. مصاحبة المُخلصين، وبذلك يتأثر العبد من حالهم وينتهج سلوكهم. استشعار عظمة وقدرة الله -تعالى- ووجوده في كلّ وقتٍ وحينٍ، فيجب أن تكون العبادة له وحده سبحانه، فبيده النفع والضر، كما أنّه يعلم السرائر والبواطن.

17. ترغيب النفس بذكر الفضائل التي ينالها العبد المُخلص، ومن تلك الفضائل: التوفيق والسداد.

18. اليقين بأن الله -تعالى- مطلعٌ على كل الأعمال، وأنّ له ملائكةً موكلةً بكتابة أفعال وأقوال كلّ عبدٍ، وأنّ كل ذلك سيحاسب عليه يوم القيامة، قال -تعالى-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ  كِرَامًا كَاتِبِينَ  يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ).

19. العلم بأن الله -تعالى- سيجازي ويحاسب كل عبدٍ يوم القيامة على ما صدر منه في الحياة الدنيا، ثمّ يتقرّر المصير بدخول الجنة أو النار، قال -تعالى-: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ  وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ).

20. محبة ذكر الله والرغبة به والحرص عليه، وتفضيله على سائر الكلام، قال الله -سبحانه-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، وإجمالًا فالعبد الذي يسعى إلى نيل الإخلاص في النية عليه النظر في البواعث والأسباب التي تدفعه لأداء العمل، والحرص على أن تكون مشروعةً وصالحةً، وبذلك ينال العبد الإخلاص في النية والصلاح في العمل، مع الحرص على عدم تغير وتحول تلك البواعث والأسباب بعد الشروع في العمل، وعدم الإشراك في النية.