الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حددها لنا رسول الله.. على جمعة يكشف عن 4 محاور لتقوية أركان المجتمع

الدكتور على جمعة،
الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف

قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه من الوصايا الجامعة التي تركها لنا سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حديثًا رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.

وأوضح «جمعة» عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول في هذا الحديث: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».

ونبه عضو هيئة كبار العلماء إلى أن هذا الحديث يشمل عدة وصايا جامعة تُكون منهجًا رصينًا ومحددًا لبناء الحضارة وتقوية أركان المجتمع، فيدعو النبي من خلاله إلى العلم والتعلم، وإلى التكافل الاجتماعي، وإلى الانتماء الوطني، وإلى بناء الإنسان بتنميةٍ شاملة إذا أردنا أن نُعبر بألفاظ أدبيات العصر، ويتضمن الحديث محاور أخرى كثيرة ولكن يكفينا منها هذه المحاور الأربعة لنتدبرها ونتأملها ونحولها لواقع نبنى به حضارتنا ومجتمعنا.

وأفاد المفتي السابق بأن أول هذه المحاور أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أَمَرنا بالعلم والتعلم، واستعمل الكلمة المنَكرة «علمًا»، والنكرة تفيد العموم لتشمل أي علم بمختلف مجالاته وغاياته، سواء لإدراك الحقيقة الكونية أو العقلية أو النقلية أو الشرعية، فالعلم هو القدر اليقيني من المعرفة، وهو إدراكٌ جازمٌ مطابقٌ للواقع ناشئٌ عن دليل، والعلم له طريقه، وإذا كان صحيحًا يُوصل إلى الله رب العالمين، قال- تعالى-: «إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ».


وأضاف: "نحن نحتاج إلى العلم في عصرنا هذا أشد الاحتياج، وهو في قائمة أولوياتنا الملحة، فليس هناك على خريطة وطننا في الأولويات ما هو قبل العلم، فبالعلم نستطيع أن نتحد، وبالعلم نستطيع أن نقوى ونصبح مجتمعًا قويًا، ويقول - صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن القوى خيرٌ وأحب عند الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير»، وهذا التصوير لكل من ذهب يشتري كتابًا، أو كل من أراد أن يحضر مؤتمرًا، أو من كتب بحثًا يسهر فيه الليالي، أو يُجمِّع مادةً علمية من أجل أن يُدرِّس، أو أن يكتب، أو أن يُلقي محاضرة أنه يسير في طريق الجنة تشبيه إعجازي، يحث على العلم ويجعل منه هدفًا لكل مسلم فيربط الدنيا بالآخرة، ويرفع الحجاب الحاجز بين هذه الحياة، وبين مراد الله من خلقه.

وأكمل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حثه على العلم في نهاية الحديث مؤكدًا محور حضارة الإسلام وهو القرآن الكريم، فعليه الخدمة، ومنه المنطلق، وإليه العودة، وبه التحاكم، فهو المعيار الذي جعله الله سبحانه وتعالى محفوظًا معجزًا ناطقًا باسم الرسالة الإسلامية إلى يوم الدين، ولذلك فلابد لكل حضارةٍ ولكل مجتمعٍ قوي أن يجعل لنفسه محورا يخدمه.

وأوضح أن القرآن محور حضارة المسلمين فخدموه بالكتابة، وأنشأوا وأبدعوا الخط العربي، وخدموه بالتفسير، وخدموه بالفقه والإدراك، وخدموه بعلوم الحياة، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالسعي في الأرض، وبالنظر فيها، وبمعرفة الحقيقة والبرهان، نجح المسلمون في خدمة هذا الكتاب وتحويله من نصه المسطور إلى واقع معيش وبرنامجٍ يومي.

وأبان أن المحور الثاني هو التكافل الاجتماعي، وجعل - صلى الله علي وسلم- أساسه مساعدة المعسر لتجاوز عسرته، وهو أمر يعود في النهاية بالخير على المجتمع ككل وليس مقتصرا على المعسر بتجاوز مشكلته أو المساعد بتحصيل الثواب، وإنما هي طريقة اقتصادية رشيدة يؤمن بها الاقتصاديون المعاصرون، ويسمونها التعويم: أي أننا نُعوِّم هذا الذي كاد أن يغرق، وبتعويمه يعود النفع والمصلحة على الفرد وعلى المجتمع.

وتابع أن المحور الثالث هو الانتماء الوطني ويعبر عنه - عليه الصلاة والسلام- بأن يكون العبد في عون أخيه، ولم يقل هنا المسلم، وإنما وسع الدائرة، وجعل الانتماء الوطني أساس التعامل، فأقر التعددية الدينية التي تندرج تحت قوله تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) ، وقوله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ) ، وقوله: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ، وقوله: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ) ، وقوله: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) ، وقوله: (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) ، فجاء خطابه العام ﷺ تعبيرًا عن الاندماج الوطني رغم اختلاف الدين والتكاتف بين الناس رغم اختلاف العقيدة، في تعايش لم نر مثله طريقًا في الوصول إلى المجتمع القوي.


وواصل أن المحور الرابع والأخير تناول بناء الإنسان فيقول - عليه الصلاة والسلام-: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»، فالأمر ليس بالأنساب ولا الوجاهة ولا الأحساب، إنما بالعمل، فقيمة الإنسان في الوجود وفي المجتمع بعمله في عبادة الله: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) ، وفي عمارة الأرض: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) ، (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) يعني طلب منكم عمارها، وفي تزكية النفس: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا  وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).

واختتم الدكتور على جمعة أن هذه محاور أربعة لو أننا تأملناها، وفهمناها، ثم بعد ذلك حولناها إلى برامج عمل نعيش فيها ونُفعِّلها في حياتنا، لأصبح هذا المجتمع من خِيرة المجتمعات في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة.