الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«الإخوان».. وبدعة التنظيم الديني


'الإخوان المسلمون" هو الاسم الرسمي الذي أطلقته الجماعة على نفسها منذ تأسيسها لتنخرط تحت تنظيم واحد يتخذ الشكل الهرمي بداية من رأس الجماعة وهو المسمى بالمرشد وهو أعلى منصب في التنظيم وحتى القاعدة الجماهيرية فى أسفل مدرج الجماعة.


وليس بخفي أن هذا النظام من وضع الجماعة نفسها وجاء على نسق التشكيلات السياسية والاجتماعية والأيديولوجبة التى تموج بها المجتمعات البشرية، ولكن من الجلي أن كل ذلك ليس له أي سند من العقيدة أو الشريعة الإسلامية وبغض النظر عن مدى قبول أو  رفض شرعية أو تبرير ذلك السلوك إلا أن هذا الهيكل التنظيمي هو أساس جماعة الإخوان وصار الالتزام به من شروط الانتماء إلى الجماعة أو الانضمام إلى صفوفها ومن لا يلتزم به أو لا يعترف أو لا يسلم بموقع درجته في داخل الجماعة يعتبر متمردا وخارجها عليها
دون ذلك لا يوجد أي معنى لوجود الجماعة.


ومع كل ذلك فلم تبرر جماعة الإخوان هذا الهيكل على أساس دينى على الرغم من سهولة كشف كذب هذا الادعاء من جانب علماء الشريعة فلا يوجد في الإسلام اعتراف بهيئات دينية منفصلة دخل إطار جماعة المسلمين العامة بل إن الدعوة لتكوين مجموعة لها خلفية دينية مختلفة ولو شكلا نوع من تزكية المسلم على المسلم بزعم التقوى وهي المرفوضة بنص القرآن في أكثر من موضع وارد صراحة في الذكر الحكيم.


وقد يصل الأمر بالذين يزكون أنفسهم إلى حد تجاوز ذلك إلى التفرق والتشيع كظاهرة بالضرورة تتبع تكوين الجماعات داخل الملة الواحدة؛ فتبدأ جماعة تعطى نفسها تميزا على أسس دينية ثم ما تلبث أن تمسي فرقة منشقة
وفي بعض الديانات وصل الأمر إلى انفصال عقائدي يصبح أساسا لتكوين ديانة مختلفة مضادة للديانة الأصلية،
فتمييز الجماعات تنظيميا وعقائديا داخل الدين الواحد هو أول خطوة نحو وقوع انشقاقات كبرى عن الجماعة الأم وأهم ما في ذلك هو انه يبدأ بالتميز الاسمي قبل الفعلى.


لكن جماعة الإخوان حتى الآن ما زالت مكتفية بكونها جماعة داخلية لكنها تعطي لنفسها بدون أي سند شرعي وضعا خاصا ومميزا داخل المجموع الكلى للمسلمين لأنها لا تستطيع الآن على الأقل الاستغناء عن هذا المجموع فهو يشكل الأرضية الغنية بالمادة التى لا غنى عنها لنموها وانتشارها ومن ثم فرض هيمنتها بدعوة أعضاء هذا المجموع الملحة إلى الانضمام إليها على أنها جماعة دعوية وكل ما تقوم به من إجراءات داخلية هو من أجل تنظيم العمل فقط ولا شأن له بالعقيدة ولا بالشريعة وأنه ليس درجات دينية ولا شكلا كهنوتيا وبذلك حافظت الجماعة على كيانها المحدد وسط المجتمع فهى لم تنفصل عنه عقائديا لأنها ترى في نفسها جماعة الدعوة الملتفة حول نواة الجماعة الكبرى وإن مميزاتها الشكلية هي الأصل الواجب اتباعه والذي ضلت عنه الجماعة الأم بإدخال البدع عليها حتى نسيت أصولها أو كادت. فهى إذن تتبع سبيل الأصل في الإسلام والحارسة لنواة وجوده.


غير أن الجماعة مع ذلك لم تستطع حتى الآن أن تبرر هذا الشكل التنظيمي فقهيا بالاجتهاد أو بالتأويل ولكن ورطتها الحقيقية هي انها لو ابتعدت بتبرير التنظيم عن الدعوة الإسلامية لصارت مبرر وجودها مثل مبرر إنشاء أي ناد أو جمعية أخرى لها أغراضها واهدافها الاجتماعية أو الثقافية فلو ناقشت شكل وهيئة التنظيم من الناحية الدينية لكشفت بدعية مسلكها ولذلك تراها تغرق أتباعها وجمهورها في قضايا سياسية واجتماعية وإذا مارست الخطاب الديني فلن يكون أكثر من تحريض وإيغار الصدور بعيدا عن طرح اي موضوعات تتعلق بشرعية وجود هيكل خاص للجماعة. فمع مزيد من التعمق في تبرير هذا الشكل ستتعرى حتما حجتها الأساسية في دعوة الإصلاح إذ لا يجوز الإصلاح على أساس يخالف روح وشكل العقيدة التى تزعم الدعوة إلى اتباع أصولها بينما لا تجد مبررا لوجودها ذاته حسب تلك الأصول التى تزعم حمايتها والدعوة إليها ولإبطال ما يخالفها  فلو حدث هذا لفقد الإخوان إغراء المجتمع بالدعوة إلى الصلاح والتقوى وهو مبرر ظهورها وسند بقائها وحتما ستخسر بذلك زخمها الاجتماعي وهو ما يتناقض مع مبادئها الأساسية الهادفة للاستيلاء على زمام قيادة المجتمع الإسلامي دينيا وسياسيا ولكنها في الوقت نفسه تريد بقاءها كهيئة متميزة ولذلك تجاهلت طرح مدى شرعية هيكلها التنظيمي.


والغريب أنه قلما خاض أحد من المفكرين على اختلاف منطلقاتهم من المهتمين بفكر وتاريخ جماعة الإخوان - حسب علمي حتى الآن-  في هذا الشأن بل حتى خصومهم من الجماعات السلفية التى انشقت عنهم أو نشأت في مواجهتهم لم يناقش أولئك ولا هؤلاء مدى ملاءمة هذا التنظيم شكلا ومضمونا مع روح الإسلام الذى لا يعترف بنظام الهرمية الدينية إلا بناء على التقوى التى ينفرد الله جل وعلا بعلم مداها في نفس كل مؤمن وله وحده الحكم فيها وعليها.


بل إن للإسلام موقفا من الهرمية الاجتماعية التى تقوم على الظلم والتعالي بين أفراد وفئات المجتمع
فظهور جماعة الإخوان كجماعة دعوية واتخاذها هذا الشكل التنظيمي الذي يجعل أعضاءها بعضهم فوق بعض درجات بقرارات من المرشد ومعاونيه من مكتب الإرشاد وغيرهم من المستويات التنظيمية التي تفرضها تجعل للمرشد وأعوانه سلطة روحية مرجعية تدعي لنفسها ما لم يخول إليها من السماء أو حتى من الأرض، فهذا النظام لو اقتصر على كونه مجرد عملية تنسيقية لتوزيع أدوار الدعوة لهذا الأمر ولكن لا يوجد اي أساس شرعي لما يسمى بالمرشد أو بمكتب الإرشاد أو درجة "أخ كذا أو غيره" ولم يعط الإسلام أي هيئة مهما كانت سلطة روحية لتوزيع درجات التقوى وليس ثمة مبرر التعامل مع المرشد على أن له مكانة دينية بل البدعة تتجلى أساسا في وجود منصب المرشد نفسه الذي ليس له أي سند فقهي أو تاريخي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط