الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جبرتي الستينات


على الكاتب العربي مهمة مخيفة جدًا وهي اختصار التطور واستحضار الوجدان من ماضيه العتيد إلى حاضره ثم الارتفاع من حاضره إلى القمة التي وصل إليها العالم هكذا كان يري يوسف ادريس مهمة الكاتب.    

وهي الرؤية التي ترجمها في انتاجه الادبي فقد شهد نهج يوسف إدريس في كتابة الفصة القصيرة تغيرا جذريا في نهاية الخمسينيات واوائل الستينيات حيث التصوير الواقعي  للحياة من خلال السهل الممتنع الذي لا يخلو من الرؤية الفلسفية. 

شرح يوسف ادريس المجتمع بكل طبقاته وشرائحه الاجتماعية  وكانت مجموعاته القصصية في مجملها تشكل بانوراما واسعة لفئات المجتمع المصري المختلفة حيث التقط نماذج في أغلبها مطحونة  وتحمل قدرًا كبيرًا من المعاناة حيث انحيازاته الاجتماعية وأفكاره الثورية التي تاتي انعكاس صادقا لرقة مشاعر الاديب التي تهتز للضعف الإنساني. 

ومن جانب كانت اعماله بمثابة رصد تاريخي لواقع المصريين يوثق بها ملامح المجتمع وتغيراته وكانت علاقة يوسف إدريس بالقرية والمدينة استثنائية  فهونشأ بالريف وكون صورة حقيقية عنه وجاء انتقاله للمدينة ليضفي بعدا اخر. 

وتميز ادب يوسف ادريس بقواعد الوصف السردي واهتم بالتفاصيل والجوانب التشريحية  للشخصيات المحورية وكان  شديد الإخلاص لابطاله لايقحم عليها أوصافا تنتمي إلى قاموسه النخبوي ككاتب مثقَّف وإنما يأتي بأوصافها من عمق بيئتها فهو يدخل الي اعماق ودواخل  الشخصية  وهذا ليس بالغريب علي يوسف ادريس  فهو الطيبب النفسي.

وكان تمرده علي السلطة اللغوية كان احد الخصائص المتميزة لادب يوسف ادريس فبينما تتنصل قصص من سبقوه في مجال القصة القصيرة من العامية نجده يحتفي بها في كتاباته  وهو ليس انحياز للعامية بقدر ما كان انحيازا للطبقات الكادحة والمهمشين فقد فصح تعبيرات عامية مصرية وادخلها الي ديوان العربية الفصحي في اعتراف متعمد بالعامية كاحد مفردات العربية الفصحي.

استطاعت اعمال يوسف ادريس ان تصل بالقصة العربية الي العالمية من خلال الاعمال شديدة المحلية وهي المعادلة الصعبة التي نجح في  فك طلاسمها  بابداع شديد التفرد وليس هناك ابلغ من رواية الحرام فقد استطاع كاتب السيناريو والحوار سعد الدين وهبة أن ينفذ إلى جوهر رؤية يوسف إدريس ونجح المخرج هنري بركات في ترجمة العمل الادبي وتوظيف كافة ادواته بدءا من الابطال عزيزة  عبدالله  ناظر الزراعة الباشكاتب حتي الموسيقى التصويرية التي استخدمت الآلات الشعبية أضافت إلى الصورة عنصرًا جماليًا  جعل المشاهد يعيش الحدث مع شخوصه ليقدم الفيلم بانوراما رائعة لحياة عمال التراحيل بلا خطابة أو ثرثرة مبرزًا أشد اللحظات الدرامية في حياتهم ولذلك جاء فيلم الحرام الافضل ضمن قائمة افضل 100فيلم في تاريخ السينما المصرية.

وهكذا فقد اختزل الاديب يوسف ادريس القصة القصيرة وبحرها للامحدود في قطرة فكان كالحاوي كما وصف نفسه ومكانة متفردة لم يصل اليها احد في عالم القصة القصيرة الاصعب كتابةً وتكنيكًا  فاعطاها روحا جديدة ونقلها من موقعها الصغير الي موقعها الكبيرويشخصها في لالئ إبداعية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط