الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العثمانية والكهنة المعاصرون



وكأنهم يسعون إلى إعادة التاريخ من جديد ولكن هذه المرة بلبوس معاصر متوافقة والمرحلة التي نعيشها ونحن في القرن الحادي والعشرون. والملفت للنظر أن من يحالون إعادة التاريخ للوراء ليس لهم أية علاقة بإدراك معنى التاريخ والحياة والحاضر الذي نعيشه. همّ فقط عبارة عن عبيد يأتمرون لكهنتهم وخليفتهم العثماني الجديد أردوغان، من غير أن يعلموا أن المرحلة العثمانية التي عشناها لمدة قرونٍ أربعو أو أكثر لم تكن سوى مرحلة مظلمة من تاريخ الحضارة الإنسانية وكأن شعوب المنطقة كانوا في كهف نائمون طيلة تلك المدة وليست لهم أية علاقة بما حصل من تطور ومستجدات في الخارج.

الآن يريدون إعادتنا لنفس تلك المرحلة ويزينونها على أنها كانت مرحلة نهضة وعمران في أوهامهم فقط، بل نُدرك من مسعاهم هذا أنهم فاقدي البصر والبصيرة وليس لهم أية علاقة لا بالحاضر ولا بالمستقبل. تاريخ العثمانية بقرونه الأربعة ومعظم سلاطينهم لم تكن إلا كابوس حلَّ على شعوب المنطقة ومجتمعاتها بكل أطيافهم وألوانهم من دون تمييز. العثمانيون الذين استغلوا الدين الإسلامي لينتشروا في المنطقة، ها هم يعيدوا نفس السيناريو ثانية باسم الدين محاولين استعادة امجاد الماضي على حساب شعوب المنطقة بأكملها.

أردوغان الذي يدرك سذاجة الشعوب التي وصلت لمرحلة القطيع كيف يقودها من دون عناء يذكر مستغلًا جهلهم بالدين وجشعهم بالمال وبذلك يجرهم هنا وهناك كبنادق مأجورة يزجهم في حروب عبثية وأوهام تدغدغ مخيلة خليفتهم فقط. المشكلة الكبيرة ليست في أردوغان بقدر ما هي عند الكهنة المعاصرون الذين ارتدوا العمائم والجلباب جاعلين من أنفسهم ظِل الله على الأرض وراحوا يفتون باسم الرب في الجهاد بكل أنواعه مدغدغين بذلك غرائز القطيع المنجر ورائهم. 

من القرضاوي وحتى القرةداغي والكثير ممن يدافعون عن أردوغان وينفذون ما يريد طمعًا برضاه وعطفه وكأنه خليفة لله أمام أعين المرتزقة والإرهابيين. هم نفسهم الذين عبر التاريخ كانوا من حاشية السلطان يبررون له كل حروبه على أنها غزوات وسرقاته على أنها غنائم واغتصابه على أنه سبي لهم الحق ليفعلوا ما يشاؤوا أينما كان. كانوا في المرحلة الأموية والعباسية والتي لم تنهار إلا بسبب الابتعاد عن حقيقة الدين الحنفي والارتماء في فواحش الدنيا وزينتها، وكذلك قتل كل من كان يقول لهم لا وكفى. لم يتركوا نابغة وفيلسوفا وطبيبًا وعالمًا إلا وقتلوه تحت حجة أنه زنديق وكافر. 

وهذه البعض من أبرز أعلام الأمة الذين يطلق عليهم الناس لقب علماء الإسلام، ويسترشدون بزمانهم وما قدموه للبشرية هؤلاء العلماء تم قتلهم بصورة بشعة وتكفيرهم وحرق كتبهم وعلومهم على يد كهنة الخليفة والسلطان. حيث أتهم ابن المقفع بالزندقة وقُتل بعدها على يد سفيان بن معاوية حيث قام بصلبه وتقطيع لحمه قطعة قطعة وشيها في النار أمام ناظريه حتى مات. والفارابي وابن سينا وأبو العلاء وأبو بكر الرازي والكندي والجاحظ وحلاج المنصور والكثير غيرهم.

اليوم نفس الكهنة المعاصرون الذين يتعبدون أردوغان يكفرون كل من يقف في وجههم ويرمونه بالزندقة والإلحاد ليشرعنوا كل عمل يقومون به من قتل وحرق وسبي وسرقة. هذا ما رأيناه في سوريا والعراق والآن في ليبيا واليمن. لا فرق بين الخليفة والسلطان السنَّي وآية الله الشيعي فلكل فريق كهنته الخاصة به ومرتزقتهم الذين يحملون لواء وراية الدين ومفتاح الجنة، ليوهموا سذج العقول على الحروب والموت في سبيل بقائهم على سلطتهم.

نعيش مرحلة تعددت فيها الآلهة وكثر فيها الكهنة أيضًا وراحوا يعيثون فسادًا في الأرض تحت اسم الدين. فمن أردوغان وحتى ترامب وبوتين وغيرهم من الآلهة الغربيين والآسيويين والكهنة من الكتَّاب والسياسيين والأكاديميين ورجال الدين الذين يفتون لهذه الآلهة بكل ما تريده أنفسهم ويبررون بهم القتل حتى مسمى الديمقراطية والحرية والمساواة واعلاء كلمة الله.

ما يلزمنا الآن هي مطرقة سيدنا إبراهيم وتحطيم هذه الأصنام التي طغت على الأرض وكذلك تهشيم الكهنة الذين لا يقلون خطرًا عن سلاطينهم الذين يدَّعون الخلود بسفكهم لدماء الشعوب ودمار البلاد. ربما والكرد هذه الأيام يحتفلون بقفزة الخامس عشر 15 من آب هي المطرقة التي دكت عرش العقلية التركية القائمة على اقصاء الآخر وقتلهم إن كانوا أرمن أو كردًا أو عربًا. القفزة التي تحل ذكراها السادسة والثلاثين ما زالت تحطم هذه الأصنام بأيدي قوات العمال الكردستاني في ربوع كردستان، في وقت ينبطح الآخرين من كرد وعرب صاغرين ساجدين لأردوغان الذي جعلهم كدمى لا حول لها ولا قوة، لا همّ لها ولا تبحث إلا عن اشباع نهمها من المال والقصور وكذلك غرائزها الحيوانية. 

وما ثورة الكرد هذه إلا امتداد لثورة سيدنا إبراهيم مستمرة وبإرادة كبيرة على أنها لن تقف حتى تهشم صنم أردوغان وكل من يقف معه ووراءه من الكهنة المعاصرين الذين يبررون لأردوغان احتلاله لأي مدينة وقتله لأي شعب وتهجيره لأي مجتمع. ثورة ستتحول لرسالة سلام مشرق أوسطية تعمّ المنطقة بأسرها لبناء مجتمع غايته بناء انسانية الانسان وقتل الإله الانسان.




المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط