قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الانتخابات المصرية: أين الخطر؟


فى المجمل يمكن القول إن الانتخابات المصرية هى انتخابات نزيهة عرفت صوراً متعددة من التجاوزات لم تؤثر على نتائجها وسلامتها، فقد عكست الوزن الحقيقى للقوى السياسية على الأرض، بصرف النظر عن مساحة التجاوزات التى حدثت ونقدرها بحوالى 10% أضيفت إلى رصيد الأحزاب الدينية، خاصة «الحرية والعدالة» و«النور».
وإذا كانت الانتخابات فى المجمل مرت بسلام ولا يمكن مقارنتها بالتزوير الذى سمى «انتخابات فى 2010».. فأين يكمن الخطر إذن؟!
الحقيقة أن هناك مجموعة من الظواهر المقلقة إذا تركت فإنها ستجعل سلبيات الانتخابات المقبلة أكثر من إيجابياتها وستعيدنا إلى مربع قريب من المربع القديم، خاصة أن الانتخابات الأخيرة شهدت سلبيات كثيرة تقبلها الناس، لأنه لم تكن هناك إرادة للتزوير كما كان يجرى من قبل.
المظهر أو الخطر الأول هو البيئة الانتخابية وغياب القواعد القانونية التى تحكم مسار العملية الانتخابية من دعاية وإنفاق مالى بلا حدود، وأيضاً ما جرى فى شوارع القاهرة من فوضى فى الدعاية الانتخابية ومن مظاهر مسيئة للعين وللذوق والأخلاق، وشارك فيها كثير من المرشحين بدرجات متفاوتة، نتيجة غياب الدولة عن القيام بدورها فى تنظيم العملية الانتخابية.
هل يعلم الناس أن الانتخابات التى جرت فى تونس نظمت الدعاية فيها مثلما تنظم فى فرنسا وباقى الدول الديمقراطية، بأن أعطيت للمرشحين مساحة متساوية ومحددة لوضع ملصقاتهم، ولم نشاهد كل هذه الفوضى التى رأيناها فى شوارع مصر، حيث استباح كل من هو «مزنوق فى قرشين» الميادين والشوارع ليضع صورة فى كل مكان من البوابات التى تمتلئ الميادين حتى الإعلانات الضخمة التى تشبه إعلانات المسلسلات والأفلام.
فى البلاد الديمقراطية البلدية تنظم أماكن الدعاية، وفى بلادنا يجب أن تكون هناك جهة محايدة تتولى تنظيمها وتحديد أماكنها وسقف للإنفاق عليها، بحيث لا يستبيح الأثرياء شوارع المدن وميادينها ولا يضطرون لممارسة هذا النوع من «الفوضى الدعائية» الذى لا نجده فى تجربة ديمقراطية حقيقية فى العالم كله.
المظهر الثانى هو اضطرارنا جميعا لأن نجرى الانتخابات على مدار شهر ونصف الشهر، نظرا لأن الناس (ناخبين ومرشحين) لا يثقون إلا فى الإشراف القضائى وفق اختراع قاض على كل صندوق، وهو أمر لا بديل عنه فى أول انتخابات حرة بعد «انتخابات» 2010 المزورة، ولكنه فى الحقيقة يضع مصر فى مصاف الاستثناء بين كل دول العالم من الهند إلى باكستان وحتى دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية، فلا يوجد بلد فى العالم تجرى فيه الانتخابات التشريعية على شهر ونصف الشهر إلا مصر، ولا يوجد بلد فى العالم يصوت فيه الناس على يومين فى كل مرحلة إلا مصر، وأخيرا لا يوجد بلد آخر فى الدنيا ينتظر الناس نتائج مراحله الانتخابية المختلفة أياماً إلا مصر.
والحقيقة أن نظرية قاض على كل صندوق تعنى عمليا عدم ثقة المواطنين، ناخبين ومرشحين، بأى موظف عام آخر إلا القاضى «وهو أمر يحسب للقضاء بلا أدنى شك» وأنهم يتشككون فى حياد أى موظف تابع للجهاز الإدارى للدولة، خاصة بعد أن مارس كثير منهم عمليات تزوير لصالح الحزب الوطنى، ويخشى الناس فى عودتها مرة أخرى إذا غاب الإشراف القضائى، وحكم البلاد حزب جديد.
والحقيقة أن هذا الوضع يضعنا فى مكانة غريبة تماما، حيث لا توجد ثقة فى جهاز إدارى للدولة يصل عدد العاملين فيه لما يقرب من 7 ملايين موظف، وأنه لا بديل عن استعادة هذه الثقة مرة أخرى حتى يصبح هناك قاض فى كل لجنة وموظف محايد ونزيه على كل صندوق.
وحين نصل إلى هذا الوضع فهذا سيعنى أننا أجرينا الإصلاحات المطلوبة فى الجهاز الإدارى للدولة، ووثقنا بأن الشرطة ستكون محايدة أثناء تأمينها العملية الانتخابية، وأن مصر فى طريقها لأن تصبح دولة طبيعية، تجرى فيها الانتخابات فى يوم واحد وتغلق صناديق الاقتراع فى السادسة أو السابعة مساء وتظهر النتيجة فى مساء اليوم نفسه.
أما الخطر الثالث فهو أن تجرى الانتخابات المقبلة فى مصر فى وضع اجتماعى وسياسى شبيه بالذى جرت فيه الانتخابات الحالية، حيث تبقى نسبة الأمية كما هى الآن 30%، ويبقى القرار الفاشل فى فرض غرامة 500 جنيه على غير المشاركين سارى المفعول، فالمؤكد أن هناك نسبة من الناخبين، نقدرها بما بين 10 و15%، شاركت فى الانتخابات بسبب الغرامة الوهمية وشاهدنا كثيراً منهم وهم يسألون مندوبى الأحزاب المختلفة: من ننتخب؟!
من حق الناس أن تقاطع، عن وعى أو عن جهل، الانتخابات ولا يوجد أى نظام فى العالم يجبر المواطنين على المشاركة فى أى عملية انتخابية خوفا من الغرامة، كما أن نسبة الأمية المرتفعة «مصر بين أعلى 9 بلاد فى العالم» تعد سببا آخر فى توجيه نوعية من الناخبين نحو شعارات مختلفة لا علاقة لها بالبرامج والأفكار السياسية.
إن المشكلة الحقيقية التى تواجه مصر وظهرت جلية فى الانتخابات الأخيرة أنها شهدت ثورة لم تعقبها أى إصلاحات تذكر، والمقصود بالإصلاحات هنا ما عرف بـ«الإصلاحات المؤسسية» التى شهدتها كل تجارب التغيير الناجحة فى العالم، والتى تتم فيها إعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس جديدة تختلف جذرياً عن تلك التى كانت موجودة فى العهد السابق، وعدم الاكتفاء بتغيير أشخاص أو إحداث بعض الرتوش الشكلية.
إن نجاح أى تجربة تغيير فى العالم لا يقاس فقط بمدى ثورية الفعل السياسى الذى أدى للتغيير، إنما بالمسار الذى ستتبعه هذه التجربة بعد الثورة، فإذا نجحت فى بناء مؤسسات وقواعد جديدة تفكك بها أركان النظام القديم، فسيكون ذلك بداية النجاح، أما إذا بقيت محكومة بالقواعد والمؤسسات القديمة نفسها، وغنّى الجميع بمن فيهم رجال النظام القديم للثورة، فإن الأمر سيعنى أننا «محلك سر»، ونضحك على أنفسنا بالاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير والاحتفاظ بالنظام الذى ثارت عليه.
إذا لم نغير فى البيئة الحاضنة للعملية الانتخابية وفشلنا فى بناء قواعد قانونية جديدة تحكم العملية السياسية ودعَّمنا من حياد مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القضاء والشرطة، فإن البلاد مرشحة لأن تعيد إنتاج النظام القديم فى قالب جديد، وهذا هو الخطر الحقيقى الذى يواجه مصر فى أى انتخابات مقبلة.
نقلا عن المصرى اليوم