الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مرصد الأزهر يحذر من تصاعد موجات الإرهاب في موزمبيق

صدى البلد

عانت بعض دول القارة الإفريقيّة من نشاط إرهابيّ ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، ومن هذه الدول "موزمبيق"؛ ويرجع ذلك لأسباب كثيرة لعل أهمها الموقع الجغرافيّ المتميز لموزمبيق إضافة إلى تاريخها المضطرب، الأمر الذي دفع بالبلاد إلى متاهة الإرهاب الغاشم الذي تواجهه الآن، فالتوترات السياسيّة والمشكلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، شكّلت بيئة خصبة لنمو التنظيمات الإرهابيّة مثل حركة "الشباب" المحليّة التي أصبحت بمرور الوقت أكثر عنفًا.

وحذر مرصد الأزهر من دخول موزمبيق في دوامة الإرهاب الدوليّ وتحولها إلى مطمع لتنظيم "داعش" الإرهابيّ، وربما محطّ أنظار التنظيمات المتطرفة الأخرى خلال الفترة المقبلة.

وأوضح المرصد في تقرير له أن العمليات الإرهابيّة التي اندلعت في أنحاء متفرقة من البلاد، في الفترة ما بين 2012 و2016 قدرت بـ "105" عمليات إرهابيّة إضافة إلى فرار أكثر من 6700 شخصٍ من منازلهم، منوها إلى أنه على الرغم من توقيع اتفاق للسلام عام 1992 في موزمبيق لتهدئة الاضطرابات السياسيّة التي شهدتها البلاد، إلا أن مجموعة من المتغيرات الداخليّة والإقليميّة والدوليّة ساهمت في إذكاء الصراع الداخليّ، والذي وصل في بعض الأحيان إلى حالة الحرب الأهليّة؛ حيث لعبت المظالم الاجتماعيّة والاقتصاديّة دورًا مهمًا في عملية التطرف في "موزمبيق".

واعتبرت العناصر المتطرفة في موزمبيق أن الاستثمارات الأجنبية شمال البلاد من أكبر المناطق والمراكز الاقتصاديّة في البلاد؛ نظرًا لأنها غنية بالبترول وحقول النفط، وبها أكبر رواسب للياقوت الأزرق في العالم، تدخلًا في بلادهم؛ لذلك استهدفوها بعمليات إرهابيّة من حين إلى آخر.

وأشار المرصد إلى أن هذه الأسباب وغيرها دفعت بعض الشباب إلى تبني ودعم أفكار وأيدولوجيات الجماعات المتطرّفة على مدار السنوات القليلة الماضية، ومن هنا ظهر تنظيم "داعش" الإرهابيّ في شمال موزمبيق، نتيجة لهذه الأزمات، ولإيمان بعض الشباب بفكرة الخلافة! والتي كان التنظيم الإرهابيّ يزعم إقامتها.

وأكد المرصد أن تنظيم «داعش» الإرهابيّ -بعد الخسائر المتلاحقة التي مُنِيَ بها في سوريا والعراق- يُحاول إيجاد مصدر تمويل وبقعة أرضية تحتضنه في العمق الإفريقيّ، ولما كانت "موزمبيق" هي الثروة المبتغاة له، حاول بكل قوة أن يكون له نصيب الأسد، فتغلغل في الداخل، مستغلًا حالة التمرد ضد الحكومة، وحالة الفوضى التي تشهدها البلاد لشنّ عملياته الإرهابيّة بعد التعاون مع الجماعات المتطرّفة الموجودة في البلاد. ويبدو أنّ التنظيم يعزّز انخراطه هناك كجزء من عملية "الأفرُع" التي وسّع من خلالها وجوده في عدة أنحاء من إفريقيا.

ونوه إلى أنه في الأول من يونيو 2018، أعلن تنظيم «داعش» الإرهابيّ عن تدشين خلية جديدة تابعة له عبر نشره صورًا لأعضاء الخلية على قنوات «التليجرام» التابعة له، متبنيًا بعد ذلك مسئوليته عن أكثر من 30 هجومًا وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانيّة.

وأضاف أن تنظيم «داعش» الإرهابيّ استطاع خلال الفترة الماضية وبالتحديد منذ شهر مارس 2020، أن يسيطر على أجزاء كبيرة من شمال موزمبيق مستغلًا حالة الفوضى في تلك المنطقة، وانشغال البلاد، بل العالم أجمع بمحاربة جائحة كورونا ومواجهة تداعياته المحتملة، ويكمن سر سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابيّ على منطقة شمال موزمبيق في أنها تتمتع باحتياطيات ضخمة من النفط والغاز؛ ما يجعل المنطقة مطمعًا للتنظيمات المتطرفة الأخرى.

حركة أهل السنة والجماعة.. من تمرد إلى إرهاب غامض
هي جماعة تعرف محليًا بــ "أهل السنة والجماعة ASWJ" أو ما يطلق عليها الآن حركة "الشباب"؛ وهي تختلف عن حركة "الشباب" في الصومال. بدأت كحركة دينيّة منذ ظهورها أول مرة في عام 2015، والناظر لجماعة "الشباب" يجد أنها تتشابه بشكل ملحوظ مع جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا؛ حيث تمثلت نشأة كلتيهما في إطار العمل المؤمن بفكرة «الحاكمية» (وهي الفكرة التي أوضحها مرصد الأزهر في العديد من مقالاته وحملاته التوعوية)، لتصطدم مع الدولة، ثم تنتقل لاحقًا إلى تشكيل فصائل عسكريّة، ومن ثَمَّ الدخول في حرب العصابات، ثم التعاون مع منظمات إرهابيّة عالميّة.

ولا تتوقف خطورة «الشباب» على نشاطها الإرهابيّ في منطقة معينة، بقدر ما يتصل الأمر بقدرتها على تشكيل شبكة علاقات مع التنظيمات المتطرّفة في أماكن أخرى بالقارة الإفريقيّة؛ ويشير أحد التقارير الصادرة عن معهد الدراسات الاجتماعيّة إلى تواصل هذه الحركة بجماعة «الشباب الصومالية»؛ حيث جاء معظم قادة الأخيرة لتدريب عناصر الأولى في شمالي موزمبيق، وهو ما قد يفتح الباب مستقبلًا أمام نسج علاقات شبيهة بالتنظيمات الفرعيّة التابعة لتنظيم القاعدة مثل «المرابطون».

كما ذكرت مجلة «فورين بولسي» أن حركة "الشباب" تربطها علاقات وثيقة بتنظيم «داعش» الإرهابيّ، وخلال الفترة الماضية أعلنت معظم عناصرها الولاء للتنظيم، وقاموا بالعديد من العمليات لصالح التنظيم. فقد أعلن تنظيم «داعش» عبر أحد منابره الإعلاميّة، الأربعاء 8 أبريل 2020، أنه استطاع السيطرة على بلدة «مويدومبي» بمنطقة «كابو ديلجادو» شمال الموزمبيق. وتعتمد جماعة "الشباب" الموزمبيقيّة في تمويل نفسها على تجارة الهيروين، وتهريب البضائع، وتجارة العاج.

وفي البداية كان لدى هذه الجماعة ما يقارب 50 مقاتلًا، لكن عددهم ارتفع إلى قوة مسلحة تزيد عن 300 مقاتلًا. واليوم يقدر عدد أعضاءها بـ 1500 مقاتل يعملون في خلايا صغيرة على طول الساحل الشماليّ بموزمبيق. كما عملت الجماعة على تجنيد عناصر آخرين في مناطق أخرى في البلاد.

وقد عملت الحركة خلال العامين الماضيين في الظل، حيث هاجمت قرى نائية شمال البلاد، ونصبت كمائن لدوريات الجيش على طرق معزولة، وغرست الرعب في العديد من المجتمعات الريفيّة، وهو ما أجبر حوالي 200 ألف شخص على الفرار من منازلهم. وقد شنّت الجماعة حوالي 375 هجومًا منذ هجومها الأول على مركز للشرطة في عام 2017 فقط على سبيل المثال، ما أدى إلى وقوع أكثر من 900 قتيل ، وحرق الكثير من المنازل والمساجد. ولهذا يوصف الوضع في موزمبيق بـ "المروع للغاية"، لدرجة أن أحزاب المعارضة دعت الحكومة إلى إعلان حالة الحرب في مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية. 

وبالنظر إلى المعطيات السالفة الذكر وأخذًا في الاعتبار ما تواجهه دول القارة الإفريقيّة، ومن بينها دولة موزمبيق، جراء تفشّي وباء كورونا، والتي تحرص الجماعات الإرهابيّة على استغلاله بشكلٍ دائم، فإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف يرى أن خطورة الوضع في موزمبيق يكمن في أن "جماعة الشباب" وغيرها من الجماعات المتمردة الأخرى تمكّنت من إقامة روابط مع الجماعات الإرهابيّة المتشدّدة في الصومال وتنزانيا وكينيا. كما أن الاكتشاف الهائل للغاز الطبيعي في تلك المناطق بموزمبيق، يدفع الجماعات المتشدّدة لمهاجمة مناطق الطاقة التي تعمل فيها شركات أجنبية.

وحذر المرصد من استمرار الصراع الدائر في موزمبيق، لأنه إذا أُسيء التعامل معه، يمكن أن يمتدّ إلى تنزانيا المجاورة، وربما إلى جنوب إفريقيا، مؤكدا أن حل الصراع بشكل أساسي، يكمن في معالجة المظالم الاقتصاديّة والاجتماعيّة عميقة الجذور.

وشدد المرصد على أهمية التنبه لمخاطر تمدّد تنظيم «داعش» الإرهابيّ في موزمبيق، وتنامي الصلات القائمة مع خلاياه المبايعة له في منطقة شرق إفريقيا، التي من الممكن أن تتطور بعد ذلك ويتم دمجها في هيكل واحد؛ مما يساعد التنظيم الإرهابيّ في تمدّده وسط إفريقيا بشكل أكبر وأوسع في شرق وجنوب القارة الإفريقيّة.